إعلان مخيم مار الياس «صديقاً للصحة»: لأن مَواطن اللجوء «ليست أرضاً مجهولة»

يضجّ الأطفال في كل اتجاه، حاملين على صدورهم شارات صفراء كتب عليها: «نظافتك.. صحتك»، مالئين المكان برسوماتهم الجدارية. تسرق وصلات الدبكة التراثية الفلسطينية الأنظار، إلى الحركة، والملابس، فالذكريات. وبذلك، استطاع الأطفال والدبكة حجب الأنظار، ولو موقتاً، عن رطوبة الجدران وضيق مساحة المدرسة ذات الغرف المعدودة، التي ما لبثت بدورها أن تحولت الى «مراكز» طبية وإرشادية في مخيم مار الياس، لمناسبة إعلانه من قبل الأونروا مخيماً «صديقاً للصحة».
هذا المخيم الذي يعّد من أصغر المخيمات الفلسطينية في لبنان (مساحته لا تتجاوز الخمسة آلاف متر مربع)، تأسس في العام 1952، وتقطنه اليوم 325 عائلة، يتحدّر أغلبها من منطقتي الجليل الأعلى والأوسط في فلسطين المحتلة. هُجّر معظم سكانه، وكانوا من الأغلبية المسيحية، في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وحرب المخيمات إلى شرق العاصمة، فاختلفت خريطة أهله الطائفية وتنوعت.
في أجواء من الفرح، شارك أهالي مخيم مار الياس بفاعليات «اليوم الصحي الترفيهي» الذي أقيم في «مدرسة الكابري» التابعة للأونروا، لاطلاق مبادرة «مخيم مار الياس.. مخيم صديق للصحة»، من قبل اللجان المنسقة التي تضم منظمات أهلية غير حكومية وجهات دولية مانحة والمجتمع المحلي، برعاية منظمة الصحة العالمية وخمس بلديات على صلة جغرافية مع المخيمات المنتشرة في المناطق اللبنانية. البلديات الخمس هي: بيروت، برج البراجنة، الغبيري، حارة حريك، وضبيّة. هدف هذه المبادرة، بحسب ما يقول الناشط في «المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان ـ حقوق» راجي عبد السلام، هو «تطوير الوضع البيئي في المخيم لكسر الصورة النمطية التي تقول ان المخيم هو أرض مجهولة داخل بيروت أو ضواحيها ومكان غير صالح للعيش». ويكمل: «الهدف هو إيجاد مخيم نظيف لإيضاح الصورة». وعن سبب اختيار هذا المخيم بالتحديد لإعلانه نموذجاً، يقول عبد السلام ان «المشروع هو تجربة داخل هذا المخيم الصغير المساحة والذي لا يعاني من اكتظاظ سكاني جغرافياً».
في ملعب المدرسة، تحولت اللافتات الإرشادية لمنع التدخين والحث على النظافة إلى زينة ملأت المكان على وقع أغاني الأطفال الذين استغلوا المناسبة للهو وللترفيه. فالطفلة صفاء (9 سنوات) جاءت لترسم، وتتناول الأطعمة الصحية، وتحافظ على النظافة، على عكس الطفلة خديجة (10 سنوات) التي أتت لتتفرج، فحسب. أما صابرين قرفلي (28 عاماً) فشاركت في هذا النشاط لأن «الصحة تهم كل الناس»، عازية سبب اختيار المخيم كصديقا للصحة إلى حجمه الصغير الذي تمكن «السيطرة عليه».
افتتح الحفل بالنشيدين الفلسطيني واللبناني. حضره المدير العام للأونروا سلفادوري لمباردو ورئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس وممثلة السفارة الإيطالية في لبنان ايلينا زنبالي، وممثلو منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية.
وأكد مدير المنطقة الوسطى (بيروت ـ جبل لبنان) محمد خالد التعاون مع «منظمة الصحة العالمية» التي أطلقت شعار»ألف مدينة وألف حياة» ومع بلدية بيروت، حتى يمسي مخيم مار إلياس مخيماً صديقاً للصحة.
ثم تحدث مدير خدمات مخيم مار الياس نايف سريس الذي شرح أن الحملة قد بدأت في 1 نيسان 2010 وتنتهي في 31 آذار 2011، والهدف منها هو جعل المخيم مجتمعاً نظيفاً عبر إقامة الأبحاث التي تنظر في احتياجاته البيئية.
«بلدية بيروت شريك في هذا المشروع وغيره من المشاريع في المناطق الأكثر حرماناً»، بحسب ما أكد العريس الذي رأى أنه من الضروري وجود رؤية موحدة لدى فعاليات المخيم، ووجوب تحديد الأولويات من أجل إعطاء «حياة كريمة للمخيم» وجعله نموذجاً «تحتذي به بيروت وبقية المناطق».
من جهته، أعلن لومباردو عن إطلاق مشروع بناء مراكز للأنشطة الترفيهية في المخيم، بتمويل من السفارة الإيطالية، تتضمن نوادي رياضية في المدرسة وخارجها، مؤكداً ضرورة الالتفات الى موضوع الصحة لتحسين خدمات المخيم.
يذكر أن اليوم الصحي الترفيهي امتد من العاشرة صباحاً إلى الرابعة ظهراً، وتخللته وصلات راقصة فولوكلورية لفرقة «جفرا» وسباق للأولاد في أحياء المخيم، ونشاطات صحية وترفيهية