العيش الكريم لا ينال من الانتماء الوطني

رغيد الصلح

يعقد البرلمان اللبناني جلسة خلال الأسبوع المقبل لمناقشة الاقتراحات المتعلقة بالحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين في لبنان التي تقدمت بها كتلة “اللقاء الديمقراطي” النيابية . عندما يعود المجلس النيابي إلى بحث هذه القضية فإنه من المرجح أن تتجدد الأجواء الحارة التي طبعت مناقشتها في الجلسة السابقة؛ فالانقسام حول هذه القضية لا يزال قائماً، والفترة التي تلت المناقشات النيابية السابقة تخللتها سجالات كثيرة طبعت بالحدة والعنف اللفظي بين مؤيدي ومعارضي إعطاء الحقوق المدنية أو الإنسانية للفلسطينيين . وفي هذه السجالات، لم يتردد معارضو المقترحات في توجيه الاتهامات الضمنية إلى الذين تقدموا بها بأنهم يعبدون الطريق أمام “التوطين المبطن” .

هذه التهمة باتت تثير الشبهة حول مواقف كل من يتقدم بمقترحات لتحسين أوضاع الفلسطينيين في لبنان، وحول الاعتبارات الكامنة وراء هذا الموقف . وتضم قائمة الاتهامات تلميحاً إلى المطامع الشخصية والسياسية التي تحرك المطالبين بتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكذلك الدوافع الطائفية أو المذهبية التي تضعهم على هذا الطريق . وتشمل لائحة الاتهامات أيضاً التلميح إلى أن موقف هؤلاء يتعارض مع وثيقة الطائف التي ترفض التوطين، وعلى أنه دليل على نقص ولائهم للبنان على أساس أنهم يضعون مصلحة الفلسطينيين فوق مصلحة اللبنانيين، وأخيراً لا آخراً على أنه مؤشر إلى نقص ولائهم للقضية العربية باعتبار أن ما يقومون به يتعارض مع القرار الدولي 194 الذي يشدد على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم .

اعتبر معارضو المقترحات أنها سوف تذهب بالتوازنات الديمغرافية بحيث تهدد الوحدة الوطنية اللبنانية، وأنها ستمس مصالح اللبنانيين خاصة الذين سوف يتعرضون، إذا ما سمح للفلسطينيين بحق العمل، إلى منافسة غير محقة في بلد يعاني نسبة بطالة عالية تضطر أبناءه إلى الهجرة . استطراداً، دعا المعارضون إلى التأني في دراسة المقترحات، إلا أن الذي يدقق في هذه المقترحات يجد أنها، بصرف النظر عن الأهداف المباشرة المتوخاة منها، توصل إلى العكس أي إلى الحفاظ على مصالح اللبنانيين .

إن التأني في معالجة القضايا المصيرية مطلب سليم، والدعوة إلى دراسة هذه القضايا بدقة والاستناد إلى الإحصاءات والأرقام والمعلومات الدقيقة كل ذلك أمر في محله، ولكن هل نظر معارضو مقترحات “اللقاء الديمقراطي” هم أنفسهم إلى مسألة اللاجئين الفلسطينيين بتأن وأعطوها ما تستحقه من الاهتمام؟ يتساءل مؤيدو هذه المقترحات، وهل وضعوا دراسات دقيقة وعلمية تظهر رأيهم في هذا الشأن الخطير؟ وإذا كان هذا ينوون أن يفعلوه في المستقبل، فلماذا لم يقرروا ضرورة الدراسة المتأنية إلا بعد أن طرح “اللقاء الديمقراطي” مقترحاته؟

المطالبون بالإسراع وليس التسرع، في الاهتمام بقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يذكرون بموقعة مخيم البارد التي تحولت إلى “حرب لبنانية فلسطينية” صغيرة، والتي كادت تهدد بعودة أجواء السبعينات، وبانتشار المواجهات العسكرية على نطاق سائر المخيمات الفلسطينية . كذلك يذكر هؤلاء بأن الأوضاع في المخيمات الفلسطينية تثير القلق حتى بين القيادات الفلسطينية التي لم تتردد عن دعوة الدولة اللبنانية إلى تجميع السلاح الثقيل والخفيف في المخيمات وفي بسط سلطتها عليها جنباً إلى جنب مع إعطاء الفلسطينيين الحقوق المجتمعية .

بالمقابل يقول مؤيدو مقترحات “الديمقراطي” إن بعضاً من معارضي هذه المقترحات، وليس كلهم، يريدون الحفاظ على الأوضاع الراهنة في المخيمات بأمل أن تكون حافزاً لسكانها من الفلسطينيين إلى مغادرة الأراضي اللبنانية نهائياً، والاستقرار في دول أخرى تعطيهم بعضاً من الحقوق المجتمعية التي لا يحصلون عليها في لبنان . أي بتعبير آخر، فإن الأجندة الحقيقية لهؤلاء المعارضين هي “التهجير القسري والمبطن” للاجئين الفلسطينيين من لبنان . أصحاب هذه الأجندة يقدّرون أنها تنطوي على مخاطر جسيمة قد يكون من بينها تجدد انفجارات البارد، ولكنهم يظنون أن لبنان يستطيع أن يتجاوزها، وأنها ثمن ينبغي دفعه حتى يوجد “الحل النهائي” لقضية اللاجئين الفلسطينيين .

مؤيدو إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الحقوق المجتمعية يعتقدون أن هذا النوع من الأجندات يهدد لبنان بأفدح الأخطار، ذلك أن الفلسطينيين الذين يهاجرون من لبنان هم على الأرجح من أصحاب المهارات والكفاءات التي تساعدهم على إيجاد فرص العمل والاستقرار في الدول الأخرى . وهؤلاء يشكلون عادة عنصر اعتدال في الأوساط الفلسطينية اللبنانية . بالمقابل فإن الذين يفتقرون إلى هذه المهارات، يبقون الأقل ميلاً إلى الهجرة وإلى البقاء في المخيمات، والأكثر ميلاً إلى الانخراط في الاقتصاد الأسود، والنشاطات السياسية والمجتمعية التي تهدد الأمن والاستقرار في لبنان .

إن مصلحة لبنان واللبنانيين هي في الإفادة من أصحاب المهارات والكفاءات من الفلسطينيين، والسعي إلى تطوير قدرات الشباب الذين لا يملكون مثل هذه المهارات . هؤلاء لن يكونوا منافسين للبنانيين، بل بالعكس سوف يساعدون على سد الثغرات في سوق العمل اللبناني، والمقصود بذلك أنهم سوف يتوجهون إلى مهن يعزف عنها اللبنانيون عادة مثل البستنة والبناء، ومساهمة اليد العاملة الفلسطينية على هذا الصعيد مهمة لأنها سوف تسهم في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى لبنان .

ما نقوله أعلاه يدل على أن الأخذ بالمعايير الإنسانية ومعايير الأخوة العربية في معاملة اللاجئين الفلسطينيين يتماشى، في معظم الأحيان، مع حرص اللبناني على مصالحه المجتمعية والوطنية، وعلى أنه ليس هناك، بالضرورة، من لعبة صفرية بين اللبنانيين الذين لا يريدون اهتزاز الموازين الديمغرافية في بلادهم، والفلسطينيين الذين يتطلعون إلى تحسين أوضاع معيشتهم في لبنان بانتظار الظرف المناسب لعودتهم إلى ديارهم . إذا ما روعيت هذه الناحية، فإنه من المستطاع أن تكون قضية مناهضة التوطين في لبنان مسألة يجمع عليها سائر اللبنانيين والفلسطينيين، وقد اتخذت المسألة هذا الطابع عندما أجمع المؤتمر البرلماني اللبناني في وثيقة الطائف على رفض التوطين . المطلوب تجديد هذا الإجماع وترجمته في مشاريع محددة، وتحسين أوضاع الفلسطينيين في لبنان لا يفتح الباب أمام التوطين، بل يعزز كرامتهم الإنسانية ويرسخ انتماءهم إلى القضية الفلسطينية، ومن ثم يزودهم بالمزيد من القدرة على مقارعة التوطين ومشاريعه .

كاتب لبناني

» المجلس الوطني الفلسطيني ينال صفة شريك من أجل الديمقراطية في مجلس برلمانات أوروبا
» باليوم الوطني للثقافة الفلسطينية النضال تدعو لتعزيز ثقافة الانتماء والابتعاد عن ثقافة التخوين
» التجمع الوطني المسيحي يستنكر مخطط الاعتداء على القرآن الكريم التاريخ : 9/9/2010 الوقت : 13:42
» سكان المخيمات الفلسطينية..روح الانتماء للأرض
» مرض السرطان ينال من عائلة فلسطينية بأكملها ويقضي على اثنين منها والبقية ينتظرون الموت..ولاحياة لمن تنادي