فاجأت زيارة وفد 'حزب الله' إلى روسيا الأوساط السياسية اللبنانية, لما تحمله من دلالات في هذا التوقيت بالذات, فالحزب الذي يعاني من سلسلة أزمات داخلية وخارجية, ويواجه حصاراً شبه محكم, وجد في الزيارة متنفساً يأمل منه الكثير.
وأكد مصدر مطلع ل¯'السياسة' أن الزيارة كانت مقررة منذ فترة, وتأتي في الإطار البرلماني, إلا أنه أقر بحجم الرهانات التي يقيمها الحزب بشأن فتح علاقة رسمية ومباشرة مع دولة عظمى مثل روسيا.
وكشف المصدر أن العلاقة مع روسيا ليست جديدة وقد شهدت في الماضي تعاوناً في مجالات عدة وخصوصاً العسكرية منها, حيث استفاد الجهاز العسكري ل¯'حزب الله' من مساعدات روسية تسليحية وتدريبية, ولكن بصورة غير مباشرة, أي عبر سورية أو إيران, والجديد الذي يمكن أن تقدمه زيارة نواب الحزب إلى موسكو هو فتح الطريق أمام علاقة مباشرة.
وما لم يقله المصدر كشفته معلومات ل¯'السياسة' تفيد أن قيادة 'حزب الله' درست في الأشهر الأخيرة الوضع الستراتيجي للحزب في ظل تراجع الدور الإقليمي لراعييه, دمشق وطهران, الأولى بسبب الثورة السورية, والثانية بسبب ضعفها الداخلي, نتيجة نزاعات الأجنحة داخل النظام الإيراني.
وفي قراءة القيادة للمستقبل برزت علامات استفهام كثيرة عن المصير إذا ما سقط النظام السوري, وإذا ما عجزت إيران عن معالجة مشكلتها الداخلية وفك عزلتها الخارجية.
وبناء على ذلك, قررت القيادة العليا ل¯'حزب الله' سلسلة من الخطوات اللبنانية والإقليمية لمواجهة الاحتمالات السوداء للمستقبل, ومنها على سبيل المثال قرارات تتعلق بالوضع الحكومي اللبناني, والوضع العسكري داخليا, وعلى الجبهة مع إسرائيل.
وناقشت القيادة هذه المخططات مع الراعيين السوري والإيراني, فجاء الجواب من طهران مؤيداً, وناصحاً للحزب بأن يوسع من دائرة تحالفاته, ولو تجاوز الحليف السوري, الذي يعاني من أزمة مستعصية قد تطيح به. وأرفق الرد الإيراني بموعد لوفد نيابي من 'حزب الله' مع البرلمانيين الروس.
فوجئت قيادة 'حزب الله' بالموضوع ولكنها رحبت به وهي في الأصل لا تملك قرار رفضه, إلا أن نقاشاً جدياً دار في أوساط الحزب عن مغزى الخطوة الإيرانية التي تعتبر من دون أدنى شك تجاوزاً لسورية ونظام بشار الأسد الذي شكل منذ عقود طويلة البوابة الوحيدة للبنان, وحتى بالنسبة لإيران التي كانت ملزمة بالمرور بدمشق في رعايتها ل¯'حزب الله'.
وتركز البحث الداخلي, وخصوصاً لدى الجناح السوري في 'حزب الله', عن معنى فتح أبواب روسيا للحزب, ولكن من دون أجوبة مقنعة لأن الأمر الإيراني بالذهاب إلى موسكو لم يأت, على عادة الأوامر الإيرانية, مفسراً أو مبرراً.
حل التخمين مكان اليقين في قراءة 'حزب الله' للخطوة, وأبرزها أن إيران تخشى بعد سقوط الأسد أن يسد المنفذ البري الوحيد المتاح ل¯'حزب الله', ويبقى البحر الذي تسيطر عليه إسرائيل, والسفن والبوارج الحربية لدول عدة وأهمها روسيا التي تمتلك قاعدة بحرية ستراتيجية على الشاطئ السوري.
بناء على ما تقدم, فإن ترتيب اللقاء هو مقدمة لرعاية روسية مباشرة للحزب إذا وجد الأخير نفسه في حالة حصار على المستوى العسكري.
وعلى الصعيد السياسي فإن اعتراف روسيا العلني بالحزب, يعد نقلة نوعية تمهد لتأمين حماية دولية له في مواجهة الاتهامات التي يتعرض لها بأنه تنظيم إرهابي, وبأنه متورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أما في الجانب الروسي, فاعرب المصدر عن اعتقاده أن موسكو ورغم تأمين الحماية الدولية للنظام السوري, من خلال الفيتو الأخير في مجلس الأمن, تدرك أن هذه الحماية قد لا تدوم مع استمرار الثورة السورية في التصاعد, ما يهددها بخسارة موطئ قدم إقليمي ثان بعد ليبيا, ولعلها أرادت من خلال شرعنة العلاقة مع 'حزب الله' أن ترسل رسالة جديدة للأميركيين وللمجتمع الدولي بأنها قادرة على تأمين البديل عن النظام السوري