قتلت 'غزالة' فمات الحوار حزناً.. التاريخ : 25/5/2010 الوقت : 09:27

قتلت 'غزالة' فمات الحوار حزناً.. التاريخ : 25/5/2010 الوقت : 09:27
--------------------------------------------------------------------------------


عين الحلوة(الأغوار)25 -5-2010 وفا-جميل ضبابات

يقود شاب بدوي ناقة وحيدة في منطقة منخفضة بين تلين في منطقة عين الحلوة شمال الغور، ويسري حزنٌ وسط المضارب بعد أن لفظ حوارٌ صغير أنفاسه الأخيرة حزنا على أمه الناقة التي قتلت قبل أيام برصاص الجيش الاسرائيلي.

وكان ثلاثة من الجنود قتلوا الناقة التي يدعوها مالكوها 'غزالة' إشارة إلى جَمالِها، رميا بالرصاص، حيث ترك الجنود وهم من وحدة المتدينين المتزمتين 'الحريديم' الذين يعسكرون في معسكر 'الناحل' القريب من المضارب وحدتهم العسكرية ليتجولوا في منطقة الحمامات حيث تنتشر مضارب الرعاة وتسكن ضمنها سبع عائلات من الكعابنة التي اعتادت رعي الإبل منذ عشرات السنين.

لم تنته قصة الناقة غزالة بمقتلها، فحوارها مات بعد يومين حزنا كما يروي أبناء العائلة التي تمتهن رعي الماشية. ويشكل رعي المواشي في مضارب الغور عماد الاقتصاد الذي يحاصره الجيش الإسرائيلي بالمعسكرات ومناطق التدريب.

وقال عارف دراغمة وهو مسؤول محلي عن المضارب، إن حادثة قتل الناقة' تركت حزنا شديدا في أوساط البدو. ربما لو قتل قطيع مواشي لن يحزنوا هكذا'.

والجيش ذاته الذي قتل الناقة، قال انه سيعاقب الجنود الذي تسببوا في الحادثة، لكن مالكيها قالوا إن الأمر انتهى، وانه لا ضمان لمعاقبة أي جندي.

الحياة هنا تجري ببساطة وليس هناك ثمة ما يعقدها.

وينشط رعاة وقت المساء وبعضهم يحث الخطى قاطعا قناة صغيرة تجري فيها المياه قرب المضارب. وهنا بالتحديد رابط الحوار ليومين متتالين يرغي حزينا.



ويقف رجل على تلة يلفها الغبار يستمع لمذياع، يراقب أطفالا يتمرغون بالتراب على مقرب من المضارب التي قتلت غزالة في ساحة احدى منازلها.

ويقول الرجل إن غزالة كانت أفضل ناقة تدر الحليب.

ظل الحوار الذي كان سينقل إلى قطيع ابل قرب أريحا ليرضع الحليب من ناقة أخرى يجوح ليومين متتالين، وقال السكان، إن رغاءه 'قطع قلوبهم' حتى مات، وبين المنازل المتداعية ينتشر شبان يتحدثون بحزن عن الناقة والحوار، وفي الأفق يمكن رؤية ناقة واحدة وراءها يسير قاعود صغير.

البدو يقدسون الإبل، وعائلة الكعابنة التي فقدت ناقة وابنها لا ترى أي معنى في حياة البداوة دون تربية الإبل، لذلك لازال يذكر محمد رحيل الكعابنة أول ناقة اشتراها منذ 50 عاما، وبدأ منذ ذلك تكوين قطيعه عندما كان يسكن في مسافر يطا جنوب الضفة الغربية.

والكعابنة (70)، الذي يعمل على رأس عائلة مكونة من عدة شبان يعملون برعي المواشي، وهي المهنة التقليدية التي يقوم عليها اقتصادهم، لا يشرب إلا حليب الإبل رغم انه وأبناؤه يملكون قطعان جرارة من الضأن.

وقال محمود وهو احد أبناء محمد، فيما كان يشد طرف حبل مربوط إلى وتد لتثبيت الخيمة التي يجلسون داخلها' كانت ناقة غالية. كانت أفضل النوق حليبا'.

عندما حل المساء، وعادت المواشي إلى الحظائر، دبت الحياة في المضارب، وتحرك الأطفال والنساء في اتجاهات مختلفة. انه وقت حلب المواشي وصنع الجبن بعد اعتدال درجة الحرارة.

وقال رجال بدو من العائلة' لا طعم للحياة بدون ابل'.

لكن هنا في المضارب ومضارب أخرى ليس الكل يملك الإبل. وفقط الأب محمد وابنه رحيل يملكون قطيعا من الإبل، يرعى في مثل هذا الوقت من العام في منطقة العوجا، قرب أريحا، حيث تكثر هناك الشجيرات الشوكية، فيما تركت ناقتان غزالة التي قتلت وأخرى للاستفادة من حليبهما.



عائلة الكعابنة تمارس طقوسها الخاصة في الحياة، فهي ترى في رعي المواشي مهنة الآباء والاجداد.

وتكتفي لدى سؤالها ماذا عن أفضل المواشي بالقول: الإبل. والكل هنا يتحدث عن الحوار الذي مات، وداخل خيمة مفتوحة من كل جوانبها للريح يجلس جيران للعائلة يروون كيف قتل الجنود الناقة دون سبب.

ويقول رجال العائلة إن الإبل أكثر الحيوانات إحساسا.

وقال محمود الذي طوى على رأسه خرقة بيضاء توطئة للعمل 'الجمال علمت النساء البكاء'! في إشارة منه إلى عاطفتها القوية. ظل القاعود يبكي أمه حتى مات. لم يكن بالإمكان عمل شيء له. انه الحزن القاتل'.

ويبلغ القاعود الذي مات من العمر أربعة شهور، كان من المفترض أن يرضع من أمه الناقة سنة متواصلة.

يردد رجال آخرون المعنى ذاته ويعتقدون أن الإبل' كتلة من الإحساس'.

ويروي الأب بفخر قصص كثيرة عن الإبل. وتضرب ريح قوية أطراف المنازل وفي الأفق تتكور زوابع كثيرة تقوى وتخبو، ويسمع صياح رجال ينادون على أبنائهم كي يردون مقدم قطعان المواشي.

وتواجه الإبل مصاعب في الرعي اكبر من التي تواجهها قطعان المواشي، كونها تحتاج إلى مساحات رعي واسعة ومفتوحة.

وقال محمود فيما مد يده على استقامتها نحو مراعي احرقها جيش الاحتلال مؤخرا' الجيش يغلق كل المنطقة، ويطاردنا. لا يمكن للإبل أن ترعى بحرية. إنهم يقتلونها حتى هنا'، وهو بذلك يشير إلى حادثة قتل الناقة قبل أيام، التي كانت سبقتها على مدار السنوات الماضية حوادث قتل مشابهة، علاوة على مصادر قطعان المواشي.

والإبل تلتهم كل شيء أمامها. لكنها تفضل الشجيرات الشوكية التي تزهر صيفا والنباتات المالحة التي تنمو على أطراف جداول الماء في المنطقة التي تنبع فيها مياه مالحة.

الناقة ذاتها التي قتلت كانت ترعى شجيرة شوكية عندما قتلت كما قال السكان، وفي هذا المساء الناقة المتبقية كانت تساق من قبل محمود لترعى الأعشاب المالحة التي نمت على طرف عين ماء قريبة من المضارب.

في المحيط يمكن رؤية رعاة يقودون مساء قطعانهم إلى الحظائر، وعند سؤال أي منهم عما جرى للناقة غزالة يروون القصة ذاتها، ويتحدثون عن الصدمة التي تسرى في أوساط أبناء الكعابنة.

والبدو الذين يحلمون بحظائر مفتوحة لا تقتل فيها مواشيهم على قناعة بأن أحلامهما لن تتحقق على المدى القريب وربما لن تتحقق أبدا. وإذا تحققت فإنها ستكون كسقوط الثلوج في هجير الصحراء.