الرئيس اليمني يتعهد من جديد بالتنحي لكن الدلائل تشير الى تصميمه على البقاء

وسط كل اجواء الفوضى والصراع التي عمت اليمن، تظل هناك حقيقة لا تتزحزح: الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لن يتخلى عن منصبه طواعية في وقت قريب باي حال. وحول هذا الموضوع نشرت صحيفة 'نيويورك تايمز' الاميركية مقالا جاء فيه ما يلي:



البيان الذي صدر في صيغة مبهمة يوم السبت عن رغبة صالح للتنحي لم يستغرق الا يوما واحدا اذ انه في اليوم التالي تبين انه ليس الا خدعة. وفي الوقت الذي بدا فيه على انه يتحرك في اتجاه القبول بخطة وضعها مجلس التعاون الخليجي في الاصل خلال فصل الربيع للتخلي عن السلطة لصالح حكومة انتقالية، قال اثنان من كبار المسؤولين اليمنيين أمس الاحد ان وزير خارجية اليمن توجه الى دولة الامارات العربية المتحدة لعرض خطة جديدة على المجلس. وقالا ان هذه الخطة تطالب ببقاء صالح في السلطة حتى الانتخابات العام المقبل.



ورغم انه لم يصدر تأكيد فوري، الا ان صالح اقترح مرارا انه سيقبل ببعض مقاطع من الخطة الاصلية، وذلك ليس الا بهدف الابتعاد عن اي تنازل حقيقي للمعارضة السياسية. (وكان المعارضون السياسيون قد اعلنوا عن استعدادهم للتفاوض على موضوع تنحيه المبكر، خلافا لما يطالب به المحتجون في الشوارع الذين يصرون على ان يستقيل فورا).



وصالح الرجل القوي المخادع حكم بلدا منقسمة وفقيرة لثلاث وثلاثين سنة وقاوم الضغط من المعارضين ومن الدول الاقليمية ومن حليف في وقت من الاوقات هو الولايات المتحدة الاميركية.



ولكنه اضطر بسبب الجراح الخطيرة التي اصيب بها في حزيران (يونيو) عندما انفجرت قنبلة في مسجد مقر الرئاسة، الى مغادرة البلاد طلبا للمعالجة في المملكة العربية السعودية لعدة اشهر، لكنه لم يخفف قبضته على السلطة.



وكل ما فعله ليس الا التلاعب في الخطة التي اقترحها مجلس التعاون الخليجي التي حفظت له ولعائلته الحصانة. وخطة حزب الحكومة الجديد هو انه 'سيبقى رئيسا حتى الانتخابات المبكرة' حسب قول المسؤولين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.



وكان وزير الخارجية ابو بكر القربي قد استقبل عددا من الدبلوماسيين في الايام الاخيرة، بمن فيهم سفراء من روسيا والصين والاتحاد الاوروبي، وقبل التوجه الى الامارات يوم الاحد، الولايات المتحدة. وقد كان جل اعمال حكومة صالح يصب في توفير الاستخبارات الحيوية حول اماكن وجود رجل الدين الاميركي المولد انور العولقي للولايات المتحدة مما جعل بامكان وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) قتله باستخدام طائرة بلا طيار في الايام الاخيرة من شهر أيلول (سبتمبر).



اما خطة الانتقال السياسي التي وضعها المجلس والتي تعرف بمبادرة الخليج فكانت غامضة منذ البداية. اذ انها دعت الى ايجاد وسيلة لتسهيل تنحي صالح عن السلطة بعد ان وصلت الاحتجاجات المناوئة للحكومة اليمنية مرحلة حرجة. ووافق حزب الحكومة، بما فيه صالح، مبدئيا على انه بعد توقيع المبادرة فانه سينقل كل صلاحيات الرئاسة فورا الى نائبه. الا ان صالح ما لبث في اللحظة الاخيرة ان تراجع عن تعهده ولم يوقع الاتفاق.



ومنذ ذلك الوقت فان المعتدلين في الحكومة والمعارضة تناقشوا في تفصيلات الخطة، التي اعيد النظر فيها عدة مرات، بتوجيهات من المجتمع الدولي، بما فيه الى حد كبير الولايات المتحدة.



الا ان ايا من تلك الخطوات لم يحظ بالقبول بما وصفه البعض بانه مطالب صالح الاساسية غير القابلة للتفاوض: وهي خطة لا تسمح لاعدائه بالوصول الى السلطة عبر ممر هادئ.



وقال احد كبار المسؤولين الحكوميين 'تدركون ما معنى التنحي بالنسبة له. انها تعني الاستسلام لعلي محسن وحميد الاحمر'، مشير الى مصدر القلق الرئيس بالنسبة لصالح وهو اللواء علي محسن الاحمر الذي انشق وانضم الى المعارضة في آذار (مارس)، وهو ملياردير وينتمي الى قبيلة رئيسة في البلاد. ويرى الكثير من المسؤولين الحكوميين ان الرجلين كليهما يستغلان حركة الاحتجاج بقصد الانقضاض على السلطة، وقد وجهت الحكومة لهما تهمة الهجوم الذي اصاب صالح بجراح في حزيران (يونيو).



وقد تسببت المظاهرات المناوئة للحكومة بتحميل البلاد تكاليف غالية، فقد اهتزت المدن الرئيسة في انحاء اليمن، واصيب الاقتصاد بالتدهور، واشتعلت اعمال العنف بل ان بعض المحافظات لم تعد تخضع لسيطرة الحكومة.



وقد علق ياسين سعيد النعمان، زعيم ائتلاف المعارضين السياسيين في اليمن الذي يعرف باحزاب اللقاء المشترك ان عودة صالح (من السعودية) 'كان نكسة في وجه الحل السياسي. وكان بامكان الحزب الحاكم ان يواصل المسيرة السياسية من دون صالح. وكان التفاوض سهلا، لكنهم لا يستطيعون ذلك تحت قيادته'.



وقبل اسابيع قليلة، كشف النعمان عن وثيقة وقع عليها احد كبار المسؤولين في حزب الحكومة، تشير الى ان الحزب يوافق المعارضة على خطوات التنحي عن السلطة. الا ان الاتفاق لم يكشف عنه رسميا رغم ان الجانبين قالا انهما كانا على وشك الاتفاق على تنفيذ المبادرة. وكان ذلك مساء الخميس، وعاد صالح صباح الجمعة.



وقال النعمان ان المعارضة السياسية – التي اشارت الى ان عائلة صالح لم تتأثر حتى الان بالعقوبات - تريد من المجتمع الدولي ان يزيد من الضغوط على الرئيس للتنحي.



ولدى توجيه سؤال له لتوضيح الخطة، كان النعمان حريصا في كلامه واجاب 'ليس ان يساندوا فحسب، بل نريد اجراء حقيقيا. واعتقد انهم فعلوا الكثير مع دول اخرى'.