فلسطينيو لبنان: كارثة قريبة! / علي الامين

أثارت قضية الحقوق المدنية لللاجئين الفلسطينيين في لبنان جدلا على الطريقة اللبنانية التي تحفل بالنكايات والمزايدات لا اكثر ولا اقل. اما تنفيذ قرارات طاولة الحوار، المرتبط بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، فبات طي النسيان ولا يثير حفيظة السياسيين او النواب الذين تنطحوا في وجه الحقوق المدنية، ولم يستفز وطنيتهم وخصوصياتهم استمرار وجود هذا السلاح.
الفلسطينيون في لبنان يدركون، في غالبيتهم العظمى، ان هذا السلاح المنتشر خارج المخيمات استخدم ضدهم اكثر مما استخدم ضد العدو او ضد اشقائهم اللبنانيين، وبالتالي هم لا يعترضون على اي قرار لبناني بازالته بل يتمنون في قرارة انفسهم ان تسارع الدولة الى هذه الخطوة حماية لهم وللبنان.
أما بعد فإنّ استعجال النائب وليد جنبلاط لم يكن بريئا، في سياق تقديم مشروع القانون المعجل المكرر الى مجلس النواب، في وقت لا ينقص الزعيم الدرزي شيء من الحصافة ليدرك ان هذه القضية كانت تتطلب في الحد الادنى التنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية او استشارتها في التوقيت، وشيئا من التنسيق مع الحلفاء الجدد او سواهم لتلافي هذا الزجل السياسي المغري لتجار السياسة يمينا او يسارا تاييدا لهذه الحقوق او رفضا لها.
لم يبادر جنبلاط نحو اصدقائه الفلسطينيين ولا حلفائه اللبنانيين. رمى مشروع القانون في قاعة المجلس ومشى... ولسان حاله يقول ما قاله المتنبي:
انام ملأ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
في المشهد الفلسطيني اللبناني صدى لهذا السجال، تفاوت بين التاييد لهذه الخطوة الجنبلاطية بكل ما حملته من التباسات، وبين استياء من الاسلوب والتوقيت ومن ردود فعل سياسية واعلامية، اتسم بعضها بنزعة عنصرية اتجاههم. على ان السؤال، الذي يشغل بال الفلسطينيين المتمسكين بقضيتهم وحق العودة والنضال من اجلها، هو ماذا تريد السلطة اللبنانية من الفلسطينيين؟ وما هي نظرتها لمعالجة المشكلات الناشئة عن الوجود الفلسطيني في لبنان؟
اذ يؤكد اكثر من مسؤول فلسطيني ان الجانب الفلسطيني منفتح على اقصى حدود التعاون من اجل الحد من المخاوف اللبنانية، وتنظيم الوجود الفلسطيني بما يضمن سيادة الدولة وحقوقها، وضمان شروط الحد الادنى من العيش الانساني للفلسطيني. لكنها، وهي تقر بالاختلاف الفلسطيني وعدم وجود قوة ممسكة بزمام القرار، تشير الى ان هذه المسؤولية تقع في الدرجة الاولى على لبنان المعني باتخاذ قرار واضح وحازم في تحديد اولوياته على هذا الصعيد.
المخاوف الفلسطينية تكمن ايضا في ما يجري العمل عليه ميدانيا، اي ما تعتبره اعادة تأهيل الوضع السياسي والامني الفلسطيني، وادراجه ضمن الصراعات اللبنانية والاقليمية. لذا تعتبر ان اثارة المخاوف اللبنانية والفلسطينية اليوم يصب في هذا الاتجاه الذي يجعل من المخيمات بؤرة تفجير وصندوق بريد لرسائل منها الى خارجها اللبناني والاقليمي ومن هذين الخرجين إليها.
إعادة رسم وتثبيت معالم السيطرة على الورقة الفلسطينية في لبنان جارية على قدم وساق، وعلى قاعدة المحافظة على الفسيفساء الامنية، مع تحكم شبه كامل بها من خارجها. ويشكل استعادة خطاب الحرب الاهلية والتوطين وسيلة من وسائل بحث الفلسطينيين في المخيمات عن مصادر حماية لوجودهم من خارج المخيم. اذ تساهم الادارة الامنية والاستخباراتية للوجود السياسي والاجتماعي والانساني مجالا فاعلا في عملية استخدام هذا الوجود في اتجاهات عدة ولحسابات لا تعني اللبنانيين ولا الفلسطينيين، الا في نتائجها السلبية والكارثية. تماما كما كان الحال في مخيم نهر البارد وحربه المدمرة، من دون ان يكشف حتى الان من كان وراء هذه الحرب ومن حصد مكاسبها ومن نال خيباتها.
وكما ان هناك من يستشعر قوة في محيطه الضيق عندما يتنطح لرفض هذه الحقوق، ثمة في المقابل من يستشعر قوة في محيطه الضيق عندما يعتلي منصة الدفاع عن هذه الحقوق، وإن كانت يداه لم تجفا بعد من الدماء التي سالت في حروب عبثية ومدمرة خاضها في المخيمات. وبالتالي فان حرفة استغلال هذا الملف الخطير هو زج له مجددا في لعبة داخلية، والاهم هو تأمين مزيد من شروط استكمال الامساك بورقة اللاجئين اقليميا، وتنازل لبناني غير مبرر عن حق الدولة في ادارة هذا الملف ضمن المصالح اللبنانية اولا والفلسطينية ثانيا. انه تنازل غير مفهوم وغير مقبول عن واجبات الدولة وعن امن المقيمين على ارضها ... وينذر بكارثة قريبة.