«قرية من فلسطين»: «الكويكاتيون» يروون حكايات الذاكرة

يطلب رجل مسن من أحد الشبان مساعدته للوصول إلى قاعة «المركز العربي الفلسطيني» في مخيم برج البراجنة. تظهر الحماسة على وجه الرجل المتكئ على عكازه، لشوقه إلى قريته الفلسطينية التي هجرها طفلاً صغيراً في العام 1948.
في داخل القاعة، ينتظر «الكويكاتيون»، كما يسمي سكان قرية كويكات أنفسهم، موعد الرحلة التي ستأخذهم إلى قريتهم الفلسطينية الواقعة في قضاء عكا. فالشاشة الكبيرة التي نصبت داخل القاعة لعرض أفلام عن القرية المحتلة هي وسيلتهم الوحيدة للتعرف على معالم قرية هجرها مسنوها وهم أطفال، ولا يعرف عنها شبابها الناظرون إلى شاشة العرض سوى اسمها.
حكاية «كويكات»، هي أولى الحكايات التي افتتحت عبرها «منظمة ثابت لحق العودة» أمس الأول مشروع «حكاية قرية من فلسطين»، الذي يهدف إلى حماية الذاكرة الشفوية الفلسطينية، وتمسك اللاجئين الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها. وفي كل أسبوع سيكون أهل المخيم على موعد مع حكاية قرية أخرى، فيتجمّع أهالي القرية ليسمعوا ويقصّوا حكايات عنها.
في الصف الأمامي داخل القاعة، يجلس مسنو القرية بانتظار أن يُنادى عليهم لاعتلاء المسرح والمشاركة في الجلسة الحوارية، فلن يروي أحد عن القرية أفضل من كبارها المعجونين بعرق فلسطين والممزوجين بمائها وهوائها.
بعد التعريف وإلقاء الكلمات، يحلّ السكوت على القاعة. يتولى أربعة مسنين سرد قصصهم للحضور المصغي إلى كل كلمة تتحدث عن «كويكات» قبل النكبة وبعدها.
وهنا تبدأ الرواية: «في حزيران العام 1948، وفي الليلة الحادية عشرة منه سقطت كويكات بيد الاحتلال. 62 عاما مضت على تهجيرنا قسراً من أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا. كان محرّماً على عربي أن يحمل سكيناً، في وقت كان البريطانيون يعدَون اليهود تسليحاً وتدريباً وتنظيما. هذه الأرض التي احتُلت نحن أصحابها والبيوت التي هُدمت نحن سكانها والمقدسات لنا. هذا حجر من بيوت كويكات، وهذا منكوش كان يستعمل لفلاحة الأرض». يتفق «الحكواتيون» على أن كويكات تشتهر بالفلاحة فتكلموا عن أرضها ومزروعاتها. «في كويكات بستان واحد من الحمضيات، كان أهل القرية يعملون ليلاً نهاراً في زراعة حبوب القمح، الشعير، السمسم، العدس، الحمص والبطيخ... وكان عدد سكان كويكات 1200 نسمة قبل الاحتلال». هذا ما رواه المسنّ عبد المحيد علي، ليروي بعده أبو صبحي عن المحصول الذي كان ينتجه في البستان ويبيعه إلى أهالي القرية. فيخبر أبو عبده كيف دخل الإسرائيليون إلى القرية، وكيف حاول أهلها صدّهم في المرة الأولى حتى احتلّوا القرية بالكامل.
وكأن المسنين لا يريدون التوقف عن الكلام. يتحدثون عن أبسط الأمور التي ما زالت راسخة في أذهانهم. ولا بدّ من التوقف عند حكاية التهجير التي حصلت من فلسطين إلى لبنان والمكوث في مخيم برج البراجنة.
وكان المدير العام لـ«ثابت» علي هويدي قد ألقى كلمة اللقاء أشار فيها إلى أن «مشروع حكاية من فلسطين سيشمل المخيمات الفلسطينية كافة في لبنان». ولفت إلى أن 7 بالمئة فقط من سكان المخيمات «ولدوا في فلسطين ويحملون الذاكرة التي تنتقل إلى الأجيال»، مؤكداً أن المشروع «يمثل شوكة في حلق العدو، بخلاف العبارة الذي أطلقها هذا العدو: غدا كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون». وأضاف: «نتطلع إلى حق العودة إلى فلسطين، ونوجه رسالة إلى الحكومة اللبنانية بإعطاء الفلسطيني حقوقه المدنية والاجتماعية». وردّ هويدي على «ما يعتبره بعض السياسيين من أن منح الفلسطيني حقوقه سيساهم في التوطين ونسيان حق العودة»، من خلال الإشارة إلى دراسة أجرتها «ثابت» وتظهر أن «هناك 87 بالمئة يرفضون المعادلة هذه و80 بالمئة يتطلعون الى العودة». واعتبر هويدي أن «توفير الحقوق يمثل حماية الفلسطيني واللبناني، خصوصا أن اللاجئ يعاني بنسبة 60 بالمئة البطالة، و12 بالمئة الفقر، و18 بالمئة التسرب المدرسي، مع ملاحظة نسبة 14 بالمئة زيادة في عدد السكان داخل المخيمات».
كما تحدث عبد المجيد علي باسم أهالي كويكات فأكد على أنه «إذا متنا فلن يموت معنا الأمل من العودة إلى فلسطين لأن أولادنا وأحفادنا سيجاهدون من أجل تحريرها».
وتخلل اللقاء تكريم عدد من أهالي القرية، توقيع «عهد التمسك بحق العودة»، معرض مصور لقرية «كويكات» قبل النكبة وبعدها، معرض تراثيات وأوراق ثبوتية من القرية، عرض فيلم وثائقي عنها، تقديم نسخ من إصدار «حن الوطن» والخريطة الفلسطينية للحضور، إضافة إلى عرض فقرات فنية لأهالي القرية ترافقهم الدبكة الفلسطينية.
زينة برجاوي

» بشيت - يبنا - وادي حنين - قرية أو زريق -قرية أبو شوشة - قرية أبو غوش - قرية أبو الفضل
» بيت عور الفوقا - قرية الجانية - قرية اللوز - المخيزن - قرية المزرعة القبلية - مزارع النوباني
» ( مدينة بيرزيت - تر مسعيا - قرية جرش - قرية ابو قش - قرية دير ابو مشعل )
» أطفال محرّرون يروون تجربة الاعتقال بمحاكاة الصور
» ناجون من القتل لا من الذاكرة