ليس حبا بنجاد انما نكاية بالمتخاذلين من القادة العرب !بقلم:جمال محمد تقي

جمال محمد تقي

تفاجأ ضيفي عندما وجدني اصفق للمشاهد المتلفزة والمنقولة مباشرة عن مسير موكب احمدي نجاد وهو يقطع الطريق الموصلة من مطار بيروت الى حيث قصر بعبدا ، وتحديدا عندما توقف موكبه ، وبأمر منه عند تقاطع مخيم برج البراجنة ، كاشارة ذكية الى ان جوهر مشاكل لبنان والمنطقة كلها يكمن بقيام دولة اسرائيل ووجودها ككيان غاصب .
قلت لضيفي عصفورمتمرد واحد يغرد بفارسيته ، مؤشرا على مكامن جروحنا ، ويذكرنا باسباب مآسينا ويستثمر لنفسه في معالجتها ، خير من عصافير كثيرة مستسلمة لمنطق صياد الغابة وهي تردد له بعربيتها اناشيد الطاعة والولاء ، انها عصافيربائسة لا تحسن سوى لعبة الاختباء وراء اغصان الشجر، او السير طواعية الى اقفاص التدجين التي اعادها الصياد نفسه !
راح ضيفي مثلي يتابع البث المباشر وهو يتأمل المشهد بعيون لا تخلو من الاعجاب والتعجب والامل .
من الضاحية حتى حديقة ايران في بنت جبيل وبوابة فاطمة باتجاه الحدود مع فلسطين ، تزدان الطرقات باعلام التحدي وصور المقاومة التي تبشر بالجاهزية والتوئمة بين العمقين العربي والاسلامي ، بين مساري الانعتاق الفلسطيني اللبناني من قوة الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة وعربدته التي لا حدود لها ، وبين مسار ايران كقوة اقليمية لها اجندتها التي لا تتوائم مع الاجندة الاسرائيلية، وتحديدا في مجال احتكار قوة الردع النووي والاسلحة غير التقليدية في المنطقة والتي تعطي مالكها حقوقا مكتسبة تجعله محصن من الاستحقاقات التي لا يرغب بها .
تجيء زيارة نجاد للبنان وما تخللها من مواقف واشارات في وقت اقل ما يوصف بانه حرج وشديد التعقيد و لكل اطراف الصراعات القائمة قاطبة ، محليا واقليميا ودوليا ، فالمنطقة كلها تموج وكأنها تعيش حالة الصمت الناطق ، الذي يسبق العاصفة ذات السونامي الهادر من مشارف باكستان الى الصومال وحتى موريتانيا مرورا بافغانستان وايران والعراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان ، واذا اتخذنا من التوتر الداخلي اللبناني مجسا ، فانه يكاد يكون نموذجيا ، لما يثيره التجاذب الاقليمي والدولي وبادوات متعددة ، من عوامل التدخل والتداخل في شؤون الاخرين ، كسياسات المحاوروالاستقطابات الاستعدائية التي يحيكها لاعبون كبار وصغار وفي مقدمتهم امريكا واسرائيل مع من يتبعهم من قوى الاعتدال العربي ، لاحتواء هذا الطرف او ذاك ، او لتجريد هذه القوة او تلك من اسلحتها ، كما هو الحال مع حزب الله وسلاحه الذي بقي امينا حتى اللحظة على ان يكون رادعا متقدما في خندق المقاومة العربية والاسلامية لعدوانية المشروع الامريكوصهيوني في المنطقة ، لقد جرى استثمار عملية اغتيال الحريري بنفس قدر دقة تدبيرها ، فمن اتهام سوريا واخراجها من لبنان الى اتهام حزب الله ومحاولة مساومته على سلاحه الذي تعتبره اسرائيل اخطر تحدي لهيمنتها وهو بالنسبة لها قرين مشرع الابواب للتحدي القادم من غزة ، الى محاولات دق الاسافين بين اللبنانيين انفسهم ، وكل هذا من اجل الحاق لبنان بقطار المستسلمين من العرب !
امريكا تريد عزل ايران واجبارها على التخلي عن مواصلة برنامجها النووي ، وهي تسعى لفرض عقوبات اقتصادية اضافية وشاملة على ايران من خلال مجلس الامن ، وذلك لان ايران قد برهنت على امكانية التعايش مع كل العقوبات المفروضة عليها حتى الان ، ومن ناحية اخرى فان اسرائيل تعد العدة وبدعم عسكري ولوجستي امريكي ، من خلال تنفيذ مشروع "القبة الحديدية" وهو عبارة عن دروع صاروخية مضادة تعمل على تعطل مفعول مختلف انواع الصواريخ الايرانية او اللبنانية او الفلسطينية الموجهة بالضد من اسرائيل في حالة مهاجمة الاخيرة للمواقع النووية الايرانية ، او محاولتها لاعادة احتلال جنوب لبنان وغزة .
ايران بدورها وبطول بال صانع السجاد تعمل على تحصين نفسها وعلى جعل الخصوم في حيرة من امرهم بحكم حرصها على تعددية البدائل وتوسيع نطاق رمايتها حتى يبلغ الاذى عقر دار اعدائها .
البيت الابيض اعتبر زيارة نجاد استفزازا يؤكد تبعية حزب الله لايران ، وباراك يعلن ان لبنان منقوص السيادة ، وان الهدوء الحالي في المنطقة قد يتبدل في اي لحظة ، وكأن البيت الابيض واسرائيل حريصان فعلا على السيادة اللبنانية او انهما لا يتدخلا في الشأن اللبناني ، وكانهما نسيا ان المقاومة اللبنانية المسلحة هي التي اخرجت قوات المارنيز الامريكية من لبنان ، وهي التي طردت القوات الاسرائيلية المحتلة من جنوبه المقاوم .
الفشل الذريع الذي منيت به محاولات ايهام شعوب المنطقة والعالم ، بان اسرائيل جادة للتوافق على حل عادل لمشكلة الشعب الفلسطيني معها، وذلك لفشل مفاوضات الحد الادنى من التوافق على مقومات الحل النهائي ، اضافة الى تواصل الاجرام الاسرائيلي بحق غزة واهلها ، ومحاولات اسرائيل لكتم الاصوات الدولية الداعية لكسر الحصار الظالم عليها ، وتواصل سياسة الاستيطان الاسرائيلي ، وعمليات تهويد القدس ، بحيث لم تستبقي اسرائيل للفلسطينيين سوى 20 بالمئة من الارض الكلية التي تخضع للتفاوض ، ثم اصرارها على ان تكون دولتها يهودية خالصة ، اي انها تعد العدة لتهجير كل فلسطينيي اراضي 48 ، هذه الحقائق وغيرها تناقض بل وتسقط الدعوات الكاذبة للسلام المزعوم والحل الموعود بالبركة الامريكية ، انها تسقط اوراق التوت عن السلطة الفلسطينية وكل الانظمة العربية التي سلمت امرها لامريكا واسرائيل .
هذه تركيا ذات العلاقات الاستراتيجية باسرائيل ، تنبهت الى حقيقة ان تطلعات شعوب المنطقة قاطبة بوادي ومصالح الانظمة السائرة بالركاب الاسرائيلي الامريكي بواد اخر ، وهذا ما دفعها الى الدعوة للضغط على اسرائيل وبكل الوسائل من اجل احلال شيئا من التوازن محل الانفلات الحاصل والذي سيؤدي حتما الى انفجار شامل والى نمو اشكال مضادة من التطرف ، بل انه سيؤدي الى التفاف شعوب المنطقة حول اية قوة اقليمية او دولية تناصب الغطرسة والهيمنة الاسرائيلية الامريكية العداء ، الموقف التركي لاقى ترحيبا والتفافا شعبيا عارما في المنطقة كلها ، وهذا عينه مايفسر التفاف قوى المقاومة في لبنان وفلسطين حول النهج الايراني وقيادته التي تمد يد العون المادي والعسكري والسياسي لها ، فلا عجب عندما يستقبل نجاد استقبال الابطال في لبنان وجنوبه المقاوم ، بل لا عجب عندما تتوجه حكومات سوريا ولبنان بالشكر الجزيل لايران على وقفاتها معهم والتي هي ليست وقفات للخطابة وانما للدعم المادي والعسكري والسياسي ، ايران تتعهد بتسليح الجيش اللبناني اذا رفعت امريكا يدها عنه ، وهي قد وقعت اتفاقيات لمنح لبنان قروض طويلة الامد لتجديد طاقته وتعميره ، فماذا فعلت امريكا واسرائيل للبنان غير التهديم والتعطيل وفرض الاملاءات ، اضافة الى زرع شبكات التجسس في كل شبر من ارضه بغرض التخريب والاغتيال واثارة الفتن واخضاع البلاد .
ساصفق مع اللبنانيين لنجاد وهو بينهم نكاية بامريكا واسرائيل ومن يتبعهما من العرب !