محاكمة القذافي: دوليّة.. محليّة.. أم الاثنتان معاً؟

يصرّ الثوار الليبيون على محاسبة الرئيس الليبي معمّر القذافي، حالما يتم القبض عليه، أمام المحاكم الليبية. ومن حيث المبدأ، فإن رغبتهم بإجراء محاكمة محليّة أكثر من مبرّرة، فالمحاكمات الوطنيّة تعزّز سيادة القانون وتسمح لليبيين بإدارة مطلقة للعملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية.
ولكن هناك مشكلة واحدة لا يمكن التغاضي عنها إزاء طرح مماثل: سبق للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أن أصدرت مذكرات اعتقال بحق القذافي وابنه سيف الإسلام ومدير جهاز استخباراته عبد الله السنوسي. وقد طلب مجلس الأمن، بعد إعلانه بأن جرائم القذافي هي جرائم ضد الإنسانية وليس ضد الليبيين فقط، من المحكمة الدولية التحقيق في الوضع في البلاد. والآن تريد الأخيرة، بعد صدور تقريرها، محاكمة الثلاثة المذكورين نتيجة «الفظائع» التي ارتكبت منذ بداية الثورة في ليبيا.
وفيما يدافع البعض عن فكرة مفادها أن الحكومة الليبية الجديدة ملزمة بتسليم القذافي ومساعديه إلى المحكمة الدولية فور القبض عليهم، يرفض آخرون أن تتولى الأخيرة محاكمتهم مشددين على ضرورة أن تسلّم المحكمة الدولية المهمة للسلطات الليبية في حال كانت مستعدّة وقادرة على الاضطلاع بهذا الدور. أما الطرح الأفضل الذي يفترض أن يرضي الطرفين، مناصري المحكمة الدولية من جهة وزعماء ليبيا الجدد من جهة أخرى، فهو السماح للمحكمة الدوليّة بمحاكمة المتهمين، على أن تقوم بذلك على الأراضي الليبية.
والجدير ذكره في هذا الصدد أنه على الرغم من أهميّة المحاكمات الوطنيّة، إلا أن ليبيا ما بعد القذافي، ستفتقر، أقله في المدى المنظور، إلى البنية التحتيّة المؤهلة لملاحقات قضائية من هذا القبيل، في حين أن المحكمة الجنائية الدوليّة، بما لديها من خبرات، تمتلك البنية التحتية والتجارب القانونيّة لإجراء محاكمات في الجرائم الجماعيّة.
ولكن هويّة الجهة المخوّلة بالمحاكمة ليست المشكلة الوحيدة، فسؤال أين ينبغي أن تعقد المحاكمات قد لا يقل أهميّة.
ثمة فوائد عمليّة ورمزيّة عديدة قد يقدمها حلّ تولي المحكمة الدولية محاكمة القذافي في طرابلس. الأهم يتمثل في أن المحاكمة ستكون أقرب إلى الجماعات التي تحتاج إلى أن تأخذ العدالة مجراها. كما يمكن للمحكمة الدولية، إذا ما عقدت في ليبيا، أن تتيح المجال أمام انخراط عدد من الليبيين في متابعة الإجراءات، الأمر الذي يفسح المجال أوسع أمام المحكمة للوصول إلى الضحايا وكذلك لإعطاء المحامين الليبيين الشباب والآخرين ذوي الخبرة فرصة العمل في نظام حديث من العدالة.
انعقاد المحكمة الدولية في طرابلس، بمشاركة ليبية واسعة، يمكن أن يشكل أيضاً مؤشراً إلى اتجاه جديد في ليبيا، وهو تعزيز سيادة القانون وانخراط المؤسسات الليبية في الحياة الدوليّة. كما يمكن أن يعزّز الملاحقات الجنائية والتحقيق في الجرائم التي ارتكبت من قبل متمردين، فضلاً عن إنجاح المصالحة على الصعيد الوطني، وهي أمور من شأنها أن تدل على ان الحكومة الليبية الجديدة تؤمن بالعدالة داخل المجتمع الموحد.
وأخيراً، لا شك في أن انعقاد المحكمة الدولية في طرابلس يتطلب توفير موارد هائلة لبناء وترميم مرافق المحكمة. ويمكن هنا لمجلس الأمن، الذي كان متحمساً لإحالة ليبيا إلى التحقيق، أن يساعد في تحديد مصادر التمويل والخبرات اللازمة للمحاكمة. وفي الوقت نفسه، ليس من الضروري أن تتم جميع الإجراءات في ليبيا، حيث يمكن أن تضم لاهاي الأعمال التحضيرية للمحاكمة وذلك قبل التحرك لتنفيذ هذه الأخيرة فعلياً في طرابلس.
المدير التنفيذي لبرنامج القانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة كاليفورنيا