ضغط غربي على «صغار مجلس الأمن» لتفادي «الفيتو» الأميركي

يبدأ أعضاء مجلس الأمن الدولي اليوم مشاوراتهم في شأن الطلب الفلسطيني الذي قدمه الرئيس محمود عباس يوم الجمعة الفائت الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وقال وزير الخارجية عدنان منصور لـ«السفير» انه بعد إحالة الطلب الفلسطيني اليوم الى الرئاسة اللبنانية لمجلس الأمن، سيتم تشكيل لجنة موسعة من كل الدول الخمس عشرة الاعضاء في المجلس من اجل دراسة الطلب وإجراء مناقشات واتصالات دولية بشأنه قبل اتخاذ القرار، لكن يبدو أن الطريق التي سيسلكها الطلب شائكة ومفخخة بمصالح الدول الكبرى المتضاربة.
وتتداول الأوساط الدبلوماسية في نيويورك بمواقف الدول الأعضاء وأبعادها. رئيسة البعثة الأميركية في مجلس الأمن الدولي سوزان رايس لم تخفف من حركتها الدبلوماسية الضاغطة، وهي تطلب بوضوح عبر القنوات الدبلوماسية عدم تأجيل البتّ بموضوع الطلب الفلسطيني، بل عرضه بسرعة في جلسة علنية لمجلس الأمن الدولي تظهر بوضوح عدم توفّر 9 أصوات يمكن من خلالها البت إيجابا بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وفي هذا الحسم السريع قطع للطريق على استثمار الحفاوة السياسية الدولية التي نالها «أبو مازن» أثناء خطابه في الجمعية العامة، يوم الجمعة المنصرم، والتي لم تتقبلها الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، وهي ترغب بمحوها من ذاكرة الناس والعالم.
عدا ذلك، فإن أميركا تتجنب بقوة اللجوء الى استخدام حق النقض («الفيتو») وفي خلفية ذلك مشاهد انتفاضات «الربيع العربي» في بلدان الشرق الأوسط، والتي تجهد أميركا الى احتوائها قدر الإمكان، فيما قد يؤدي رفعها لسلاح «الفيتو» الى تفجير غضب واسع للجماهير العربية في وجه السياسة الأميركية مجددا، بسبب انحيازها الى إسرائيل وتعاملها بسياسة المكيالين الظالمة دوما للشعب الفلسطيني... ولذلك يتخذ الضغط منحى تصاعديا خاصة على الدول الصغيرة.
إلا أن بقية الدول من أعضاء مجلس الأمن الدولي وخصوصا فرنسا تتمنى تسويف الطلب قدر الإمكان وإجراء جلسات غير رسمية في شأنه، أي غير علنية ولا وجود فيها لمحاضر مدونة وموصوفة بعدم الحسم السريع الذي يرغمها على الإفصاح عن حقيقة موقفها الرافض لقيام دولة فلسطينية، لما في ذلك من تأثير سلبي عليها أيضا في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة الى الدول الأخرى فهي ذات مواقف متلونة أيضا، فالبرتغال التي تنسج علاقات عربية جيدة محرجة ايضا في التعبير عن موقف مضاد للدولة الفلسطينية وتتمنى أن يتم تسويف موضوع الطلب الفلسطيني الى حين انتهاء ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي في نهاية السنة الحالية، ومثلها نيجيريا التي تضم جالية عربية مسلمة واسعة، فيما تنتظر دولة الغابون ضوءا أخضر فرنسيا.. أما جمهورية البوسنة فمترددة.. والبرازيل حسمت أمرها في التصويت بوضوح عن تأييدها لقيام الدولة الفلسطينية مع دول «البريكس»(روسيا والصين والهند والبرازيل)، وهذا ما أبلغه رسميا وزير خارجيتها أنطونيو باتريوتا الى نظيره اللبناني عدنان منصور. فيما تبدو العودة الى المفاوضات أمرا غير محسوم بالمبدأ عند الفلسطينيين، إلا أنهم وبحسب أوساطهم في نيويورك يبدون قلقا شديدا من العودة اليها في ظل عدم وجود أطر للتفاوض وعدم اعتراف بحدود عام 1967 وعدم وقف للإستيطان، وهم لم يظفروا من بيان «الرباعية» واقتراحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلا بمفاوضات محددة بمهل زمنية غير مضمونة النتائج.

رسائل «أبو مازن» ومرتكزاتها

من جهة ثانية، بدأت دوائر مجلس الأمن الدولي ترجمة الطلب الفلسطيني الى اللغات الست المستخدمة في الأمم المتحدة. وقد حوّله أمينها العام بان كي مون في 23 الجاري الى رئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر نواف سلام برسالة قصيرة طالبا منه رفع طلب عباس المرفق الى أعضاء المجلس.
وورد في طلب قبول عضوية فلسطين بحسب النص الحرفي بأن (...) : «طلب العضوية يقدّم مرتكزا على حقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية والقانونية والتاريخية، ومستندا الى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني عام 1947، كما الى إعلان استقلال الدولة الفلسطينية في 15 تشرين الثاني 1988 وموافقة الجمعية العامة على هذا الإعلان في القرار 17743 الصادر في 15 كانون الأول عام 1988». أضاف عباس: «في هذا الإطار تؤكد دولة فلسطين التزامها بإنجاز حل عادل ودائم وشامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالاستناد الى رؤية دولتين تعيشان جنبا الى جنب بسلام وأمن (...)».
ومن الجلي بأن عباس اعتمد نصا مقتضبا، وذلك كي لا تتوافر لدى الدول الأعضاء مواد واسعة من المحتمل أن تفتح باب النقاش والتساؤلات. لكن الرئيس الفلسطيني أرفق طلبه برسالتين توضيحيتين تتضمن الأولى إعلانا بدولة فلسطين يلتزم فيه بكل ما ورد بشرعة الأمم المتحدة ومعلنا بأن الدولة الفلسطينية العتيدة ستكون «أمة محبة للسلام». أما في رسالته الثانية المؤرخة كالآتي: رام الله 23 أيلول 2011 فقد ذكّر الرئيس الفلسطيني متوجها الى بان كي مون بقيام المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان الدولة الفلسطينية في 15 تشرين الثاني عام 1988، والمقر من الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال قرارات عدة هي: 181 و3236، و2649، و 2672 فضلا عن قرارات مجلس الأمن الدولي بالمضمون ذاته وهي 242، 338، و1397.
ويشير عباس الى أن هذا الاعتراف من المجتمع الدولي يرتكز الى «حق الشعب الفلسطيني بالدولة الفلسطينية المعترف بها بحسب حدود 4 حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية». ولفت عباس الانتباه الى أن طلب الدولة الفلسطينية هو متوافق وملتزم بحقوق اللاجئين الفلسطينيين بحسب قرار الأمم المتحدة الرقم 194 الصادر عام 1948، ومع نظام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وأعاد عباس تذكيره بالتزام منظمة التحرير باتفاق 9 أيلول 1993، وبأن القيادة الفلسطينية ملتزمة بالعودة الى المفاوضات بالنسبة الى الوضع النهائي للقدس، واللاجئين الفلسطينيين، والمستوطنات والحدود والأمن والمياه على قواعد دولية أرستها قرارات الأمم المتحدة، ومبادئ مدريد المتضمنة مبدأ الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية للسلام، وخريطة طريق «الرباعية» والتي تتضمن تجميد كل أعمال الاستيطان.