في النهار جزء من الأرض متاح للفلسطينيين.. في الليل لا شيء

جميل ضبابات

من بداية طريق صخري هابط بين شقوق صخرية في منطقة الحمامات شمال شرق الضفة الغربية، تتراءى مساءً مساحات واسعة من الجبال والهضاب التي يمكن للرعاة دخولها أحيانا... بعد نصف ساعة عندما يحل الظلام تصبح تلك الأراضي منطقة دخولها محفوفة بالمخاطر.

ويظهر بصيص ضوء ضعيف في بعض المضارب الرعوية، وتظهر أضواء قوية في داخل ثكنات الجيش والمعسكرات، مثل معسكر 'الناحل' الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن مضرب الحمامات.

ويقول الرعاة هنا إنهم يتحركون في النهار في مناطق محدودة، وفي الليل يمنعون من الحركة بتاتا في هذه الأرض الواسعة التي تنحسر شيئا فشيئا.

ويصادف غد يوم الأرض الذي يحييه الفلسطينيون منذ 34 عاما، وهنا في كل منطقة الغور الشمال يقول الرعاة انه لم يعد إمكانهم دخول معظم أراضيهم في النهار، ولا يمكن الحركة بتاتا في الليل، ورحيل الكعابنة وعائلته يعانون الأمرين.

وأمام كل مضرب رعوي وضع جيش الاحتلال إشارات على المداخل: منطقة عسكرية يحظر دخولها، وظهرت هذه الإشارات في محيط المنطقة التي تتكون من سلسلة تلال صغيرة تسكنها عائلة الكعابنة.

وقال عارف دارغمة وهو مسؤول محلي في المنطقة 'أغلقوا المناطق كلها ... الأرض المتاحة أمام الرعاة هنا أصبحت محدودة'.

ولا تبعد بعض المضارب الرعوية المكونة من بيوت الخيش سوى بعض مئات الأمتار عن الطريق الوحيد الذي يربط مناطق الضفة الغربية بمنطقة الغور الشمالي المكون من بعض القرى الزراعية والمضارب الرعوية المنتشرة.

وقال عبد الرحمن قاسم وهو احد سكان مضرب الحمامات فيما كان يقود قطيع مواشي صاعدا إحدى السفوح القريبة من مسكنه، أنه يحتار إلى أي منطقة يتجه في معظم أيام الأسبوع بسبب المناورات التي يجريها الجيش الإسرائيلي.

في مناطق الغور تظهر الخنادق والأخاديد في المناطق المستوية والجبال التي تستخدمها القوات الإسرائيلية المؤللة أثناء التدريبات، والرعاة يشكون من مطاردتهم بشكل يومي من قبل أفراد 'حماية الطبيعة الإسرائيلية'.

تكفي اللافتات التحذيرية لأن تكون إشارة واضحة تحذيرية تحرم على الفلسطينيين دخول المنطقة ورعي مواشيهم فيها.

وقال الكعابنة إن 'الجيبات الخضراء' التي أصبحت معروفة جيدا له 'لا تترك الرعاة يتحركون في كثير من المناطق'.

يردد الأمر ذاته رعاة آخرون قالوا إنهم تلقوا مخالفات من قبل سلطات الاحتلال على خلفية دخولهم للمناطق المحرمة.

وتسيطر إسرائيل على مساحات واسعة من منطقة السفوح الشرقية للضفة الغربية تحت مسمى 'محميات طبيعية'، ويغلق الجيش الإسرائيلي المناطق الجبلية التي تشكل اكبر مرعى طبيعي في الضفة الغربية.

وقال الكعابنة فيما كان يقف على مقربة من منزله الخيشي التي تظهر من عنده معسكرات الجيش والمستوطنات 'عندما نذهب هناك يطاردوننا ويضربوننا. لقد سرقوا الكباش والحمير عندما خرجنا إلى تلك المراعي'.

وتملك عائلة رحيل نحو 400 رأس من الضأن و100 رأس من الماعز. وعند رحيل ذاته 20 ناقة، وأمام منزله تقف ناقتان اثنتان هادئتان.

ويحتشد مجموعة من الرعاة على قمة صخرية مرتفعة تحيط بالمنطقة، وتظهر مركبات عسكرية إسرائيلية تتحرك في المنطقة، وعندما حل المساء هنا كان الرعاة يقودون قطعان مواشيهم نحو المضارب.

وعلى مساحات واسعة تنتشر عدد من المستوطنات لكن حدودها ظلت مفتوحة حتى المناطق القريبة جدا من نهر الأردن. وبنيت في منطقة الغور 32 مستوطنة يسكن فيها نحو 7000مستوطن.

وخسر السكان في الغور معظم أراضيهم التي يسيطر عليها جيش الاحتلال منذ العام 67، وفي كل عام تظهر المناطق المتاحة أمامهم اقل.

وقال الباحث في شؤون الاستيطان وليد أبو محسن إن 'خطورة الوضع في الغور تكمن في أن هناك 1500كم2 من الأرض الفلسطينية لا يقطنها سوى نحو 100 ألف فلسطيني، في منطقة تشكل مساحتها أكثر من ربع الضفة الغربية، مقابل مدينة مثل نابلس لا تتعدى مساحتها 22كم2 يقطنها عدد اكبر من السكان'.

في المنطقة التي يسكن فيها رحيل تظهر مساحات واسعة تغطيها الأعشاب وتتخللها الهضاب الخالية من أي مظهر للحياة، سوى هياكل بعض الآليات العسكرية التالفة منذ سنوات قرب أسيجة معسكرات الجيش.

وقال أبو محسن إن معسكرات الجيش في الغور تسيطر عمليا على اكبر من مساحتها، مشيرا إلى أن معسكر مثل معسكر 'تياسير' الذي لا تشكل مساحته سوى بعض الدونمات يسيطر على مساحات واسعة تستخدم للتدريبات.

لذلك عندما يخرج رحيل وغيره من الرعاة إلى المناطق البعيدة كثيرا عن تلك المعسكرات يطاردهم الجيش وأحيانا يدفعون ثمن ذلك الخروج غاليا.