ماذا تريد سوريا من لبنان؟

كأن موضوع العلاقات اللبنانيّة السورية أبديّ في لبنان، حتى ولو نشف إبريق الزيت. أمس، نظّم مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية ندوة جمعت كريم بقرادوني وفارس سعيد، فأدلى كلّ منهما برأيه، وأنفضّ الجمع كما لو أنه لم يسمع ولم يحك

يستمرّ قسم من اللبنانيين، منذ أكثر من أربعة عقود، بطرح أسئلة عن علاقة لبنان بسوريا، وأهم هذه الأسئلة: «ماذا تريد سوريا من لبنان؟». الوحدة، الضم، الهيمنة، أداة، الحماية، الاستقرار، استكمال الهوية... أجوبة متعدّدة ومتكرّرة تنطلق من وجهات نظر مختلفة، من دون أن تنجح في تحديد مفهوم معيّن لهذه العلاقة. فبين أكثر المقرّبين لسوريا ـــــ أو حتى أبناء المدرسة السياسية السورية ـــــ من جهة، وأكثر الأطراف والشخصيات خصومة وعداءً لسوريا من جهة أخرى، تضيع الأفكار والمنطلقات والتوجّهات، دون أن يستطيع أيّ من الطرفين إقناع الآخر، ما يدفع إلى التساؤل عن أسباب الخوض في هذه النقاشات التي لا جدوى منها.
اختار مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية هذا العنوان للندوة التي جمعت أمس كلّاً من الرئيس السابق لحزب الكتائب كريم بقرادوني، وعضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد. وقد أقرّ السفير عبد الله أبو حبيب، مدير المركز، بأنّ نقاش جلسة أمس لم يأت بالنتيجة الواضحة، ولم يحسم جواباً للمسألة المطروحة، إلا أنه في الوقت نفسه يؤكد ضرورة استمرار مناقشة هذه القضايا التي لا بد أن تعلق أجوبتها، مع التكرار، في أذن المتلقّي.
اللافت في الندوة أنّ المحاضرَين لم يقدّما أجوبة شافية، إذ جرى الغوض في الحديث عن تاريخ هذه العلاقة مع تحديد سلبيّاتها وإيجابياتها. فانطلقت مداخلة كريم بقرادوني من الإشارة إلى أنّ «العلاقة اتّسمت تاريخياً بسوء الثقة، وذلك منذ الاستقلال». فذكّر بالمطلب السوري العام بضم لبنان إلى سوريا، مع تأكيد المنافسات السابقة بين البلدين وتحولاتها، «وعلى سبيل الاستعلاء، التلازم عُبّر عنه بأشكال عدة: الوثيقة الدستورية التي للمرة الأولى تتحدث عن استقلال لبنان، لأنها بهذه الكلمة لم تكن واردة في القاموس السوري، وفي الوثيقة تكلموا عن العلاقات الخاصة». وفي مرحلة لاحقة، تطوّر عنوان الضم إلى مفهوم الوحدة، بحسب بقرادوني، الذي تابع سرد قراءته للعلاقات اللبنانية ـــــ السورية، مشيراً إلى الخوف السوري من سلخ لبنان عنها، ومؤكداً تحوّل العنوان السوري تجاه لبنان، بعد المرحلة الناصرية، من «الوحدة إلى التلازم. ففي مرحلة الأسدين، الرئيسين حافظ وبشار، لم يعد من حديث سوري عن الوحدة أو الضم، بل تلازم المسارين». ولفت بقرادوني إلى أنّ علاقة «التلازم» تلخّصت في مرحلتين: الأولى إقرار الوثيقة الدستورية، والثانية اتفاق الطائف «الذي انطلق من العلاقات المميّزة وأضاف إليها الإصلاحات».
وإذ انتقل بقرادوني إلى الحديث عن مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصف هذه المرحلة بالزمن الذي «لم يعد هناك تأثير للوثيقة ولا للطائف». واستخلص بقرادوني من هذه المقاربة أوّلاً: أنّ أي قطيعة بين لبنان وسوريا تنعكس سلباً على استقرار لبنان وتؤدي إلى حروب لبنانية. ثانياً، لا شك في أن سوريا تنظر إلى لبنان على أساس التفكير التاريخي في أن لبنان ممر للاستعمار والنفوذ الإقليمي، ومقرّ يمثّل خطراً على النظام السوري. تابع: «هذه النظرية يجب الإجابة عنها بعلاقات وثيقة، بحيث لا يمثّل لبنان خاصرة رخوة».
ومن الخلاصات البقرادونية أنه «في أيّ صراع إقليمي، موقع لبنان الطبيعي هو إلى جانب سوريا»، و«في حال وجود صراع عربي ـــــ عربي، يجب أن يحصل تطمين لبناني لسوريا».
أما الدكتور فارس سعيد، فنقل مواقف 14 آذار 2005 إلى مركز عصام فارس، إذ حافظ على الآراء السلبية الكاملة تجاه سوريا. وتحدث عن تطوّر المجتمع العسكري السوري «وقيام أنظمة قمعية، فيما تمتّع لبنان بحريات ملحوظة». وأشار إلى أنّ هذا الفارق ولّد صورة مشوّهة للبنان لدى سوريا. وتركّزت مداخلة سعيد على العلاقة بين المسيحيين وسوريا، فقال: «دخول سوريا عام 1976 لم يساعد على حلّ هذا التقابل الحاد في نظرة المسيحيين والسوريين بعضهم إلى بعض، وتفاقم الوضع مع اجتياح 1982 حتى اتفاق الطائف»، ليشير إلى المشاكل والأزمات بين الطرفين التي نتجت من الطائف.
ورأى سعيد أنّ المرحلة الحالية «فرصة اختبارية جديدة» لتصحيح العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، فأشار إلى المعطيات العربية والإقليمية والدولية التي ساعدت على تحسّن هذه العلاقة. وتابع: «مقابل هذه المعطيات، ترى سوريا نفسها محجوزة بين مشهدين: مشهد اللقاء الثلاثي الذي ضمّ الأسد ـــــ نجاد ـــــ نصر الله من جهة، ومشهد إسطنبول الذي جمع الرئيس السوري بأمير قطر ورئيس الحكومة التركية. وبحسب سعيد، «لم تحسم سوريا حتى الآن خياراتها الكبرى لأسباب تتعلق بموضوعات عديدة، قد يكون منها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، مع تشديده على أنّ «سوريا على رأس توجهات تبدو متناقضة: فمن جهة علاقات دبلوماسية طبيعية مع لبنان، ومن جهة أخرى سعي سوري إلى تفعيل دور المجلس الأعلى اللبناني ـــــ السوري.
وبذلك يكون بقرادوني وسعيد قد ابتعدا عن الإجابة عن السؤال المطروح: «ماذا تريد سوريا من لبنان؟». حتى الساعة لا جواب.

» أنباء عن نقل حزب الله لأسلحته من سوريا إلى لبنان
» سوريا تشكو من تدخّل لبنان فـي شؤونها
» إسرائيل تريد لبنان ساحة لتصفية حساباتها مع طهران
» تراجع حركة النزوح من سوريا باتجاه لبنان
» فلسطينيو لبنان لاجئون صحّياً في سوريا