الاستيطان ... خطر على الحياة

الاستيطان ... خطر على الحياة
يوم أمس احتل المستوطنون الإسرائيليون مفترقات الطرق جنوب محافظة نابلس، رجموا المركبات الفلسطينية بالحجارة هناك وحطموا زجاج العديد منها وعرضوا ركابها لخطر الموت، قبل ذلك بيوم واحد كان المستوطنون يقتحمون كنيسة في شارع الأنبياء بالقدس المحتلة ويضرمون النار فيها 'بذات الطريقة التي احرقوا فيها مسجد بيت فجار في الخامس من الشهر الماضي'، وثمة أربعة مساجد أخرى في الضفة الغربية اعتدى عليها المستوطنون وأضرموا النار فيها منذ مطلع هذا العام، النار التي يريدون لها أن تحرق الفلسطينيين أيضا لا أماكن صلواتهم فقط مثلما قالوا ذلك في شعارات كتبوها على جدران مسجد بلدة ياسوف شرقي محافظة سلفيت بعد أن أشعلوا النار فيهسنحرقكم كلكم) هكذا كتبوا وهذا ما يتمنونه في أعماق أرواحهم المريضة بأوهام الفكرة العنصرية وتخاريفها القبيحة، لا ننسى بطبيعة الحال 'حوادث' الدهس على الطرقات التي ارتكبها مستوطنون بقصدية عالية كلما كان عابر الطريق فلسطينيا، كما لا احد ينسى أشجار الزيتون التي اقتلعوها من أرض أصحابها بمنتهى الغطرسة والعدوانية، والواقع أن القائمة ستطول إذا ما أردنا أن نحصي ما يرتكبه المستوطنون من عمليات العنف العنصرية ضد أهلنا وبيوتهم وأشجارهم وأماكن عباداتهم وحتى ضد البيئة في بلادنا، إنهم ببساطة شديدة ودون أية مغالاة أو سياسة، خطر داهم على أبواب بيوتنا، خطر على حياتنا بكل تفاصيلها، الاستيطان الإسرائيلي إذا لن يكون ممكنا مع السلام وهو الذي يجعل من المستوطنين ليس أكثر من قطاع طرق وعصابات قد أفلتت عقالها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، وبكلمات أخرى فأن خطر الاستيطان لا يتمثل في كونه مناهضا للسلام ومعاديا له فقط ولا في قضمه للأرض الفلسطينية بشراهة تشتد يوما بعد يوم فحسب بل أن هذا الخطر يتمثل بالتطرف العنصري لأدواته والذي يسعى وراء القتل والحرق والدم مسفوحا في كل مكان من بلادنا، ولأن حقائق الاستيطان ووقائعه هي هذه لا سواها فإن المطلب الفلسطيني بضرورة وقف الاستيطان للمضي قدما في عملية السلام لا يعد شرطا ولا بأي حال من الأحوال ولا تكتيكا سياسيا لتحسين شروط التفاوض أو ما شابه ذلك، وإنما هو وعلى نحو عميق موقف إنساني بقدر وطنيته في تصديه لمهمة الدفاع عن الأرض وأشجارها وحياة أهلها وحياة بيوتهم وبيوت عباداتهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم، وفي هذا الموقف يكمن جوهر الدفاع عن المشروع الوطني والعمل على تحقيقه فهو الذي يؤمن ذاك المستقبل، مثلما هو موقف إخلاقي يكرس مصداقية السعي الفلسطيني نحو السلام العادل الممكن وهو يكشف عن خطر الاستيطان وحقيقة تعارضه مع السلام وعمليته.
ليست ثمة مبالغة في كل هذا التوصيف وهذا التشخيص والوقائع على الأرض تقول إن الذين يبالغون حتى في فضح نواياهم العنصرية البغيضة هم المستوطنون بحد ذاتهم، إنهم يذهبون بعيدا في الكراهية ولا يتركون كما يقال للصلح مطرح، لا يرون غير عقيدتهم ولا يريدون للعقائد الأخرى في ارض الديانات والرسل غير الحريق والخراب، لكن هذه البلاد هي طريق الأنبياء والناس إلى السماء والى السلام مثلما هي ارض المثل العليا وقيم التسامح والتضحية والفداء، أليس هذا ما تقوله صخرة المعراج وما تتحدث عنه درب الآلام والجلجلة، كنا هنا منذ فجر التاريخ وهنا سنبقى حتى فجره المقبل، اعني فجر الحرية وخلاص الإنسانية لا شعبنا فحسب من معضلة الاحتلال وأفكاره العنصرية واستيطانه القبيح.
ــ