بيان إعلامي صادر عن اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم النصيرات في ذكرى مذابح الدوايمة، وقبية، وكفر قاسم

يأتي شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام الثاني والستين للنكبة، والقضية الفلسطينية تمر بأقسى مراحلها، من تواصل الاستيطان الإسرائيلي، وانتهاك المقدسات الدينية، إلى الانقسام الفلسطيني، وصولا إلى دخول المشروع الوطني في نفق مظلم. ومازالت إسرائيل تواصل عدوانها على شعبنا، ومازل المجتمع الدولي ينظر للشعب الفلسطيني بأعين صهيونية، دون أن يتحرك لينفذ قراراته التي دبجها بالخطب والعبارات المنمقة ضد إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الأرض والشعب.

عود على بدء، قد لا نكون مبالغين، إذا قلنا بان كل شهر في التاريخ الفلسطيني، شهد مذبحة صهيونية ضد أبناء شعبنا، منذ عام 1948 وحتى عام 2010. حيث عملت إسرائيل منذ نشأتها على إتباع سياسة تفريغ الأرض الفلسطينية من أصحابها الشرعيين، مستخدمة كل الوسائل الإرهابية من قتل وتدمير ومذابح لكي تنفذ مخططاتها وتخلو الأرض للمستوطنين الجدد.

ارتكبت المنظمات الصهيونية المسلحة، التي أصبحت تمثل جيش إسرائيل بعد قيامها، أكثر من خمسين مذبحة قبل وأثناء حرب عام 1948، وبعد قيامها ارتكبت مئات المذابح على امتداد الأراضي المحتلة، بل توسعت لترتكب مذابح ضد الفلسطينيين في بلدان عربية.

مذبحة الدوايمة:

ومن المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في عام 1948، مذبحة قرية الدوايمة قضاء الخليل. حيث هاجمتها (كتيبة الكوماندوس 89) التابعة للواء الثامن الصهيوني، بقيادة موشيه ديان، والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن، والأرغون) في يوم 29/10/1948، بعد صلاة الجمعة والناس غافلون بعد أداء صلاة ومنهمكون في أسواقهم وأشغالهم وحقولهم. دخلت عشرون عربة مصفحة القرية من جهة قرية القبيبة، فيما هاجمها في الوقت نفسه جنود من الجهة المقابلة. وشلّ الخوف على الفور الأشخاص العشرين الذين كانوا يحرسون القرية. وفتح الجنود الموجودين في العربات المصفحة النار من أسلحة أوتوماتيكية ومدافع المورتر، بينما كانوا يشقون طريقهم داخل القرية بحركة شبه دائرية، وعلى جري عادتهم، طوقوا القرية من ثلاث جهات وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة، كي يطردوا من خلالها السكان البالغ عددهم 6000 نسمة هم سكان القرية وسكان بعض القرى المجاورة خلال ساعة واحدة. ولجأ كثير ممن فروا إلى جامع الدراويش للاحتماء به، وكان أغلبهم من الكهول ويزيد عددهم على خمسة وسبعين شخصاً، فقام الجنود بحصدهم جميعاً. وبعض العائلات لجأت إلى كهف مقدس يدعى (طور الزاغ) وكان تعدادهم أكثر من 35 عائلة، وعندما اكتشف الجنود أمرهم، أخرجوهم من الكهف وذبحوهم عند مدخله وكانوا في غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ولم ينج منهم إلا امرأة واحدة اجبرها الجنود على نقل الجثث ثم قتلوها مع طفلها الرضيع، وآخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية ووجدوهن مقتولات في أحد أطراف القرية. ثم قاموا بعد ذلك بتقييد الرجال الذين تم الإمساك بهم بالحبال والسلاسل، وقادوهم كما تقاد الأغنام ووضعوهم في أحد المنازل ومنعوا عنهم الماء، وفجروا المنزل بالديناميت على رؤوسهم.

وقد حاولت إسرائيل جاهدةً طمس معالم المذبحة وتفاصيلها، حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة ومنع التحقيق فيها. إلا أن وصول فريق الأمم المتحدة إلى المكان كشف أن عدد شهداء المذبحة بلغ نحو (700) شهيد، بالإضافة إلى أعداد من الجرحى والمصابين.

عكفت الحركة الصهيونية منذ بداياتها الأولى على تشويه الحقائق التاريخية، لإخضاع التاريخ الفلسطيني الممتد منذ آلاف السنين بثقافته وحضارته العربية، إلى جغرافيا توراتية لم يثبت العلم صحتها. لهذا صاغت الحركة الصهيونية مجموعة من المفاهيم والمقولات المستمدة من الدين، لكي تجمع حولها شتات اليهود، وتبني عليها حقوقا تاريخية لهم في أرض فلسطين. ولكي تمارس إسرائيل ربيبة الحركة الصهيونية دورها في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، مارست العنف والإرهاب بهدف إيقاع الخوف والرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى ترك الأرض والرحيل عنها. وكانت أولى أدواتها الإرهابية تأسيس الفرقة (101) بقيادة ارئيل شارون في مايو عام 1953، لتقوم بأعمال إرهابية ضد الآمنين العرب تحت إشراف الحكومة الإسرائيلية مباشرة.

مذبحة قبية:

وبدأت أولى عملياتها بارتكاب مذبحة مخيم البريج في 28/8/1953، ومذبحة قرية قبية قضاء القدس في ليلة 14ـ 15/10/ 1953، وهي قرية عربية تقع إلى الشمال الغربي من القدس. حيث قامت مجموعة من الفرقة (101) عند الساعة السابعة والنصف من مساء يوم‏ 14أكتوبر عام ‏1953، بمباغتة حارسين لكرم‏ زيتون بالقرب من قرية قبية‏، واحتجزتهما‏، بينما كانت باقي القوة تزحف وتلتف حول القرية بغية تطويقها ومهاجمتها‏، وكانت هذه القوة تعادل نصف كتيبة عسكرية كبيرة ‏(600‏ جندي‏)‏ مجهزة بمدافع ورشاشات ثقيلة من أنواع برن وستن وتومي وقنابل يدوية وقنابل حارقة ومتفجرات‏، إضافة إلى البنادق العادية من أسلحة المشاة‏، وقد عزلت الطرق المؤدية إلى قرية قبية عزلاً تاماً عنها كي لا تهب القرى المجاورة لنجدتها. وقد استطاع أحد الحارسين المحتجزين الهرب والوصول إلى القرية لينذر أهلها بتجمع قوات إسرائيلية مسلحة حولها‏، وزحفها نحو القرية‏، وما كاد الخبر يصل إلى القرية حتى غمرت بوابل من نيران الرشاشات والمدفعية ‏وأمطرت بوابل من مختلف الأسلحة‏ (‏من فصيلة المدفعية الجبلية التي كانت ترافق القوة‏)‏ واستمر القصف والحصار حتى منتصف الليل إلى أن تم التأكد أن بيوت القرية قد دكت على من فيها‏، ثم تقدمت مجموعات التخريب لتنتشر داخل القرية لقتل والإجهاز على من بقي فيها حيا‏ً.‏ وقتل من قتل من جراء القصف ودك المدفعية للبيوت وتحت الأنقاض‏، وطارت أشلاء من حاول النجاة‏، أما من بقي على قيد الحياة فتناوله جنود شارون وأجهزوا عليه‏.‏

وقد أثبتت تقارير المراقبين الدوليين أن مواضع الإصابات في أجسام الضحايا الذين سقطوا قرب أبواب بيوتهم من الداخل‏، دلت على أن الضحايا لم يعطوا فرصة مغادرة البيوت‏، بل منعوا ليسهل قتلهم جملة‏، بنسف البيوت عليهم‏.‏ ونتيجة لهذا الهجوم الصهيوني الإرهابي استشهد نحو (70) مدنيا فلسطينيا أغلبهم من النساء والأطفال، وتهدم نحو (45) بيتاً للسكنى‏، وتهدمت مدرسة القرية ومسجدها، ونسف خزان مياه القرية، ونهبت ستة حوانيت.

لقد رفض "بن غوريون" منذ قيام إسرائيل تبيان حدودها، وهو الأمر الذي مازال قائما إلى اليوم، حيث ترفض حكومات إسرائيل تحديد حدودها، وتعتبر كل ارض يستولي عليها جيش إسرائيل هي امتداد توسعي لإسرائيل، وما الاستيطان المتواصل في الأراضي الفلسطينية إلا دليل على العقلية الصهيونية القائمة على التوسع وفرض الوقائع على الأرض. ويمثل الاستيطان الإسرائيلي شكلا من أشكال الإرهاب، يتخذ صوره في انتزاع الأرض من الفلاحين الفلسطينيين ومنحها للمستوطنين، وكذلك في ممارسات المستوطنين وعدوانهم على أصحاب الأراضي، وضد مزروعاتهم وأشجارهم، وأيضا في ظهور تنظيمات إرهابية مرتبطة بالمستوطنين.

مذبحة كفر قاسم:

عشية العدوان الثلاثي على مصر، قامت السلطات الإسرائيلية بارتكاب مذبحة في قرية كفر قاسم، بهدف زرع الخوف والرعب في قلوبهم، تنفيذا لتعليمات قادتها الذين دعوا إلى الضرب بقسوة وإشاعة أجواء من الإرهاب بين السكان العرب. في يوم 29/10/1956 أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي المرابطة على الحدود الإسرائيلية الأردنية نظام حظر التجول في القرى العربية داخل إسرائيل والمتاخمة للحدود. أوكلت مهمة حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة (الرائد شموئيل ملينكي) على أن يتلقى أوامره مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود (يسخار شدمي). وأعطيت الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحاً، وطلب شدمي من ملينكي أن يكون تنفيذ منع التجول حازماً لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق النار، وقال له "من الأفضل أن يكون قتلى على تعقيدات الاعتقال... ولا أريد عواطف..."، ملينكي جمع قواته وأصدر الأوامر الواضحة بتنفيذ منع التجول دون اعتقالات وأشار لهم بأنه "من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى". ووزعت المجموعات على القرى العربية في المثلث. واتجهت مجموعة بقيادة (الملازم جبريئل دهان) إلى قرية كفر قاسم، ووزع هذا مجموعته في أربع مناطق، حيث رابطت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة. وفي تمام الساعة الرابعة والنصف مساء يوم الاثنين 29/10/1956 قام العريف (يهودا زشتسكي) بإبلاغ مختار القرية السيد (وديع احمد صرصور) بأمر منع التجول. وحين سأل المختار عن مصير أهالي القرية المتواجدين خارجها والذين لم يعودوا بعد من أماكن عملهم في الحقول؟ قال العريف: سنهتم بهم. وفي الساعة الخامسة مساء بدأت المذبحة عند طرف القرية الغربي، حيث رابطت وحدة (شالوم عوفر)على المدخل الرئيسي، فسقط (43) شهيداً. وفي الطرف الشمالي للقرية سقط (3) شهداء، وفي القرية سقط شهيدان، وفي مناطق أخرى سقط شهيد واحد، وبذلك بلغ عدد الشهداء نحو (49) شهيدا.

حاولت الحكومة إخفاء معالم المذبحة بفرص الحصار على القرية، ولكن الأنباء عن المجزرة بدأت تتسرب بعد أن استطاع عضوا الكنيست توفيق طوبي ومائير فلنر اختراق الحصار المفروض على المنطقة يوم 20/11/1956 ونقلا الأخبار إلى الصحافي أوري أفنيري.

فأصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً يفيد بإقامة لجنة تحقيق. توصلت اللجنة بعد سنتين من التحقيق إلى قرار بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية، فحكم على (مالينكي) بالسجن (17) عاماً، أما (دهان وعوفر) فحكم على كل واحد منهما بالسجن (15) عاماً، أما باقي المتهمين فقد حكم عليهم بالسجن لمدة (7) سنوات. بعد ذلك خفضت العقوبة على (مالينكي) إلى (14) عاماً ودهان (10) وعوفر ( Cool

والباقي (4)، ثم اصدر رئيس الدولة عفواً جزئياً فخفضت محكومية مالينكي ودهان إلى (5) سنوات، ثم قررت لجنة إطلاق السراح في السجون تخفيف ثلث المدة في بداية عام (1960) أي بعد مرور (3) سنوات ونصف السنة على المجزرة. أما العقيد (شدمي) الذي كان صاحب الأمر الأول في هذه المذبحة، فقدم إلى المحاكمة في مطلع عام (1956) وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامه مقدارها قرش إسرائيلي واحد.

إن ممارسات إسرائيل وعدوانها المتواصل ضد أبناء شعبنا، وتواصلها في تهويد القدس وتغيير معالمها الإسلامية، وتواصلها في بناء المستوطنات وعدم تراجعها عن التوسع الاستيطاني، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بان إسرائيل ترفض السلام وتسعى نحو الحرب.

اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم النصيرات