حقوق الفلسطينيين.. ودروس الماضي!

واصف عواضة

أحسن رئيس الحكومة سعد الحريري في توصيف مستقبل المخيمات الفلسطينية في لبنان، عندما قال في جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي «ان عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية هو استثمار في أكبر مشروع إرهابي في المستقبل». وأضاف: «في لبنان ثمة من يخرج في رحلات بحرية لفك الحصار عن الفلسطينيين في غزة، لكن قد يأتي يوم نرى فيه العالم يتوجه إلى لبنان لفك الحصار عن الفلسطينيين المقيمين فيه».
إنه أول اعتراف رسمي لبناني بهذا الحجم، لكنه ليس التحذير الاول من خطورة هذه المشكلة التي تتصاعد يوما بعد يوم من دون أن تجد لها منفذا الى الحل، على الرغم من التجارب السابقة والمضنية التي كلفت لبنان الكثير من العناء والدم والدمار، وكان آخرها في مخيم البارد. وربما هذا ما دفع وليد جنبلاط الى وصف اليمين اللبناني بالغباء، مستدركا الانفجار الآتي لا محالة من هذه المخيمات، نتيجة الواقع الاجتماعي الخطير فيها.
والواقع ان بعض اللبنانيين لم يدرك بعد خطورة هذه المشكلة المتفاقمة، وينظر اليها فقط من زاوية أمنية أو شوفينية، بمعزل عن الواقع الاجتماعي والانساني، فالمخيمات الفلسطينية في لبنان محاصرة. صحيح أن حرية التنقل للفلسطينيين متوافرة بين المخيمات ومعظم الاراضي اللبنانية، لكن القيود المفروضة على أهلها منذ زمن طويل تجافي حقوق الانسان، لجهة قوانين العمل والتملك والدراسة وغيرها، فضلا عن المساحات التي تضيق بأهلها في ظل التزايد الديموغرافي الطبيعي.
إلا أن ما شهدته جلسة مجلس النواب الأخيرة يستدعي التوقف عنده بكثير من التروي والهدوء والبعد عن التوتر الاستثمار السياسي، على الرغم من أن هذه القضية تستأهل اكثر من الانفعال والتوتر، وذلك لأكثر من سبب:
اولا، لأن الانقسام الطائفي اللبناني حول حقوق الفلسطينيين خطير جدا، ومن شأنه أن يفتح جراح الحرب الأهلية اللبنانية على مصراعيها، في وقت خُيّل للبنانيين أن الصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين مضى الى غير رجعة. ولعل من مسؤولية المسلمين اولا ان يعالجوا هذا الأمر بالتروي، انطلاقا من تفهمهم هواجس المسيحيين الذين حولتهم الهجرات المتتالية الى أقلية.
ثانيا، لأن هذا الخلاف يُضيّع حقوق الفلسطينيين. فهؤلاء في النتيجة يريدون أن يأكلوا العنب، لا أن يقتلوا الناطور، وعليهم بالتالي أن يتعاطوا مع هذه القضية ايضا بالتروي والهدوء، حتى لا تشتعل النيران أكثر بين جناحي لبنان فيدفعون الثمن بالدرجة الأولى.
من هنا أحسن الرئيس نبيه بري في إحالة القضية الى لجنة الادارة والعدل وتحديد فترة شهر لإعادة طرحها على الهيئة العامة للمجلس. وما دام المسلمون قد أجمعوا على أحقية هذه القضية، فالأولى بالفاعليات الفلسطينية أن تستغل هذه المساحة الزمنية للقيام بتحرك هادئ باتجاه الافرقاء المسيحيين للاستماع الى هواجسهم ومخاوفهم ومحاولة تطمينهم الى أن الفلسطينيين لا يستبدلون لبنان بسحره وجماله وفرادته «الغنية عن الوصف» بشبر واحد من أرض فلسطين، وانهم سيكونون ضيوفا كراما في أرض كريمة الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا.
صحيح ان اليمين اللبناني غبي كما يقول جنبلاط، ولكن الغبي ايضا من لا يتعلم من دروس الماضي، ومن لا يقر بأن خلاف اللبنانيين على هذه القضية يوفر «المناخ الطيب» لضياع الحقوق الفلسطينية، بعدما باتت «اللقمة» على مقربة من أفواههم.
واصف عواضة

» الصراع الفلسطيني حقّق حلماً إسرائيلياً حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالارتكاز على حقوق الإنسان
» قراءة هادئة لمسيرة حقوق الفلسطينيين
» «من أجل إقرار حقوق الفلسطينيين»
» حقوق الفلسطينيين في لبنان
» حقوق اللاجئين الفلسطينيين