الملف النووي الإيراني في البرقيات الدبلوماسية: «إحباط» أميركي ـ إسرائيلي من «انحرافات» البرادعي

لا يخفى على أحد أن ثمة تنسيقاً أميركياً إسرائيلياً على مستوى عال في ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، لكن البرقيات الدبلوماسية التي تمّ تسريبها عبر موقع «ويكيليكس» تظهر أن حجم هذا التنسيق يصل إلى حد تبني الإدارة الأميركية حرفياً للاقتراحات الإسرائيلية في هذا الخصوص، وترجمتها في توصيات تقضي بالحدّ من التعاون التكنولوجي بين الوكالة الذرية والجمهورية الإسلامية، والتشكيك في مهنية المدير العام السابق للوكالة محمد البرادعي بسبب مقاربته للملف النووي الإيراني.
وتظهر برقية سرية صادرة عن السفارة الأميركية في تل أبيب تعود إلى 22 شباط العام 2007، وتتناول الزيارة التي قام بها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية روبرت جوزيف إلى تل أبيب، وخلاصة لقاءاته مع مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية والوكالة الإسرائيلية للطاقة الذرية وجهازي الاستخبارات العسكرية والموساد، أن الإسرائيليين والأميركيين كانوا «محبطين» من مواقف مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقتها، محمد البرادعي تجاه الملف النووي الإيراني.
وتوضح الوثيقة أن «إسرائيل تشارك الولايات المتحدة إحباطها» من مواقف البرادعي، كما تنقل عن المسؤولين الإسرائيليين قولهم إن تل أبيب «قلقة إزاء احتمال أن تخلو تقارير الوكالة الذرية من أي إشارة إلى عدم التزام إيران بالالتزامات التي فرضت عليها في مجلس الأمن الدولي».
وتنقل الوثيقة عن مدير دائرة الرقابة على الأسلحة في وزارة الخارجية الإسرائيلية ألون بار قوله إن «إسرائيل تشارك الولايات المتحدة إحباطها من مقاربة الوكالة الذرية ومديرها للملف النووي الإيراني»، متسائلاً عما إذا كان ما زال من الممكن القول إن الوكالة الذرية يمكن أن تقوم بدور بنّاء في هذا الملف. وبحسب الوثيقة، فقد حذّر المسؤول الإسرائيلي من أن «ثمة إشارات مقلقة تفيد بأن مدير الوكالة محمد البرادعي قد يقبل ببعض أشكال التخصيب في إيران، وأنه غير متحمّس لفكرة تعزيز سلطات المراقبين» التابعين للوكالة. وتشير الوثيقة إلى أن بار دعا الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات جديدة بهدف «التصدي لانحرافات البرادعي».
كما تنقل الوثيقة عن المسؤول في هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية جيل ريتش دعوته للولايات المتحدة إلى رفض التقرير الجديد للوكالة الذرية حول إيران (أواسط شباط من العام 2008)، مشيراً إلى أن «البرادعي أبلغ رجاله في الأمانة العامة للوكالة بأن يكونوا على قدر كبير من الدقة في تقريرهم حول إيران»، وأنه «يتجنب الإشارة إلى العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي».
وبحسب ريتش فإن «ذلك يعني أن البرادعي يحاول الحدّ من عقوبات مجلس الأمن الدولي» ضد إيران.
وأبلغ ريتش المسؤولين الأميركيين بأنه «علم من مستشاري البرادعي أن الأخير تلقى اقتراحات بالتعاون التقني مع إيران من دول مثل فرنسا وأستراليا»، مقترحاً أن تضغط الولايات المتحدة باتجاه «منع الخبراء الإيرانيين من المشاركة في المؤتمرات التي تنظمها الوكالة الذرية، وخصوصاً تلك المتعلقة بقضايا التخصيب والمفاعلات التي تعمل بالماء الثقيل».
وتنقل الوثيقة عن ريتش توقعاته بأن الدور الذي تقوم به الوكالة الذرية، تحت إدارة البرادعي، إزاء الملف الإيراني قد يصل إلى ذروته في فترة قريبة جداً، خصوصاً «في ضوء تراجع التأثير الغربي على البرادعي والوكالة الذرية». كما حذّر من أن «البرادعي يبدو مستعداً للموافقة على قيام إيران بأبحاث وعمليات تطوير لبرنامجها النووي، وحيازتها لقدرات تخصيب على أراضيها بمساعدة روسية».
وتشير البرقية إلى أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جون رود، الذي شارك أيضاً في الاجتماعات مع المسؤولين الإسرائيليين، اقترح أن تضغط الولايات المتحدة باتجاه إحالة تقارير البرادعي، بعد تفحّص مضمونها، إلى مجلس المحافظين في الوكالة الذرية لكي يعيد النظر فيها، لكنه حذّر من أن أحداً لا يستطيع تحديد مسار النقاشات داخل مجلس المحافظين، موضحاً أنه بالرغم من أن ثمة رغبة لدى الأوروبيين والأميركيين في تحطيم إيران، فإن أن أحداً لا يبدو مستعداً للمخاطرة خلال عملية التصويت.
وبحسب البرقية، فإن جوزيف وضع سلسلة من التوصيات للإدارة الأميركية في ضوء محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين، وأبرزها «تكثيف العمل في الوكالة الذرية للحد من التعاون التقني مع إيران إلى أدنى مستوياته»، و«ضمان أن تعكس تقارير الوكالة الذرية الحقائق» المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، والموافقة على الاقتراح الإسرائيلي بمنع الخبراء النوويين الإيرانيين من المشاركة في المؤتمرات التي تنظمها الوكالة الذرية، واستمرار التنسيق بين الخبراء الأميركيين والإسرائيليين في فيينا.