إعادة إعمار نهر البارد: مشوار بناء الـ 200 ألف متر مربع بدأ

بعد ثلاث سنوات على انتهاء المعارك.. أين وصلت آلية إعادة إعماره؟مدير قسم الهندسة في الانروا، ونائب مدير مشروع إعادة الإعمار المهندس «محمد عبد العال»، رافق أزمة المخيم من أيام الأزمة الأولى حتى نهاية شباط فبراير 2010. تحدّث لـ «نور تايمز» عن قصة المخيم بعيد انتهاء المعارك: «للإطلاع على حجم الدمار وإطلاع الدول المانحة عليه، وبالاتفاق مع الجيش اللبناني، جلنا في طوافة عسكرية فوق المخيم ليتبين لنا أنه مدمر كلياً وبالتالي يجب إعادة إعماره بشكل كلي وهذه المسألة تتطلب مراحل كثيرة».
14 يوليو 2010- إعادة إعمار بنى تحية وأساسات لمساكن ومدارس ومجاري.. كل شيء

فعلاً كل شيء.. الخطوة الأولى والأهم كانت إزالة الردم وهي عملية معقدة، فالردم كان يحتوي أجساماً غير منفجرة وجدّ خطيرة و نزعها يتطلب وقتاً. استعنا بنوعين من المقاولين: مقاول لإزالة الردم وآخر لإزالة الأجسام غير المنفجرة، على أن يعملا في وقت واحد. هذه المهمة استغرقت نحو 14 شهراً، رفع ضمنها أكثر من 500 ألف متراً مكعباً من الباطون وأكثر من 12 ألف جسماً غير منفجر.. خلال هذا الوقت كان التحضير جار للمخطط التوجيهي.

كيف؟

هو عملية معقدة بدأناها مع الأهالي من داخل المخيم وعدد من الأهالي خارجه، كلهم معنيون بالمسألة، من بين مهندسين وغير مهندسين شكّلوا ما اسمه هيئة إعادة إعمار المخيم، وقد وقعت الأونروا مذكرة تفاهم مع الهيئة ودخلنا بشراكة مع العائلات. اتفقنا مع الهيئة على مبادئ إعادة الإعمار أو مبادئ المخطط التوجيهي.

متى بدأ التعاون بينكم وبين الحكومة اللبنانية؟

في الواقع، الحكومة اللبنانية كانت موجودة منذ البداية وكانت تعقد اجتماعات يومية هدفها الأساس الإغاثة، وفي ما بعد بدأنا نقاش موضوع إعادة الاعمار. بدأنا نعمل على المخطط التوجيهي بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية عبر جهات متعددة، وكان علينا، الحكومة اللبنانية ونحن، أن نتعلم من هذه العملية، فهذا أول مخيم فلسطيني يدمّر وتتم مساع حقيقية لإعادة إعماره. في مخيم نهر البارد كان الإلتزام جدياً وعلى أعلى المستويات عبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ورئيس الجمهورية ميشال سليمان في خطاب القسم، كل الجهات اعلنت التزامها بإعادة الاعمار.

واجهتم روتيناً معيناً تسبّب في التأخير؟

بدأنا بالمخطط التوجيهي فوجدنا أنه يحتاج قراراً من مجلس الوزراء. بناء على المخطط، قسم المخيم الى 8 رزم أو أقسام على أساس أن نبدأ بإعادة الإعمار في الرزمة الأولى وتفصل بين الرزم ما بين 4 الى 6 أشهر، الى أن ينتهي البناء في 3 سنوات بما فيها كل شيء من منازل، محلات تجارية وبنى تحتية. كان هذا التخطيط مشروطاً بحصولنا على الموافقات المطلوبة من الحكومة اللبنانية في الوقت المناسب واذا ما توفرت الأموال الكاملة لإعادة الإعمار، لكن للأسف الموافقات استغرقت وقتاً وعند إزالة الردم واجهتنا مشكلة وجود آثار ما استدعى قراراً من مجلس شورى الدولة الذي أوقف العمل لمدة شهرين بعد ذلك صدر قرار عن مجلس الوزراء بحماية الآثار بطمرها.

ومديرية الآثار ما كان رأيها ودورها في الموضوع؟

نسقنا معها على طريقة الطمر، وهذا آخّر الرزمة الأولى، وبدل أن نحفر لنضع ركائز وأساسات، أصبح التركيز على الطمر، ومن ثم وضع الركائز ووضعها على طمر يتطلب معالجة مختلفة عن وضعها على أرض. غيّرنا التصميمات التحتية التي كانت مكتملة وبدأنا نعمل من جديد، ما يعني تكلفة ووقتاً إضافيين، أولاً لحماية الآثار وثانياً للتأكد من سلامة ومتانة الأساسات التي سيبنى عليها.

بأفضل الشروط والتمويل والتوقيت متى انتهاء العمل من إعادة الإعمار؟

سنتان ونصف لنكون منطقيين إذا تمّت كل الموافقات وحصلنا على كامل التمويل اللازم.

كم أصبح منجزاً في مسألة إعادة الإعمار؟

مرحلة واحدة من 8 مراحل، على أمل عودة أهل المخيم كأصدقاء لمحيط محبّ عاشوا معه بحب.

د. ساطع أرناؤوط:

الآثار خلقت إشكالية وعملية استملاك الدولة كانت ضرورية

مستشار رئاسة مجلس الوزراء د. ساطع أرناؤوط وصف دور الدولة اللبنانية بأنه الراعي لإعادة الاعمار لا المنفذ له. بالإضافة الى شرعنة للإعمار عبر الموافقة على رخص البناء، والمخططات التوجيهية، متابعة الاعمار وتأمين سلامته مع حفظ دور للجيش اللبناني الذي أعطى رأيه في العملية التخطيطية من الناحية الأمنية. "نحن نسهل ونراقب" كما قال، وأضاف:

كان أمام الدولة مجموعة تحديات: إعادة الاعمار بأسرع وقت ممكن وتأمين التمويل اللازم واحتواء النقمة من السكان المحيطين بالمخيم على ما لحق بهم من خسارة بشرية وأضرار مادية. في الواقع المنطقة عبارة عن ثلاث دوائر، مخيم اللاجئين ومنطقة محيطة خرج اليها الناس وبنوا مساكن ونسميها تجمعاً بمحاذاة المخيم ومنطقة ثالثة هي البلديات اللبنانية التي تضررت بالحرب. أما المسؤوليات فهي كما يلي:

لم الإصرار على إبقاء في مكانه خصوصاً بوجود آثار تحت أرض المخيم؟

فضّل الأهالي العودة الى الأماكن التي كانوا فيها، والدولة تعاملت بشفافية مع هذا المطلب، لذلك اعتمدت استراتيجية من 3 محاور لإعادة الإعمار:

أولاً فتح صفحة جديدة في هذا المخيم من ناحية التواجد القانوني، عملياً كانت إعادة البناء على أرض استملكتها وهذه أول خطوة في لبنان ككل، إذ أن كل المخيمات بنيت على أملاك خاصة.

ثانياً: عملية الأمن داخل المخيم، بما أنه كان خارج سلطة الدولة وهو الآن تحت سلطة الدولة التي تعاطت بشكل حضاري مع المجتمع الفلسطيني وعملت على إدخال ما يسمى بالأمن المجتمعي أو الشرطة المجتمعية وهذه آلية أمنية اعتمدت في دول عدة، حيث هناك خصائص معينة لجماعة.

كيف؟

عملياً تدرَّب الشرطة على أساليب الحوار، وعلى التعاطي مع المجتمع بشكل حضاري، فيتمّ ادخال الأهالي في عملية الأمن ، وهذا يدلّ ويؤكد احترام ومراعاة للمجتمع الفلسطيني داخل المخيم، بمعنى آخر أوجدت شرطة مجتمعية.

متعاونون من داخل المخيم مع الشرطة اللبنانية؟

قوى الأمن الداخلي والسلاح لبناني وليس أجنبياً. عادة يتمّ العمل مع الوجهاء من المخيم فيُطلب متعاونون لمرافقة القوى الأمنية في جولة أو زيارة الى بيت في المخيم، هذا علم استعمله الإنكليز في إيرلندا والأميركيون في نيويورك وغيرهما من الدول وهي طريقة تعامل مع مجتمع له خصوصية.

ثالثاً؟

محاولة توضيح عملية كلفة الخدمات التي تقدم للمخيم من ماء وكهرباء ومن يتحملها؟ قبلاً كان الماء من بئر محفورة مالحة وملوثة.. الكهرباء التي يحصلون أحدثت عبئاً مالياً على شركة الكهرباء وزاد العجز، فأردنا أن تكون الأمور مقوننة أكثر وواضحة، وكله ضمن طيّ صفحة الماضي وبناء المخيم بشكل شفاف.

وكما تعلمين، تمّ التنسيق حول البنى التحتية والخدمات وكانت مذكرة التفاهم بين الدولة اللبنانية والأنروا وفيها يتقاسم الطرفان المسؤولية والكلفة، كما المجتمع الدولي، فكدولة تقدم خدمة للمجتمع وللاجئ والمجتمع الدولي يتضامن معها لأنها قبلت بتواجده على أرضه. إضافة الى ما تقدّم، كان لا بد من شمول المناطق اللبنانية المحاذية للمخيم والمحيطة به بعملية الإنماء. نحن لسنا أمام مخيم بحدّ ذاته، بل ثلاث دوائر تعاطينا معها ككتلة واحدة، عانت من الحرب وخسرت مع أنه كل ما ابتعدت عن المخيم خفّت الخسارة. إذن إعادة إعمار المخيم والجوار اللبناني والبلديات المحيطة.

الآثار.. إشكالية وطمر

وموضوع الآثار التي طمرت؟

الآثار خلقت إشكالية وعملية استملاك الدولة كانت ضرورية لحمايتها ومن ثم بدء بإعادة الإعمار..

حميتموها بطمرها.. كيف وهي ثروة وطنية تشكل جاذباً سياحياً هاماً؟

يقولون إنها مدينة أثرية صغيرة قديمة قائمة حسب مديرية الآثار التي وجهتنا.

ألم يكن من الواجب نقلها إلى المتحف الوطني لعرضها؟

عملية نقلها وعرضها صعبة، لعل حجمها وكبرها كانا عائقاً. نتحدّث هنا عن مساحة 200 ألف متر مربع.

أو لنقل نقل المخيم ككتلة واحدة للحفاظ على المدينة الأثرية...

الموضوع نوقش في الفترة الماضية لكن العملية صعبة، أقله في إيجاد مكان آخر يمكنه استيعاب أكثر من 20 ألف شخص، وليس تقنياً فقط بل سياسياً أيضاً إضافة الى إصرار المجتمع الفلسطيني ليبقى حيث هو لارتباطه الجغرافي والاقتصادي، خصوصاً وأنه سوق للمنطقة. الدولة أخذت القرار الأخف كلفة سياسية وأمنية.

200 ألف متر من الآثار؟!

لا لكن البقعة الموزعة عليها الآثار هي 200 ألف متر مربع، وبما أن مديرية الآثار توجهنا فإن ما تحت هذه الأرض ثمين تمت حمايته بالطمر.

طمرت لحمايتها للأجيال المقبلة والى حين عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم وحينها تعود مديرية الآثار للدخول فالأرض ملك الدولة.

ألم تواجهوا اعتراضات حول هذه المسألة؟

بلى من النائب ميشال عون الذي قدّم لمجلس شورى الدولة وعولجت المسألة من الناحية القانونية ونظر فيه المجلس.

إلى أي مدى أنتم راضون عن إعادة الاعمار؟

من الناحية الفنية هو تحدّ كبير، خصوصاً بوجود الآثار وضرورة حمايتها، كذلك مسألة المساحات الضيقة، لكن التحدّي الأهم هو في التمويل حيث وصلنا حتى اليوم إلى 35% من المطلوب. نأمل دخول الدول العربية الخليجية في عملية التمويل، مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت والامارات، ما يشجع الدول المانحة الغربية للدخول مجدداً على خط التمويل. في مؤتمر فيينا حزيران يونيو 2008 معظم الدول التي ساهمت كانت غربية والدول العربية أتى تمويلها لاحقاً.

ما هي الفترة التي تتوقعونها للإنتهاء؟

بوجود موضوع الآثار، أعتقد أنه يصعب التقيد بتاريخ محدّد. المخيم قسم إلى 8 أقسام، تمّ بناء القسم الأول منه، والثاني قريباً، ومدارس الأنروا تتجهّز للعام الدراسي الجديد، والدولة جادة في هذا الموضوع.

ختاماً..

هذا أول تحدّ للدولة اللبنانية إن من الناحية السياسية أم الناحية الأمنية أو من الناحية العمرانية مع مجتمع له خصوصيته التاريخية والسياسية، وهذا اول مخيم يعاد إعماره بمساهمة من الدولة اللبنانية وأول تحدّ جدي بعد انتهاء الحرب الأهلية. برأيي الدولة واجهت المسألة بشكل سليم وخلاق، على أمل أن يكون تعاطينا أمثولة لتحسين مستوى المعيشة والخدمات في المخيمات الفلسطينية.

- يقع مخيم نهر البارد قرب الطريق الساحلي على بعد 16 كيلومتراً من مدينة طرابلس أقصى جنوب قضاء عكار شمال لبنان، عند مصب نهر البارد.

- أول مخيم للاجئين الفلسطينيين في المنطقة بعد النكبة.

- هجر سكانه من مجموعة من قرى الجليل شمالي فلسطين (سعسع وصفورية والدامون وسموع والشيخ داود وعمقا).

- حسب إحصاءات للجنة متابعة إعمار المخيم، فبعد مرور 3 سنوات، عاد 18 ألفاً من أهالي المخيم إلى منازلهم التي رمّموها أو سكنوا في المنازل الحديدية (البركسات) التي بنتها لهم وكالة أونروا كمنازل مؤقتة ريثما تنتهي عملية الإعمار.

- مخيم نهر البارد عبارة عن أحياء تحمل أسماء القرى الفلسطينية التي هجر منها الأهالي
حنان فضل الله

» بدء إعادة إعمار محيط نهر البارد
» إجراءات لتسريع إعادة إعمار مخيم نهر البارد
» «إعادة إعمار البارد»: لإلزام العرب بتعهداتهم
» انقاذ مخيم نهر البارد: إعادة إعمار وتحرّكات مقبلة
» غراندي في لبنان للإطلاع على إعادة إعمار مخيم نهر البارد