اعتصام يساري أمام السفارة الأميركية.. خضع شبابه على مضض لقرار منع الشغب

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
يرفعون الصوت لأجل فلسطين

لم تمرّ أجواء التضامن مع «أسطول الحرية» الذي اعتدت عليه إسرائيل الأسبوع الماضي، من دون التوجّه إلى منطقة عوكر، والاعتصام أمام السفارة الأميركية. أصحاب الدعوة هم أحزاب ومنظمات لبنانية وفلسطينية، متفقة على هوية سياسية يسارية: «الحزب الشيوعي اللبناني»، «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، «حركة الشعب»، «التنظيم الناصري»، «الحزب الديموقراطي الشعبي»، و«حزب الشعب الفلسطيني». وتماماً مثلما جرت عادة الاعتصام نقداً للسياسة الأميركية المعتمدة في المنطقة، حددت نقطة التجمّع أمام مجمّع «أ. ب. ث.» في ضبية، أرادها المنظمون عند العاشرة والنصف من صباح أمس، فالتقوا على الموعد، بانتظار صفارة الانطلاق صعوداً باتجاه مفرق السفارة. الهدف من الاعتصام هو التضامن مع الأسطول وشهدائه وجرحاه، لكن أيضاً وأساساً مع غزة المحاصرة.
على مفرق السفارة، اتخذت القوى الأمنية احتياطاتها، كالمعتاد. سواتر حديدية تعيق اجتياز «الشريط الحدودي» الفاصل بين أمن السفارة والمعترضين على السياسة التي تمثلها، وعناصر القوى الأمنية اللبنانية منتشرة في أرجاء المكان. ومثلما اعتاد المتظاهرون ما ينتظرهم والنقطة التي يُفرض عليهم التوقف عندها، اعتاد سكان عوكر المواجهة. فوقف بعضهم على الشرفة لرصد المشهد، وفضّل آخرون إغلاق أبواب الشرفات والبقاء داخل المنزل. أما الزملاء المصوّرون فحدّدوا مراكزهم استعداداً لتغطية الاعتصام الذي يبدأ عند الحادية عشرة ظهراً.
عندما دقت الساعة المتفق عليها، طلّت الأعلام الفلسطينية الكبيرة، إلى جانبها أعلام تركيا. لا بدّ من التضامن مع الشهداء الأتراك الذين سقطوا ضحايا القرصنة البحرية الإسرائيلية، ومع الخطاب السياسي التركي الذي «دعم» شهداءه. يتقدّم مسيرة الاعتصام نائب أمين عام «الحزب الشيوعي» ماري الدبس، مسؤول «الجبهة الديمقراطية» علي فيصل، وممثلين عن الأحزاب المشاركة.
تمر دقائق قبل أن ترفع مئات الحناجر الشعارات التي تشرح أسباب «الزيارة»: «مطلب واحد للجماهير/ حرق سفارة وطرد سفير». فدعوة موجّهة إلى القوى الأمنية: «زيح زيح يا عسكر/ بدنا نفوت على عوكر». المعتصمون من كافة الأعمار، والحضور البارز سجّله أنصار «الحزب الشيوعي» الذين انقسموا بين «مجموعة مسالمة» و«مجموعة مشاغبة». ولم تكتف تلك الأخيرة بالتعريف عن انتمائها السياسي من خلال رفع علم الحزب، وإنما ذهب البعض من أنصارها إلى ارتداء اللباس العسكري في دلالة إلى بزّة القائد الثوري الأممي أرنستو تشي غيفارا. فالاعتداء الإسرائيلي طال مواطنين من العالم ينتصرون لفلسطين، وغزّتها المحاصرة.
مع بدء الاعتصام، عمّمت قيادة «الشيوعي» بالاتفاق مع ممثلي الأحزاب المشاركة، على الحضور التزام الهدوء وعدم دفع الأمور باتجاه العنف. أخذت أكثرية المشاركين التعليمات بعين الاعتبار، وتوجّهوا إلى أقرب نقطة من السواتر الحديدية الفاصلة بينهم وبين القوى الأمنية. هناك، حيث ألقيت الكلمات التي تندّد بالدعم الأميركي للاحتلال الاسرائيلي، فضّلت المجموعة «المشاغبة» عدم الاستماع إلى الخطابات، وإنما الهجوم على السفارة «بأي وسيلة ممكنة». يشرح أحد «المشاغبين»، واسمه أحمد، انه «من غير المنطقي أن يُحاصر شعب غزة ويُقتل يومياً، وفي المقابل، نحضر نحن إلى هنا لنستمع إلى بعض الخطابات ثم نعود إلى منازلنا!». برأيه، يجب «اقتحام السفارة، ولو سقط منا شهداء!».
يوافقه زملاؤه الرأي، فيرتفع صوتهم بنبرة واحدة: «علّمنا غيفارا أن نموت واقفين بدل العيش راكعين». وهكذا، أصبح مشهد الاعتصام مشهدين: مجموعة مستمرة في إلقاء الكلمات وترداد بعض الشعارات، ومجموعة أخرى شكّلت دائرة، جلس أفرادها على الأرض، مرددين أغاني وطنية لكل من مارسيل خليفة والشيخ إمام، ومرتبكين بقرار منع الشغب.
وفجأة، يعلو تذمّر مناصرو «المشاغبة» من قرار الالتزام بالهدوء، ويقرّر أحدهم بحماسة الهجوم على السفارة. يتدخّل معتصمون ويمنعون عنه الاقتراب من «الشريط الحدودي». يذكّرونه أن قيادة الحزب الشيوعي ترفض «تحويل الاعتصام السلمي إلى اعتصام شغب». يصرخ بوجههم، ويؤكد انه لو علم بأن الاعتصام سلمي لما شارك به. يعود حزيناً إلى الرفاق الجالسين على الأرض، ويتابع رفع الشعارات المتضامنة مع الأرض المحتلة.
على مستوى الشعارات، استحوذ العدو والأمم المتحدة ومجلس الأمن على حصة الأسد من النقد، لكن أيضاً، لم يفلت الرئيس المصري حسني مبارك من لسان المعتصمين. فاستحضروا شعارات الاعتصامات التي شاركوا فيها سابقاً أمام السفارة المصرية، وأشهروا الرفض القاطع لوجود سفارة إسرائيلية على أرض عربية. كما صنعت إحدى المشاركات في الاعتصام، سفينة من ورق، وضعتها على رأسها على هيئة قبعة ترمز للسفينة «مرمرة» التي استشهد عليها الناشطون الأتراك. كما بدا لافتاً وضع أقمشة على عين واحدة، على طريقة القراصنة، يحمل بضعها العلم الإسرائيلي، وبعضها الآخر العلم الأميركي، مع سكين في الفم، تجسيداً لفعل القرصنة. ولم ينس المعتصمون توجيه تحية إلى الناشطة الأميركية الشهيدة راشيل كوري، التي قتلها الإسرائيليون في فلسطين أثناء مشاركتها في نشاطات «الدروع البشرية» التي تحمي البيوت الفلسطينية من الهدّ والشجر الأخضر من الاقتلاع، فرفعت صورتها مذيّلة بعبارة: «ولدت في أميركا لتموت في فلسطين».
مرّت ساعة على بدء الاعتصام، والأجواء لا تزال سلمية. يستمر الصحافيون الزملاء بالتقاط الصور وإجراء بعض المقابلات. تارة يأخذون زاوية بانتظار التصعيد الذي توعّدت به «المجموعة المشاغبة»، وطورا يقررون المغادرة لأن الأجواء لا تشي بتصعيد. ينهي المتحدثون إلقاء كلماتهم. يعلن أحد المنظمين عبر مكبر الصوت، انتهاء الاعتصام. يستفزّ القرار «المجموعة المشاغبة»، خاصة وأن ممثلي الأحزاب أكدوا لهم أنهم لن يتبنوا أي موقف مشاغب يقدمون عليه. يقرر حينها الجميع مغادرة المكان، ممنين النفس بشعار: «مجيتنا ما كانت خسارة / جينا بهدلنا السفارة».
تبقى الحصيلة إحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي، وإحراق نجمة كبيرة من نجمات داوود، ومحاولات حثيثة لدفع السلك الشائك إلى الإمام، والاقتراب أكثر من «الهدف». أما الكلمات فألقاها لكل من الدبس، فيصل، حمزة والغرايب. فقالت الدبس: «نحن هنا اليوم لنؤكد لإدارة أوباما إننا سنواصل العمل من أجل قضية فلسطين، وسنستمر في مقاومتنا من أجل قطاع غزة وكسر الحصار». ولفت فيصل الى أن «رهاننا باستعادة الوحدة الفلسطينية التي تؤسس انتفاضة واحدة لشعب موحّد من أجل فلسطين». وأكدّ على الاستمرار في التحركات «حتى زوال إسرائيل». أما ممثل «الديموقراطي الشعبي» نزيه حمزة فاستنكر المواقف المتتالية للـ«امبريالية الأميركية الداعمة للمجازر». وأكّد على «استمرار إرسال أساطيل الحرية لمواجهة الغطرسة وإسقاط ما يُسمى بالحصار على الشعب الفلسطيني». ولفت ممثل «الشعبي الفلسطيني» أيوب الغرايب الى أن «شعبنا الفلسطيني سوف يستمرّ في النضال والكفاح»، داعياً المجلس الدولي إلى «الوقوف وقفة جدّية أمام المجزرة الأخيرة».

» اعتصام لجامعيي "البارد" أمام السفارة اليوم
» اعتصام لـ«الجماعة الإسلامية».. وآخر ضدها أمام السفارة السورية في لبنان
» السفارة الأميركية في دمشق: العزف على الوتر الطـــائفي
» السفارة الأميركية في عمان تحذر من "تهديد وشيك محتمل" في خليج العقبة
» مع غزة.. أمام السفارة المصرية بيروت