وحدة الفلسطينيين.. متى؟

ربما تكون حالة «اللاوحدة» التي يمر بها الفلسطينيون اليوم، والتي لا يحسدون عليها، هي من أسوأ ما عرفوه في تاريخهم المعاصر؟ فما الذي أوصلهم إلى ما هم عليه من تفكك وانقسام؟
قد يكون منطقياً، ومن باب عدم جــلد الـذات، الإشارة إلى دور العوامل الموضوعية والخارجـية (غير الفلسطينية) في ذلك التفـكك، فالحــديث عن دور إسرائيل وحلفائها في الانقسام الفلسطيني، لا ينتمي لنظـرية المؤامـرة، بل هـو حقيقة واقـعة أملتـها، وما زالت، مصــالح إسرائيل، وربما بهـذا القدر أو ذاك، مصالح حلفائها ( الولايات المتحدة الأميركية). من الأمثلة على دور إسرائيل الآنف الذكر، مساهمــتها في خلق شروط فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وذلك نتيجة حصارها لحركة حماس بعد فوزها بالانتخابات، وتكريسها لذلك الفصل عبر إفشالها للمفاوضات مع سلطة رام الله، وإحكامها الحصار على قطاع غزة، واستمالة بعض القوى والقيادات ودعمها على حساب أخرى.
إضافة لما سبق، لا يمكن تجــاهل تأثر الحالة الفلسطينية بانقسامات النظام الرسمي العربي واستقطاباته التي عكست نفسها سلبا على الوحدة الفلسطينية. مع ذلك، يبقى العامل الذاتي، هو العامل الأهم والحاسم في الانقسام أو الوحدة، فمن دونه لا يستطيع العامل الخارجي أن يفعل فعله. ما نعنيه بالعامل الذاتي هو الفلسطينيون أنفسهم، وتحديداً القوى السياسية الفلسطينية ودورها في الحالة الكارثية التي وصلت إليها أوضاع الفلسطينيين. فقد أدى الهبوط السياسي (على صعيد البرامج والاستراتيجيات والتكتيكات) للقوى الفلسطينية، الذي عبر عنه تبنيها للبرنامج المرحلي وحل الدولتين وانـتقال مركز ثقل الحركة السياسية الفلسطينية، بفعل اتفاق أوسلو، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى إحداث شرخ بين الفلسطينيين تبعاً لأماكن تواجدهم (الشتات ، أراضي الـ 67، أراضي 48).
أدى صعود حركات الإسلام السياسي، لا سيما حركة حماس، وما طرحته من مفاهيم وأفكار وبرامج حول الصراع مع المشروع الصـهيوني، وتصـويرها له كصراع بين الإسـلام واليـهود، إلى إبراز الدين كهـوية للفلسطيـنيين على حـساب هويتـهم الوطــنية، الأمر الذي انعكس سلباً على وحدة المجتمع الفلسطيني ومشروعه الوطني. ومما زاد الطين بلة، تــداخل أجندة هذه الحـركة مــع أجندة قــوى إقليــمية لا تعـنيها وحدة الفلسطينيين بقدر ما تعنيها مصالحها الخاصة، وهو ما يفسر إصرار حماس، ومن يقف وراءها، لا سيما التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، على إنجاح تجربة الدويلـة الإسلامـية في غزة، حتى لــو كان الـثمن، تكريس انقسام الفلسـطينيين وشرذمة مشروعهم الوطني!
إن عرضنا لحالة الانقسام التي وصلت إليها الساحة الفلسطينية وأسبابها، لا يلغي حقيقة أن ما يجمع الفلسطينيين ويوحدهم هو أكبر بكثير مما يفرقهم. فهم ينتمون لأرض واحدة، وتاريـخ واحد، وقومـية ولغة وثقافة وعادات وتقاليد عربيـة واحـدة. ومما لا شـك فيه أن النكبة الكبرى عام 1948 وما تـلاها من مـحطات فاصلة وهامة، كانطلاق الثورة الفلسطــينية المعاصرة عام 1965، وما خاضته من معارك، وانتفاضة 1987... قـد ساهـم في تعـزيز وحدة الشـعب الفلسـطيني وتعميق الإحساس بهويته الوطنية. ومن حيث لا تدري، وبعكس ما تشتهي، ساهمت إسرائيل، بسياساتها العدوانية والعنصرية، وجرائمها ومجازرها، بحق الفلسطينيين، التي لم تتوقف حتى اليوم، في إبراز تلك الهوية وتمتينها، وزيادة التلاحم والتضامن بين الفلسطينيين.
وكأي شعب في العاـلم، فقد صـار للفلسـطينيين رموزهم التي لعبت دوراً كبيراً في الحفاظ على هويتهم وتجسيـد وحدتهــم الوطنية وحــمايتها، ومـن تلك الرموز نذكر، منظمة التحرير، المجلس الوطني، مخيمات اللجوء، القدس، المسجد الأقصى، كنيسة المهد، شهداء المقاومة الفلسطينية وأسراها من جميع الفصائل، ومن مختلف المدن والقرى الفلسطينية، العلم الوطني الفلسطيني الرباعي الألوان، النشيد الوطني، الأغاني الوطنية والتراثية، إضافة إلى القيادات الوطنية التاريخية التي حظيت بنوع من الإجماع الشعبي الفلسطيني، والمبدعين الذين جسدوا بأعمالهم وحدة الشعب الفلسطيني وأرضه وتاريخه. في هذا السياق تجدر الإشـارة إلى تراجــع الدور التوحــيدي لبعـض تلك الرموز (منظـمة التحرير، المجـلس الوطــني) إلا أن ذلك لا يعني فقدان الأمل بإمكان استعـادة دورها من جديد.
بناء على ما سبق، فإن العمل من أجل استعادة وحدة الشعب الفلسطـيني وحركته الوطـنية، هي مــهمة، قابلة للتحقيق، ولا تحتمل التأجيل، تماماً، كمهمة إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يجب أن ينطلق من وحدة الأرض (فلسطين الـتاريخية) والشعب (في أماكن تواجده كافة)، ومن فهم جوهـر وطبـيعة الصراع مع المشروع الصهيوني. ولا مناص من تكرار القول، ان هذا المشروع هو هو مشروع الدولة الواحدة الديموقراطية.