ما زلنا أحجاراً على رقعة الشطرنج بقلم أكرم أبو عمرو

ما زلنا أحجاراً على رقعة الشطرنج بقلم أكرم أبو عمرو

أكرم أبو عمرو / يذهب الكثيرون إلى التفاؤل المفرط جراء السياسة التي تنتهجها بعض القوى في منطقتنا خصوصا فيما يتعلق بقضيتنا، وكأن لسان حالنا يقول ما أشبة اليوم بالبارحة، عندما كنا نستمع إلى الخطب الرنانة والتصريحات النارية المهددة بدحر الاحتلال وتدمير دولة الظلم والطغيان مع التغني بالجيوش الجرارة والمظفرة ، ربما كانت الرغبة حقيقية والنوايا صادقة ، إلا أننا واجهنا خيبة آمال وهنا لا أريد أن أقول الهزيمة ، واجهناها لأننا كنا نفتقد للإرادة ، والرؤية السليمة ، والتخطيط السليم الذي يستهدف الإنسان أولا فعندما يهمل الإنسان يسقط كل شيء ويهون ، نعم لقد أهمل نظامنا العربي الرسمي الإنسان ليجعل منه أداة مطيعة تحت سيف الفقر والفاقة، والملاحقة الأمنية، وبوابات الحدود والمطارات المحكمة الإغلاق في مخالفة صريحة إلى تعاليم الدين الذي وضع على رأس الدساتير، هذا الدين الذي وجهه الله سبحانه وتعالى إلى الإنسان ليكون إنسانا قويما يستخلف الله في الأرض مستخدما خيراتها ومواردها للنماء والتقدم وإقامة العدل ، هذا ما كنا عليه في الماضي ، اليوم يتكرر المشهد ليخرج علينا الكثير من الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين بالتهليل والتكبير بملء الحناجر والأقلام لموقف ما يصدر من جهة ما هنا وهناك سرعان ما يتلاشى ويذوب في خضم العلاقات التي تحركها المصالح الحزبية أو الفئوية أو حتى القومية ،
إن ما يواجهه عامنا العربي اليوم هو بداية انقضاض فعلي وعلني على أرضه وموارده، وكأن الإنسان العربي لا يستحق التمتع بموارده وثرواته لأنها من حق الغير بعد أن أصبح العالم العربي كالثور السمين الذي لا يستطيع حمل نفسه فأصبح متعبا منهكا ليسقط على الأرض لا يستطيع الحراك ولتأتي الوحوش الضارية للانقضاض عليه .
هذا ما نشهده الآن من تفكك وانقسام ،وتشرذم وضياع في الوقت الذي تسعى فيه الكثير من دول العالم إلى التوحد بإنشاء مجموعات أو اتحادات لتخرج بها من أزماتها ومشاكلها نجد عالمنا العربي عاجزا عن اتخاذ قرار واحد يشعر فيه المواطن العربي بأنه إنسان يستحق الحياة على هذه الأرض، وكأنه لا يملك قرار نفسه ، بل يسير بإرادة الآخرين .
لقد بدأ عهد الاستعمار والتسلط يطل برأسه من جديد بعد أن توارى قليلا خلف ما يسمى بالعلاقات الاقتصادية، والمساهمة في خطط التنمية والتزويد بالخبرات ورؤوس الأموال، وتوريد الشحنات العسكرية الضخمة، لقد بدأ هذا الاستعمار في إبراز أنيابه تارة بالتهديد والوعيد بشن حروب تحرق الأخضر واليابس ، وتارة أخرى بالحصار والعقوبات ، وأخيرا وليس آخرا بالتقسيم والتجزئة ، انه في الحقيقة صراع حضاري بين الشرق والغرب، وعليه لم تكن زلة لسان عندما صرح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنه سيخوض حربا صليبية تحت عباءة ما يسمى بالحرب على الإرهاب ،نرى الآن نتائجها وكلنا يعرف نتائج هذه الحرب في أفغانستان والعراق اللتان تعرضتا للاحتلال الأمريكي بحجة نشر الديمقراطية وبالتالي التقدم والتطور لمجتمعات تلك الدول ، والنتيجة حروب وفتن، قتل وتشريد ،وخراب ودمار تفتك بهذين البلدين .
وفي خضم هذه الهجمة الغربية الشرسة على منطقتنا تبرز قوى قديمة جديدة تحن إلى ماضيها ، أنها إيران التي ترغب في إحياء عظمة فارس، وتركيا التي تريد أحياء أمجاد بني عثمان ، كلتا الدولتان بدأـتا تمدان أبصارهما إلى منطقتنا للسيطرة والاستحواذ ، تنافس خفي وعلني ، انه ليس صراعا على الإيديولوجيات بل انه صراع قوميات القومية الفارسية والقومية التركية وكل منهما يصطدم بقومية جارة هي القومية العربية التي هي الهدف بالنسبة للفارسية والتركية ، لقد تصدت القومية العربية ممثلة في العراق الذي استطاع بناء نفسه لدرجة سمحت له بالوقوف بقوة في وجه الأطماع القادمة إليه من الشرق والشمال وليشكل بوابة منيعة ومستعصية أمامها ، فما كان إلا أن زج به في حروب طويلة مريرة وحصار بغيض لإنهاك قواه واستنزاف موارده وكان لهم ما أرادوا، سقط العراق في بحر من الفتن والاضطرابات وغلبت عليه الآن الصراعات الطائفية والفوضى ، انعكست أحواله على مجمل المنطقة العربية وباتت البوابة المستعصية مفتوحة للتغلغل الفارسي وفتحت شهية الأتراك ، في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى خططها في مناطق أخرى في العالم العربي وبعد أن اطمأنت إلى العراق تتوجه إلى اليمن الذي طحنته مؤخرا حربا داخلية دامت أشهرا طويلة و السودان الذي يقف على أبواب الانقسام والتجزئة وقبل ذلك كانت الصومال ، إذن هو صراع دولي وإقليمي على منطقتنا صراع ظاهره بين دول وقوى ماثلة للعيان، وباطنه أصابع أو أيدي خفية لا ندري ما هي، مع الجزم بان الأيادي الصهيونية ليست بعيدة عنها تمسك كل الخيوط بأيديها، وأصبحنا فيها كقطع الشطرنج يتم تحريكها يمينا ويسار أمام وخلف تحركها كيفما تشاء حسبما تقضيه مصالحها وخططها وبرامجها .
إن الحديث عن الصراع في منطقتنا حديث طويل لا ينتهي، ولكن الذي نريد الإشارة إليه هنا إن هذه القوى الإقليمية الجديدة عرفت كيف تغدغ العواطف وتلهب المشاعر الكامنة في النفوس عند المواطن العربي ، لتجد سبيلها للتغلغل والعودة للسيادة على هذه المنطقة مستغلة من الدين وسيلة تارة وللشعارات الوطنية تارة أخرى ، والحقيقة غير ذلك ولعل ما شهدنا مؤخرا من الكشف عن حجم كبير من الوثائق السرية عبر موقع ويكيليكس، يبرز مدى التوافق والتواطؤ بين هذه القوى للسيطرة وإكمال النفوذ على الأمة العربية ومواردها ، إن هذه القوى لن تكون يوما معنا وما تقدمه اليوم باليمين ستأخذه غدا باليسار ، وأمامنا شواهد كثيرة لصحة ما نقول، فماذا فعلت تركيا بعد أسطول الحرية فالعلاقات الإسرائيلية التركية مستمرة ، والاتفاقيات العسكرية والأمنية ما زالت سارية المفعول بينهما ، وقوافل كسر الحصار لم تعد تتوجه إلى غزة بل تذهب إلى موانئ بعيده عن غزة وأصبحت روتينا لا يغير من الحال شئ، وماذا فعلت إيران لا نسمع منها إلا تصريحات وخطب رنانة وأنباء عن ترسانة ضخمة من الأسلحة لا ندري أين كانت إبان الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، ترى لمن ؟ هل لتخريب بلد عربي آخر؟