بطيخ فاسد من مستوطنات البحر الميت يغزو السوق الفلسطينية

الحياة الجديدة / حياة وسوق - نائل موسى : لستُ في قلب البطيخة»... يقول التاجر.
فهل هو على حق؟حياة وسوق» يثبت أن عيني التاجر تجول، على عكس الادعاء، في «المقاثي» وتعرف قلب البطيخة، وترى الفيروس.يكشف هذا التحقيق ان بعض تجار البطيخ يهربونه من مستوطنات البحر الميت، في تجاوز أول للقانون، رغم علمهم انه فاسد، وهذا تجاوز ثان للقانون... والضمير.
ينسج الفلسطينيون حكايات وفوازير عن «مدينة حمراء. أسوارها خضراء. سكانها عبيد. ومفتاحها حديد»... المشكلة أن بعض تجار تلك «المدينة الحمراء» ينحازون للربح السريع على حساب صحة المواطنين وجيوبهم! فالبطيخ سلعة صيفية رائجة، لكن في هذا الموسم، اشتكى مواطنون من تلف متكرر لما يشترونه من بطيخ.
«حياة وسوق» يكشف ان نفرا من «أبناء البلد»، لا يتورعون عن تهريب مخلفات ثمار «مقاثي» مستوطنات البحر الميت وبما فيها الموبوءة.. مستغلين تداخلا بدا واضحا في المسؤوليات الرسمية وضعف إمكانية الرقابة الفعلية الحثيثة، بما يثقل كاهل المواطن البسيط ويستفز مشاعره الوطنية.. ويثري جيوبا غابت ضمائر أصحابها.
ويدور الحديث خصوصا عن شاحنات كبيرة تعود لتجار جملة كانت تصل طوال مساءات أيام الشهر الماضي وخاصة مساءات الخميس الى جوار سوق خضار بلدية البيرة المركزي، حيث كانت توزع حمولات بعشرات الأطنان كل مرة في «مخالات» على باعة مفرق يهرعون إلى ترويجها في محيط مسجد البيرة الكبير عبر نحو 20 نقطة بيع غير ثابتة لهذا الصنف من البطيخ «ذي اللون الاخضر المقلم المائل الى الاصفر»، وخاصة عقب صلاة الجمعة حيث يكتظ المسجد بآلاف المصلين، ما يشكل فرصة مواتية للعرض وسرعة التخلص من البضاعة حين يقلد المشتري الآخر دون تمحيص او تدقيق.

جوف البطيخة كرئتي ذبيحة
وللحصول على ثمار صالحة في ظل ارتفاع نسبة التلف، يطور مستهلكون لأنفسهم أدوات تقليدية قليلة الجدوى، تعتمد غالبا على خبرة تحليل صوت البطيخة الناجم عن الطب عليها براحة اليد او الضغط على الثمرة لاحداث شرخ في اللب الداخلي وسماع الصوت الناجم عنه، إضافة إلى محاولة النفاذ إلى جوف البطيخة لفحصها بالعين عبر إحداث جرح او فتحة، وهي طريقة بيع يسميها التجار «على السكين»... وهي ذات الأدوات التي يستخدمها الباعة لتضليل زبائنهم.
وتقسم المواطنة أم محمد (وهي ربة أسرة من البيرة) أن عائلتها لم تستمتع ببطيخة من نحو 20 اشترتها على مدى شهرين هذا الموسم، وتقول وهي تجادل بائعا شابا يقف خلف كومة بطيخ: أبلغته ان الثمار التي اشتريتها منه وقال انها ممتازة جميعها تالفة .. جوفها شبه خاو ومنظره وملمسه اقرب الى رئتي ذبيحة منه إلى فاكهة... انا لم أر في حياتي مثل هذا البطيخ.
ويذهب «صلاح» وهو سائق عمومي على خط رام الله نابلس ويدعي الفهلوة متى تعلق الأمر بفاكهته المفضلة انه خدع ببطيخ مصاب بمرض يظهر على شكل اللونين الأبيض والأصفر وسط اللب الأحمر. ويقول صلاح غاضبا: سأشتري من متجر إسرائيلي المرة المقبلة ولو من «مول المستوطن ليفي» أفضل من أن يضحكوا علي!

من البحر الميت مرورا بحسبة بيتا
«حياة وسوق» تتبع منذ 10 أيار وعلى مدى أكثر من أسبوعين مصدر ومسار وصول البطيخ مدار الشكوى، وسبب تدني الجودة حيث تؤشر المعطيات والإفادات إلى مقاثي منطقة البحر الميت بها بقايا ثمار عافها أصحابها، وكروم مصابة بمرض فيروسي كانت تنتظر الإتلاف وتحايل ملتقطوها لإدخالها الى السوق الفلسطينية.
ويجزم ماهر الجنيدي، وهو مسؤول الإرشاد في مشتل الجنيدي، ان تجارا عربا يحضرون هذا البطيخ من «مقاث» تتبع مستوطنات إسرائيلية في منطقة البحر الميت، وقال: «هذا أمر يعرفه كثيرون ولا اعتقد انني افشي سرا او افضح مستورا».
وقدر الجنيدي ان الأمر ربما صار أيسر على المهربين بعد قرار وزارة الزراعة السماح باستيراد البطيخ من إسرائيل خلال أيار الجاري، وتابع: «تجار جشعون يجلبون ما يلفظه الإسرائيليون من ثمار ينتقون ما يريدون ويدعون الباقي في الحقل تحت لهيب أشعة شمس حارقة تقود إلى تلف الثمار، حينها يصار إلى تضمينها لتجار فلسطينيين بمبالغ زهيدة لقاء الدونم الواحد».
من جانب آخر، يتذمر المواطنون من أن جزءا كبيرا من البطيخ الذي وصل من منطقة البحر الميت أواسط أيار مصاب بمرض فيروسي يظهر داخله على شكل اضلاع «خيوط بيضاء» تعمل على إتلاف اللب وجعله غير صالح للأكل، وقبل ذلك تمتص السكر من الثمرة وتدعها بدون طعم.
ويرى الجنيدي ان معالجة هذا المرض النباتي تقضي بابادة النبات والثمار في الكرم الذي تكتشف فيه إصابة فيروسية من هذا القبيل، ولكن ما يحدث ان أصحاب المزارع المصابة يمنحونها لتاجر فلسطيني يتولى تنظيف الأرض من النبات والثمار، وبدل التخلص منه بإعدامه، يبيع هؤلاء البطيخ المصاب بأسعار زهيدة.
وتجثم في منطقة الأغوار والبحر الميت 31 مستوطنة إسرائيلية تستحوذ على اكثر من 27 ألف دونم من الأراضي الزراعية هناك، وتستخدمها لاغراض زراعية ملحقة بالمستوطنات.

عمل مربح
ويقر صاحب كشك لبيع البطيخ يسمي نفسه «أبو الليل» بان ما لديه من بطيخ أتى من منطقة البحر الميت عبر تاجر جملة من بلدة بيتا القريبة من نابلس.
وأضاف: «ادفع لقاء مخال بطيخ (صندوق بلاستيكي كبير يبلغ حجمه نحو 6 أمتار مكعبة) مبلغا يتراوح بين 100 و 150 شيقلا إضافة الى 50 شيقلا أخرى عن كل صندوق كبدل أجرة شاحنة».
ويحوي الصندوق في العادة نحو 100 بطيخة، والعدد منوط بحجم الثمار وقد يزيد او ينقص. ويقول ابو الليل: «أبيع الثمرتين متوسطتي الحجم بـ 10 شواقل، والأصغر كل ثلاث ثمرات بـ 10».
وعن مصدر بضاعته، يعود أبو الليل ليؤكد: «ابلغني التاجر انها من مناطق البحر الميت.. انا لا اعرف ان كان إنتاج مستوطنات.. وانا أصرح بما اعرفه.. التاجر قال ثمار هذه المزارع انتهت.. وربما تكون آخر قطفة، وانه في الأسبوع المقبل - نهاية ايار - سيتحول إلى بيسان ومناطق أخرى داخل الخط الأخضر ما يعني رفع السعر والكلفة.. وبالنسبة لي اعتقد أن لدي ثمارا صالحة للاستهلاك الآدمي وذات جودة... انا جاهز للتعليم على السكين قبل البيع».
ويبدو ان بيع البطيخ عموما وهذا الصنف على نحو خاص مهنة مربحة تغوي مئات جددا للتفرغ لها مع كل موسم دون ان يكلفوا النفس عناء السؤال عن مصدر وجودة ما يبيعون.
ويبيع الفتى احمد عزيز «16 عاما» بطيخا أمام مسجد جمال عبد الناصر (البيرة الكبير) مثل نحو 20 من أقرانه للموسم الثالث على التوالي. ويقول: ابيع البطيخة الواحدة بخمسة شواقل وأحقق ربحا يتراوح بين 100 و150 شيقلا في اليوم. ويضيف عزيز، وهو من الخليل أصلا ويسكن رام الله: «انا اشتريت البطيخ من تاجر في السوق وجاهز آخذك عليه».
من جانبه، يقول الشاب سمير محمد «19 عاما» من رام الله انه يبيع البطيخ منذ 11 عاما وانه قادر على تمييز الثمرة الجيدة من التالفة بواسطة الربت على البطيخة. ويبيع محمد البطيخ بنصف سعر زميله (شيقلين ونصف الشيقل)، ويقول انه يحصل ربحا في حدود 100 شيقل عن عمل قد يمتد الى 16 ساعة يوميا.

بلدية البيرة: التجاوزات كثيرة
ويقول مفتش بلدية البيرة جمال سعد الدين: «لاعلاقة لنا ببيع البطيخ خارج حدود سوق الخضار، ونرفض فرض او تقاضي رسوم عنه كي لا نشرعن عملية البيع على قارعة الطريق». وأضاف: «اغلب باعة البطيخ يفترشون الرصيف أمام المسجد ويتقصدون بيع المصلين الذين يحتشدون باعداد كبيرة وخاصة أيام الجمع حيث يكون خداعهم في ظل الأزمة أسهل».
ويقول سعد الدين بمرارة: «نرى في نطاق عملنا تجاوزات على جودة وربما مصدر البضاعة. قبل أيام وصلت شاحنة محملة بالشومر الطازج... كان في حال مريعة أكثر من القمامة وسرت قهقهات ان صاحبها حملها من جوار حاويات داخل إسرائيل تركت هناك لعمال النظافة».

«الزراعة» تضبط بطيخا غير مطابق لشروط الاستيراد من اسرائيل
ويوضح هاني البذرة مستشار وزير الزراعة ان دائرة التسويق سمحت لأربعة تجار فقط باستيراد البطيخ من إسرائيل، وان ثلاثة من هؤلاء من بلدة بيتا والرابع من جنين، بعد أن التزموا خطيا وفق تعهد عدلي بالتزام الجودة وعدم جلب بطيخ من المستوطنات». وأكد البذرة: «ما يصل السوق من بطيخ المستوطنات يدخل عن طريق التهريب».
وبشأن تصاريح استيراد البطيخ من اسرائيل، يقول مدير زراعة رام الله سمير سماره ان التعهد العدلي الذي فرض على التجار المسموح لهم بالاستيراد يلزمهم بأن يكون البطيخ «نخب اول» وان لا يكون من إنتاج المستوطنات.
وأضاف سماره، لدى سؤاله عن البطيخ موضوع التحقيق: «للأسف هذا الصنف يردنا من حسبة بيتا نابلس من تجار مزودين بتصاريح من مديرية زراعة نابلس، ولا حيلة لنا معهم بهذه الصفة».
وبدا ان فتح «حياة وسوق» تحقيقا في ملف البطيخ لقى صدى وتحركا فوريا على الأرض وخاصة في المناطق التي شملها العمل على انجاز الملف.
وقال سمارة: «نفذنا اليوم حملة على حسبة رام الله، وضبطنا بطيخا مخالفا لشروط الاستيراد. اقصد انه لم يكن (نخب أول). وهذا يرد في مخالات صناديق كبيرة بخلاف النخب الأول الذي يستورد بصناديق كرتون يتسع الواحد إلى 3 او 4 ثمرات بحسب حجم الثمرة. وكان مصدر هذا البطيخ هو حسبة بيتا».

تداخل الصلاحيات
وأضاف سماره: «وفق صلاحياتنا ومسؤوليتنا لا نستطيع عمل شيء لتاجر يحمل تصريحا من مديرية نابلس. ويفترض انه حاز عليه بعد تلبية الشروط. يدعي مستوردو هذه الأصناف أنهم يسعون إلى تلبية حاجات الشرائح المجتمعية كافة، وخاصة الضعيفة اقتصاديا التي لا تستطيع شراء بطيخ قد يصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 4 شواقل. فيوفرون أصنافا يتراوح سعر الكيلو غرام الواحد منها بين 1 و2 شيقل. لكن للأسف هذه الفئات الضعيفة اقتصاديا تدفع نقودا لقاء قمامة تتكبد عناء حملها وعناء إرسالها للحاوية».
ووضح سماره: «منحنا رخصا للاستيراد من أسواق بيسان وتل ابيب... تلقينا شكاوى.. فتحركنا مع الضابطة الجمركية والشرطة لضبط أي بضائع تخالف شروط الاستيراد وضبطنا بطيخا مخالفا مصدره حسبة بيتا رغم ان مسؤوليتنا وحدود ولايتنا تنحصر في المراقبة على البضائع في المزرعة وتنتهي عند وصولها سوق الخضار.. لتبدأ مسؤولية جهات أخرى وفق قانون الزراعة الساري».
وعزا سمارة الحال في السوق الى فوضى سابقة قائلا: «نحن نبذل جهودا حثيثة لضبط الأمور ونحقق تقدما ملموسا ولكن نتائج وتداعيات فوضى الاستيراد والتهريب التي عمت طوال 10 أو 12 عاما لا يمكن إنهاؤها بيومين او بضربة عصا سحرية».
واختتم سماره حديثه بشكر (الحياة الجديدة) على طرق هذا الموضوع، وقال: «هذا الموضوع قد يفتح الباب على مصراعيه لمناقشة قضايا أخرى مماثلة مهمة وربما أكثر أهمية».

«زراعة نابلس» تنفي
ويرى مدير زراعة نابلس محمد فطاير ان الحديث عن بطيخ المستوطنات هو محض إشاعات، وقال: «اجزم ان لا بطيخ يأتي من مستوطنات البحر الميت... هذه منطقة مغلقة ولا يستطيع فلسطيني من خارجها الدخول او الخروج دون تصاريح، فكيف لهم (التجار) الذهاب الى هناك؟». وشدد فطاير على ان البطيخ المعني يتم استيراده من إسرائيل.
وبشأن سبل الرقابة والمتابعة، قال فطاير: «الوزارة أرسلت لجنة وقامت بمعاينة البطيخ في الحقول قبل منح التصاريح، ونحن نوقع المستوردين على تعهد عدلي.. ونظمنا جولات على سوق بيتا ولم نضبط بطيخ مستوطنات».
بقي أن نقول ان فطاير وسواه من المسؤولين لم يقدموا طريقة عملية واحدة او مقنعة لمعرفة مصدر حمولة بطيخ أفرغت للتو في الأسواق.. او سبل الزام التاجر بالاستيراد من مزارع تمت معاينتها.. لا سيما واننا سمعنا حديثا من «أهل البيت» عن تجار يتلاعبون بتواريخ وصنف البضاعة في الاذونات.. في ظل هكذا وضع، لم يعد ممكنا للمواطن الاطمئنان حتى لو كان في بطنه او براد منزله.. «بطيخة صيفي».

» كأحد الشركاء الإقليميين للمنتدى :: مجموعة الإتصالات الفلسطينية تشارك في المنتدى الإقتصادي العالمي في منطقة البحر الميت
» غرق سائحة روسية في مياه البحر الميت
» غرق سائحة روسية في مياه البحر الميت
» مقتل 3 اسرائيليين في حادث طرق قرب البحر الميت
» تعرض منطقة شمال البحر الميت لهزة أرضية خفيفة