إلى من تنظر في المرآة؟

إذا وقف رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص أمام المرآة يمكنه أن يرى رجلاً لم يوقّع على إعدام أي إنسان، ولم يسفك الدماء، ولم يشارك بالنهب العام، وحافظ على البلاد بعيداً عن الديون، وأدارها في خلال الحروب المتعددة، كما خلال الانتصارات، والأزمات العامة، وحاول تصحيح الخلل الذي ارتكبه غيره عن سبق الإصرار والترصد.
وإذا نظر الرئيس عمر كرامي إلى المرآة فسيشاهد رجل دولة قاسي الطبع، لكنه تمكن من مواجهة زلزالين عصفا بالبلاد: ارتفاع متعمّد لسعر صرف العملات الأجنبية وانهيار اقتصادي أغرق البلاد (أيضاً عن سبق الإصرار والترصّد)، وتحمّل مسؤوليته كرجل دولة، وهو ما دفعه إلى الاستقالة، وعاد وواجه زلزال القرار الدولي 1559 وما تلاه من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومرة أخرى أيضاً واجه العالم وواجه نفسه واستقال.
وإذا نظر الرئيس نجيب ميقاتي إلى المرآة فسيرى في نفسه رجلاً أتى في ظرف استثنائي، وتحمّل تبعات دولية وإقليمية، وأجرى انتخابات نيابية أتت بغيره إلى السلطة، ورحل عن كرسيّ السلطة التنفيذية ولم يبتعد.
أما إذا نظر يوماً رئيس حكومتنا الحالي سعد الحريري إلى المرآة فلن يشاهد سوى انعكاس صورة باهتة، وفي خلفيتها الرئيس السابق فؤاد السنيورة.
إنها مأساة شاب وصل إلى الحكم ولم يصله شيء من قدرة الإدارة والقيادة.
وعلى نقيض قدرات الإدارة والقيادة، فإن ما يتسرّب من معلومات اليوم يفيد بأن الشاب لم يحصل إلا على أزمات تكاد تطيحه، ولولا اللطف الإلهي من جهة، وإصرار عدد من الدول في المنطقة على المحافظة، بالحدّ الأدنى، على الاستقرار في البلاد لكانت حكومته سقطت في اليوم التالي على اجتماعها الأول.
وإذا نظر رئيس حكومتنا حوله فسيرى مجدل عنجر تخرج من عقالها بعد ما حصل فيها، وسيرى من كان يرى أنهم أتباع له ينتفضون اليوم ويهددون كل مصير البلاد، بما في ذلك إمكان اشتعال فتنة مذهبية سنية شيعية مجدداً، وإذا كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (وبحسب بعض من التقوه أخيراً) يؤكد أنه غير قلق من خطر الفتنة بين المسلمين، فإن ما حصل ويحصل في مناطق محسوبة على رئيس الحكومة ينذر بالأخطر.
وإذا نظر رئيس حكومتنا إلى المرآة فقد يشاهد صورة الشيخ محمد المجذوب الذي اعترف أمام المحققين في التحقيق الابتدائي بما ارتكبه تحت شعار «توعية أبناء السنّة والجماعة إلى المخاطر التي أحاقت بهم» وتذكيرهم بضرورة الحفاظ على العصبية الطائفية التي زرعها فيهم تيار رئيس الحكومة وليس أحداً آخر، وكل ما يقوم به الرئيس هو محاولة طيّ الموضوع بدل توضيحه وإنهائه كما يفترض ويجب.
نغمة «قرار السلم والحرب» تعود أيضاً إلى الواجهة. لم يتمكن رئيس الحكومة من إقناع من يصرف لهم الشيكات للدعم السياسي وغير السياسي بالكف عن التحريض، ولم يتمكن من إقناع هؤلاء بأنه هو نفسه لا يمكنه التحكم في قرار السلم والحرب، وربما هو نفسه يفضل ألا يتحمل مسؤولية كهذه. أضف إلى أن لبنان يكاد يكون بلا وزن في قرارات مشابهة تؤخذ في واشنطن، وتتعامل معها دول كبرى في المنطقة برد فعل.
وإذا نظر رئيس حكومتنا في المرآة فسيجد أيضاً صورة الرئيس السنيورة الذي أباح البلاد طولاً وعرضاً لأجهزة الأمن العربية والغربية، ممارساً قناعة سوّلت له فتح كل الإمكانات أمام السفارة الأميركية وغيرها من السفارات، وبات على رئيس حكومتنا الحالية أن يلفلف قضايا من خلف السنيورة، ويعمد إلى التعامي عن قضايا أخرى. ويغضّ الطرف عن المروحيات الأميركية التي تحطّ في السفارة الأميركية في عوكر، من تلك التي تنقل شخصيات رسمية كوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عام 2006 إلى ما لا يعلم إلا الله.
وأمامه أيضاً سياسات خاطئة في تدبير الأمور والشؤون البسيطة، ومنها مثلاً شؤون الإفتاء، وبعدما انقضى الشهر الذي يفترض أن تُقدم فيه دراسة التدقيق المالي المختص لا يزال الملف قيد المجهول، بينما لا يزال موقع الطائفة التي يمثلها رئيس الحكومة في مهب الريح، وكل ذلك بفضل من يرى شبحه رئيس حكومتنا في المرآة، أي الرئيس السنيورة، وهو لا يكتفي بما ارتكبه السنيورة، ولا بما يمكن أن يستصرخه به رأس الإفتاء من أن غيره قدّم أقل لآل الحريري وسرق وهدر أكثر بما لا يقاس، بل يرتكب رئيس حكومتنا خطيئة التخلي عن مفتي طرابلس، مالك الشعار، حين وقعت الواقعة بينه وبين الرئيس عمر كرامي، فلا يجد الشعار أحداً يستنجد به إلا الوسطية وزعيمها الروحي الرئيس ميقاتي.
أيّ صور أخرى يمكن أن يشاهدها الحريري الشاب في المرآة؟