كيف يعيش سكان مخيم عين الحلوة؟ مطلوب بسبب هاتف على فاتورة بقلم:ميرنا سخنيني

ما أن تصل إلى مشارف عين الحلوة للمرة الأولى، حتى تظن أنك تدخل إلى منطقة عسكرية؛ تبدأ بنقطة تفتيش للجيش اللبناني للتدقيق بأسماء وهويات الداخلين، فتشعر بأنك تدخل إلى منطقة خارج سيادة الدولة، لكن ما أن تتكرر زياراتك إلى هناك حتى نلمس معاناة شعب لاجئ ذاق كل أنواع الظلم والمرارة والاضطهاد.. هو لاجئ فلسطيني لكن كتب عليه أن يحمل مأساة لاجئي العالم. عين الحلوة اسم على غير مسمى، فلا شيء جميل هناك، بيوت مكدسة كالعلب، وشوارع ضيقة وأسلاك كهرباء، تتخيل وكأنها بيت عنكبوت. يجوب أزقة عين الحلوة مئات المطلوبين والفارين من العدالة، يقبعون في عين الحلوة، منهم لا يعرف الذنب الذي اقترفه، ومنهم من يعرف تهمته، ومنهم من يعرف أنه فلسطيني فقط، ومتى كانت هوية المواطن تهمة؟

عندما تجلس مع المطلوبين وتسمع معاناتهم يذهب بك الخيال إلى فيلم بوليسي لا وجود له على أرض الواقع. مطلوب متهم بحيازة المتفجرات، وآخر بالقتل، وآخر بإسعاف رجل مصاب، من البريء ومن المتهم؟ لا نعرف.. كل ما نعرفه أن حكماً غيابياً صدر وعلى هؤلاء أن يرضخوا للحكم.
أحمد الحاج مواطن فلسطيني في الخمسين من عمره من مواليد عين الحلوة، مطلوب للقضاء اللبناني بعدة تهم صدرت بحقه، حكم غيابي منعه من الخروج من عين الحلوة وأصبح مطلوباً وفاراً من العدالة.. يعيش في مخيم لا يتجاوز مساحته الكم2 منذ العام 2000، وكان لنا معه هذا الحديث للإضاءة على معاناته ومعاناة 4500 مطلوب بحسب ما ذكر لنا مسؤول الكفاح المسلح في لبنان.

أريد أن أعرف ما هو وضعك الاجتماعي، وإلى أي مرحلة من التعليم وصلت؟ وما هي طبيعة عملك؟ وكيف تعيش؟
أنا من مواليد عين الحلوة، وتحصيلي العلمي هو بكالوريا ثانية رياضيات، وبالنسبة إلى عملي فأنا لدي دخل ثابت يأتيني من حركة فتح، وأنا متزوج ولدي خمسة أبناء، وأعتبر نفسي أني أعيش حياة مستورة ولا احتاج إلى أحد، ولا يوجد أحد في المخيم يعيش حياة رغيدة.
كيف تحدث أولادك عن وضعك كونك مطلوباً للعدالة اللبنانية؟
أولادي مطلعون على وضعي كاملاً، عند وقوع الحكم على كل أفراد العائلة لأن حريتهم حجزت لسنوات، حتى أنهم وصلوا إلى عمر الشباب ولا يعرفون منطقة صيدا، لأنهم عند صدور الحكم كان عمر الكبير 9 سنوات.
كيف تبلغت الحكم؟
أنا ضابط في حركة فتح ومسؤول إداري، ومعني بكل الخدمات الاجتماعية في المخيم، فوجئت باتصال من مغفر صيدا لتبليغي بأن هناك مذكرة من المحكمة بحقي، فقمت بالاتصال بمسؤولي المباشر، وقال لي لا تذهب لأنه من الممكن أن يتم اعتقالك، وقمنا بالاتصال بالجهات المعنية من التحري إلى مخابرات الجيش إلى أمن الدولة، كنت أذهب بنفسي إلى المحكمة وأقول لهم إني حاضر، حتى وصلنا بالنهاية إلى عقيد في الجيش اللبناني توجه معي إلى المحكمة ودخلنا المحكمة وقابلنا رئيس المحكمة وقال لي انتظر التبليغ سيأتي إلى بيتك، ولم يأت لا التبليغ الأول ولا الثاني ولا الثالث، وعندما راجعنا المحكمة اضطررت إلى توكيل محام لسحب الملف، والمفاجأة كانت تم إصدار حكم غيابي بحقي سنة 2000 لمدة 7 سنوات بتهمة حيازة مواد متفجرة، و7 سنوات أخرى لقيامي بأعمال إرهابية، وهذا سببه وجود رقم هاتفي على فاتورة أحد المطلوبين في المحكمة.

أين كانت عائلتك من التهم الموجهة إليك؟ وكيف تقبلوا الموضوع؟

مر أسبوع وكما يقال (بنام وأنا مفتح)، الظلم صعب في اعتقادي حتى المطلوب الأساسي بريء فالمطلوب بريء والمتصل به بريء والجاني الفعلي مجهول، وبعد شهر نزلت إلى المحكمة العسكرية لأسلم نفسي، وفي حينها كانت هناك قضية اللحديين، وكان وضعي الصحي لا يسمح لي أن أسلم نفسي (ما في شي فيي سليم).

كيف توضح العشر سنوات التي أمضيتها منذ العام 2000 حتى اليوم ونحن في العام 2009؟
عشر سنوات من المعاناة والظلم وأنا في الأصل بحاجة إلى عملية تمييل في القلب، ولا أستطيع الذهاب إلى المستشفى لإجراء العملية.
ما هي هواياتك وأنت تسكن في المخيم؟
كانت لدي هواية وهي تسبب لي حرق، وهي صيد السمك، ولدي هواية في النحت، حيث أقوم بإعادة ترميم بعض النحاسيات.
دائماً نسمع أن عين الحلوة هي ملاذ آمن لكل فار من العدالة، إلى أي حد ترى هذا الكلام صحيحاً؟
عين الحلوة ليس ملاذاً لكل فار من العدالة، لماذا دوماً نلقي اللوم على عين الحلوة.
منذ 9 سنوات لم تخرج من المخيم، كيف تتخيل الحياة تسيير في الخارج؟
لا يوجد فيها شيء جديد، لم يتغير شيء على سبيل المثال ساحة النجمة هي ساحة النجمة.
كيف تؤثر الأحكام التي تصدر في حقك على مجرى حياتك؟
انقلبت حياتي رأساً على عقب.. الظلم صعب كيفما كان.
هل بكيت من شدة الظلم؟
الرجل الشرقي لا يبكي، لكن كثرة الحصر جعلتني أصاب بذبحة قلبية.
هل طلبت المساعدة من أحد لحل قضيتك؟
أبداً، وأنا لم أتوجه إلى أحد لأني فقدت الثقة بكل الناس.
هل تشعر كونك فلسطيني بأن وطنك يقسو عليك؟
عن أي وطن أتحدث؟ أنا وطني محتل، اللبناني له وطن لكن أنا أين وطني؟
عندما تجلس مع نفسك من يتحمل المسؤولية فيما أنت عليه اليوم؛ أهلك الذين خرجوا من فلسطين قبل أن تولد، أم الحكومات التي تعاملت بقسوة معكم، أم الزمن الذي جعلك لاجئاً؟
فخر لي أن أكون لاجئاً وفلسطينياً، ولا بد أن يأتي اليوم وتعود فلسطين إلى أهلها مهما عقدت مؤتمرات ومؤامرات، أنا ابن الجليل وانتمائي إلى فلسطين ليس للضفة ولا لغزة.

هل تمنيت لو أنك لم تنتم إلى فصيل ما، وكنت إنساناً مدنياً تعيش حياة طبيعية؟
كيف أتمنى هذا الشيء؟ والقضية أين ستذهب؟

هل انتمى أولادك إلى تنظيم أو فصيل معين؟

أولادي هم أبناء فتح

ماذا تطلب من القضاء اللبناني؟
أتمنى منه أن يتأنى في إصدار أحكامه.

هل يمكن أن يتكرر ما حدث معك مع أبنائك؟
نعم، وربما بقضايا أخرى.

الكاتب: ميرنا سخنيني

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» مخيم عين الحلوة.. صورة عن ظلم النظام العربي للفلسطينيين بقلم:ميرنا سخنيني
» الهذيان يضرب أعقل عقلاء لبنان بقلم:ميرنا سخنيني
» لمخيمات الفلسطينية في لبنان.. بين الاعتدال والتطرف بقلم:ميرنا سخنيني
» اللاجئون الفلسطينيون فاقدي الهوية منذ النكبة بقلم:ميرنا سخنيني
» الشباب الفلسطيني في لبنان كفاءاتٌ عاطلة عن العمل بقلم:ميرنا سخنيني