على حدود الموت... حياة أخرى في غزة

على حدود الموت... حياة أخرى في غزة
- لطالما أرهقت طرق قياس الحياة المتابعين، وحين تغمر الحروب والمعضلات على كافة المستويات مكاناً صغيراً مثل قطاع غزة، فإن المراقب من بعيد يتجه دوماً إلى مراقبة منسوب الدم في خزان الحياة، وعدد الجدران التي انهارت على ساكنيها، فيما تقوم الحياة بفعلها دائما، ويعبّرُ الأحياءُ عن نبضاتهم في ممارسة تتجاوز الأكلَ والشربَ ومحاولة الحفاظ على الحياة، إلى التعبير عن هذه الحياة إبداعياً كي تصلَ الرسالة الأكثر سمواً من طلقات الرصاص ومن محاولات الخنق والتجهيل والتعتيم، فينشأُ ردُّ فعل الحياة على الحياة، وترمي غزة نفسها في أحضان الفعل الإنساني الأكثر تعبيراً عن الحياة: الإبداع.
في مؤسسة عبد المحسن القطان بداية، يقوم نشاط مشترك مع المركز الفرنسي بالاحتفال بعيد العلم بطريقة مبتكرة وهي تقديم العلوم على طريقة جميلة وإبداعية تخرج بها من جمودها وتقربها إلى أذهان الأطفال، بإنشاء تلك التكوينات عن حركة الأرض كما نراها من الفضاء، ويتجلى الأطفال في مسرحيتهم الصغيرة كي يوصلوا رسالة علمية ولكن باستخدام أبي الفنون لإيصالها، ويحضر ستيفان هيسل الفرنسي الذي شارك في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويشارك في النشاطات، مبدياً إعجابه الذي لا يخلو من دهشة يعبر عنها صراحة لرؤية أطفال في بيئة محرومة من كل شيء تقريباً وهم يقومون بعمل عظيم لا يضاهى.
وتقول ريم أبو جبر مديرة المركز إن هذا هو أول عمل من هذا النوع في غزة، وتحضر الفعالية أيضا مارتين بروس الفرنسية مديرة المنظمة الأهلية لصوت الطفل، وتؤكد هيام الحايك مديرة البرامج الثقافية والأنشطة أن الأطفال تعودوا على النشاط الأدبي والفني بشكل أساسي، أما اليوم فإن الاختلاف يكمن في فنية النشاط العلمي إضافة إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها نشاط من هذا النوع بالشراكة مع مؤسسات فلسطينية من بيت لحم والخليل ورام الله ونابلس والقدس.
وأعربت الطفلة رواء زيارة ابنة الأعوام الإثني عشر، أنها تشعر بتحملها مسؤولية ما تقوله في المسرحية وأنها تحسه أقرب إلى المهمة، كما عبر أيضا الطفل حسن الكاشف عن سعادته بإيصال رسالة إلى العالم عن مشكلة كونية هي الاحتباس الحراري.
وعلى هامش المنتدى التربوي العالمي في فلسطين، شارك عشرة فنانين في معرض في صالة العرض بمركز رشاد الشوا الثقافي حمل اسم 'عشرة فن' وهم: محمد مسلم، وشريف سرحان، وباسل المقوسي، وماجد شلا، وإياد صباح، وشادي الزقزوق، ورائدة سعادة، وعبد الناصر عامر، وأيمن عيسى ومها الداية، والمعرض اشتمل على لوحات لم يكن بينها رابط موحد، بل جاء أغلبها ضعيفا ومكررا عن أعمال سابقة.
وقامت فرقة مسرح للجميع بعرض مسرحية 'السجرة' المأخوذة عن مسرحية 'غرنيكا' للأسباني فرناندو أربال، وهي مسرحية تدور على هامش الحرب الاجتماعي.
وتجمع واحد وثلاثون طفلا وطفلة خلال الشخر الجاري على ميناء غزة، وقاموا بإلقاء مونولوجاتهم التي كتبوها في البحر كي تصل إلى العالم، وعُرضت هذه المونولوجات على مسرح رشاد الشوا في مدينة غزة بمشاركة الأطفال جميعهم، وتزامن هذا العرض مع عروض في 50 مسرحاً في العالم.
كما عرض فيلم المخرج الأميركي موريس جاكبسون 'إن شاء الله' الذي يسعى فيه للسفر إلى مناطق متعددة حول العالم، ويقول جاكبسون المقيم في غزة منذ عام تقريبا إن الهدف من هذا الوثائقي هو تقديم غزة كما هي للعالم، وتسليط الضوء في نفس الوقت على المجتمع تحت الحصار والأزمات.
وفاز عمل التوأمين أحمد ومحمد أبو ناصر بالجائزة الأولى التي أعلنت عنها مؤسسة القطان فيما فاز عبد الله الرزي بالجائزة الثانية، وجميعهم من غزة، وقال الفنان التشكيلي محمد مسلم: 'إن هذه المسابقة هي أهم حدث فني على مستوى الفن التشكيلي في قطاع غزة للفنانين الشباب'.
واستضافت 'نوافذ' الجمعية الفلسطينية للثقافة والفنون، الشاعر خالد جمعة في لقائها نصف الشهري الذي يجري بالتزامن بين رام الله وغزة، وتحدث جمعة عن تجربه قصيدة النثر في غزة منذ بداية التسعينات.
هذه النشاطات وغيرها، تعبر ببساطة عن رغبة غزة في الحياة، عن القدرة العالية للفلسطيني على استخلاص نُتَفِ الحياةِ المبعثرة هنا وهناك لتحويلها إلى فن يسافر في فضاء العالم، ليقول إن فلسطين أكثر البلدان حياة، وأكثرها قدرة على صياغة النار وتطويعها لتكون أداة حياة أكثر منها أداة موت.
ــ