معركـة سـرت فـي مرحلتـها الأخيـرة

دخلت المعارك في مدينة سرت الليبية، مسقط رأس العقيد الفار معمر القذافي، أمس، مرحلتها الأخيرة، حيث تحاول قوات النظام الجديد السيطرة على آخر الأحياء التي ما زالت بين أيدي قوات النظام السابق بعد شهر من الحصار الدامي، فيما أشار حلف شمال الأطلسي إلى أن سقوط سرت سيكون مرحلة حاسمة في النزاع الليبي، لكنه لن يلزم الناتو بإنهاء عمليته في ليبيا.
وأعلن المجلس الوطني الانتقالي انه يتوقع سقوط سرت بالكامل بين أيدي مقاتليه لإعلان «التحرير الكامل» لليبيا، ما سيمهد الطريق أمام تشكيل حكومة مهمتها إدارة مرحلة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات عامة.
وقال مسؤول الجبهة الشرقية، وقائد كتيبة «ليبيا الحرة» في سرت، وسام بن احمد «بقي لنا كيلومتران مربعان فقط لتحرير كامل المدينة... لكن مشكلتنا تكمن خصوصا في وجود العائلات التي يخشى الكثير منها مغادرة المنازل، وهي منازل يستخدمها القناصة للاختباء فيها ومراكز لإطلاق النار».
كان قيادي آخر في المجلس الانتقالي قد اكد السيطرة على 90 في المئة من سرت، بعدما تمكنت مجموعة من قوات المجلس الانتقالي من الوصول إلى وسط المدينة، وأخذت تمشط الشوارع والمنازل الواحد تلو الآخر.
وتتألف هذه المجموعة، وهي فرقة استطلاع من حوالى 30 مقاتلا، وقد دخلت إلى أطراف الساحة الرئيسية لسرت، من الجهة الشرقية من دون أن تلقى مقاومة تذكر من قوات القذافي. وتشرف على الساحة الرئيسية في سرت مجموعة من الأبنية التي يتمركز فيها القناصة، ما يجعل دخول هذه الساحة أشبه بعملية انتحارية.
كما سيطر مقاتلو المجلس الانتقالي على مقر قيادة الشرطة في وسط سرت. وأطلق العشرات من مقاتلي النظام الجديد أبواق سياراتهم والأعيرة النارية في الهواء احتفالا باستيلائهم على هذا المركز الأمني الذي كان مهجورا لحظة دخولهم إياه. ويقع هذا المجمع وسط عدد من المباني الرسمية وهو يشرف على المدينة، وعلى ساحتها الرئيسية.
وكان الهجوم على سرت قد انطلق من ثلاثة محاور هي المحور الشرقي والمحور الغربي والمحور الجنوبي، وقد أحكم المهاجمون حصارهم لسرت من هذه الجهات الثلاث، أما الجهة الشمالية فتطل على البحر المتوسط. وتقدم المهاجمون يوم أمس من جهتي الشرق والغرب وذلك غداة سيطرتهم على مواقع استراتيجية عديدة في المدينة، من بينها المستشفى الرئيسي وجامعة سرت وقصر واغادوغو للمؤتمرات.
وإضافة إلى مسقط رأس القذافي، الذي حكم ليبيا طوال 42 عاما، تحاول قوات المجلس الانتقالي السيطرة على معقل رئيسي آخر له هو مدينة بني وليد التي يأمل الثوار أن تسقط فور سقوط سرت.
وعمد مقاتلو المجلس الانتقالي إلى إعادة تنظيم صفوفهم في جبهة بني وليد بعدما منوا بإخفاقات عسكرية عديدة كبدتهم 17 قتيلا وأكثر من ثمانين جريحا خلال اليومين الماضيين، وذلك تحضيرا لهجوم جديد على هذه الجبهة المفتوحة منذ شهر أيضا، وهم ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء المعارك في سرت حتى يستفيدوا من التعزيزات التي ستصلهم من هذه المدينة فور سقوطها في قبضة المجلس الانتقالي.
إلى ذلك، قال رئيس اللجنة العسكرية في الحلف الأطلسي الأميرال جيانباولو دي باولا إن «سقوط سرت سيكون لحظة حاسمة بسبب الأهمية التي اكتسبتها المدينة، مسقط رأس القذافي»، لكنه أضاف أن «هذا لن يكون العامل الوحيد» الذي يأخذه الحلف الأطلسي في الاعتبار لوقف عملية «الحماية الموحدة» الجوية والبحرية التي انطلقت في نهاية آذار الماضي.
وأوضح أنه «سيكون من الأهمية بمكان أن نتأكد من انه لن تكون هناك مخاطر على السكان المدنيين وان نعمل مع المجلس الوطني الانتقالي والأمم المتحدة على تقييم قدرة المجلس على توفير الأمن».
ورأى دي باولا أن الموالين للقذافي لا يزالون يقاومون لأنه «عندما يضيق الخناق على حيوان مفترس، فإنه يقاتل حتى النهاية... ولكن كل يوم يمر يصبح الذين يقاومون في سرت وبني وليد في وضع لا يطاق». واعتبر دي باولا أن الاستعداد للمقاومة لدى هؤلاء المقاتلين «يمكن وصفه بأنه يدعو إلى الدهشة»، مشدداً على أن استراتيجيتهم من دون معنى لأنه لم يعد يمكنهم تغيير نتيجة النزاع».
في هذا الوقت، تعهدت السلطات الجديدة في ليبيا بفحص العقود النفطية الموقعة في عهد القذافي. وقال وزير المالية والنفط في المجلس الانتقالي علي الترهوني إن ليبيا ستشكل لجنة للتحقيق في الفساد في عهد النظام السابق. وأضاف أن اللجنة ستفحص جميع العقود والمشروعات لمعرفة حجم المعاملات التي تنطوي على فساد وسيجري الإعلان عن أي واقعة فساد تكتشف والتحقيق فيها.
وتوقعت مصادر نفطية منذ فترة تحقيقا واسع النطاق في الصفقات النفطية يجريه الحكام الجدد في ليبيا ربما يؤدي إلى إعادة توزيع بعض العقود القديمة لمكافأة دول دعمت دعما كبيرا الثورة ضد القذافي. وقال هنري سميث، محلل شؤون ليبيا لدى «كونترول ريسكس» للاستشارات ومقرها لندن إن «تحقيقات الفساد ستحركها دائما بواعث قلق مشروعة أو رغبة في تهدئة ضغوط شعبية. رأينا ضغوطا كثيرة مؤخرا من خلال احتجاجات خارج المؤسسة الوطنية للنفط (الليبية)».
وتظاهر عاملون في مقر المؤسسة يوم الأحد الماضي، وقالوا إنهم سيضربون عن العمل حتى يتم تغيير مديرين قالوا إنهم ساندوا القذافي. وقال سميث إن ذلك «يشير إلى أن عملية صنع القرار ربما تتوقف في ليبيا. يمكن أن يشعر الناس بالذعر وتتعطل مؤسسات وهو ما يمكن أن يؤثر على إنتاج النفط».