ما هو مصير مبادرة «حماس» لحماية فلسطينيي لبنان؟

لا يمكن فصل الهم الفلسطيني في المخيمات ومناطق شتات اللاجئين في لبنان عن الأزمة الداخلية في البلاد، نتيجة تداخل العاملين اللبناني والفلسطيني وارتباطهما بروابط وثيقة كما بتاريخ وبمصير مشترك، خاصة في الأزمات.
ومع اقتراب القرار الظني في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من الصدور، وفي ظل المخاوف اللبنانية من انعكاس هذا القرار على الاستقرار الداخلي، يبدو الفلسطينيون معنيين اكثر من أي وقت مضى في تحصين ساحتهم الداخلية منعا لانعكاس أية اصطفافات فلسطينية مع هذا الطرف اللبناني او ذاك على ساحتهم الهشة أصلا، ذلك ان أي اهتزاز للاستقرار اللبناني سيلقي بظلاله على الامن الفلسطيني في المخيمات او خارجها.
وبينما هناك شبه اجماع فلسطيني على تحصين الساحة والامن الفلسطينيين، ثمة اتصالات بين مختلف القوى لاستباق ما قد يؤدي اليه القرار الاتهامي، ذلك ان الساحة الفلسطينية تبدو منقسمة بدورها على الخيارات الاستراتيجية الكبرى، تماما كنظيرتها اللبنانية.
هذا الانقسام الفلسطيني في الرأي، يفرز واقع القوى الفلسطينية بين فريقين، أحدهما متوجس من انعكاسات القرار الظني عليه، وخاصة على المقاومة في لبنان وفلسطين، وآخر يبدو مترقبا اكثر مما هو معني بصدور ذلك القرار. وتبرز في طليعة المتخوفين من الاندفاعة الدولية تلك، حركة «حماس» التي تحتفظ بقراءة سلبية لما ستحمله الأشهر المقبلة لواقع المقاومة في لبنان، ذلك ان أي استهداف لـ«حزب الله» هو في الوقت عينه استهداف لحركات المقاومة الاخرى وفي طليعتها «حماس» و«الجهاد الاسلامي».
واقع الحال هذا، دفع بـ«حماس»، حسبما قال المسؤول السياسي للحركة في بيروت رأفت مرّة لـ«السفير»، لإجراء مروحة واسعة من الاتصالات خلال الاسابيع الماضية شملت قوى مختلفة في لبنان اضافة الى مواقع مؤثرة عسكرية وأمنية ودينية، لعرض الهواجس الفلسطينية، من ناحية، كما لمحاولة التوصل الى رؤية مشتركة لتجنيب الساحتين اللبنانية والفلسطينية آثار تلك «الهجمة الدولية» قدر الامكان.
تريد الحركة ومعها قوى التحالف الفلسطيني، أي القوى غير المنضوية ضمن فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية»، التأكيد على عناوين تدخل في اطار الثوابت الفلسطينية. وتشير أوساط التحالف الى انها حصلت ايضا على موافقة قوى المنظمة.
أهم ما في الامر، بالنسبة لمرّة، ان الفصائل الفلسطينية قد اتعظت من تجربة الحرب الماضية، وثمة رغبة في عدم الغرق في التجاذبات اللبنانية ما قد يؤدي الى توظيف بعضها في صراع داخلي يضر بها قبل غيرها.
والعناوين التي تطرحها تلك القوى في رؤيتها السياسية هي على الشكل الآتي:
1- التأكيد على أن أمن المخيمات الفلسطينية هو جزء من أمن لبنان.
2- التأكيد على أن استقرار البلدان العربية، ومنها لبنان، يشكل دعماً أساسياً لمشروع المقاومة والتحرير.
3- التأكيد على عدم إدخال الشعب الفلسطيني وقضيته في صراعات جانبية، حفاظاً على مركزية القضية الفلسطينية وخصوصيتها.
4- التأكيد على وقوف الفلسطينيين إلى جانب إخوانهم اللبنانيين ودعمهم لوحدتهم الوطنية ولتوافقهم الداخلي، ولالتفافهم حول مصالح وطنهم، ورفض الفلسطينيين لكل محاولات الانقسام في لبنان.
5- تمسك الفلسطينيين بأمن واستقرار لبنان وحماية السلم الأهلي فيه، ورفض الفلسطينيين الانزلاق في الفتنة والاقتتال الطائفي أو المذهبي.
6- التأكيد على أن بقاء لبنان موحدا بشعبه ومؤسساته وجيشه ومقاومته هو عامل قوة لمواجهة المشاريع الخارجية وللتصدي للمخططات الاسرائيلية ولحماية لبنان من أي استهداف معاد.
7- التشديد على حماية المجتمع الفلسطيني في لبنان، وعلى أمنه واستقراره، وابتعاد الفلسطينيين عن التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
8- رفض استخدام المخيمات الفلسطينية للاساءة إلى السلم الأهلي في لبنان، والتشديد على حسن علاقة الفلسطينيين مع جيرانهم اللبنانيين.
9- التركيز على ثقة الفلسطينيين بقدرة اللبنانيين على تجنيب بلادهم الاستهدافات الخارجية، وعلى إيجاد الحلول للخروج من الأزمة، وعلى الاحتكام للتوافق الداخلي.
ثمة رغبة لدى التحالف في التأكيد على خصوصية المجتمع الفلسطيني في لبنان، و«حياديته» في أي صراع داخلي، لكن مع التشديد على ان الفلسطينيين يرتبطون باستراتيجية مقاومة واحدة بوجه المشروع الاسرائيلي الذي يهدف اول ما يهدف الى توطين اللاجئين في لبنان كما في بلدان الشتات، وهي قضية وجودية تجمع الشعبين اللبناني والفلسطيني.
من هنا، يقدم «تحالف القوى الفلسطينية»، رؤيته السياسية في سبيل «تجميع» القوى الفلسطينية ضمن موقف موحد يتصدى للاحداث المقبلة على البلاد، انطلاقا من المصلحة المشتركة مع لبنان الذي يشكل استقراره دعما اساسيا لمشروع المقاومة والتحرير في لبنان وفلسطين، ولقوى «الممانعة» في المنطقة.
وتسعى «حماس»، كونها الفصيل الاكبر في التحالف، الى تشكيل قيادة فلسطينية «تنسيقية» موحدة في لبنان، تنبثق عنها تشكيلة رديفة من مختلف القوى من شأنها التعامل مع التطورات المنتظرة، كما تكون مهمتها تعزيز التواصل مع المؤسسات الرسمية اللبنانية والقوى المختلفة للتصدي لاية تطورات سلبية محتملة.
كما تبغي الرؤية الى عدم استبعاد أي فصيل (باستثناء قوى سلفية تكفيرية وجودها ضعيف جدا) في المخيمات وخارجها، وتريد تعزيز دور اللجان الامنية، التي عليها اليوم اجراء التنسيق اللازم مع الاجهزة العسكرية والامنية اللبنانية، بما «يسهم في تطبيق هذا التوجه العام» حسب أوساط التحالف.
لكن هذه المساهمة الفلسطينية المستجدة، لن تحول دون طرح بعض الاسئلة الجوهرية: هل ستترجم الإيجابية التي قابلت بها الفصائل الفلسطينية الأخرى هذه الرؤية، على أرض الواقع؟ وهل ستقابل الرؤية بإيجابية مقابلة ملموسة من قبل الأطراف اللبنانية الكبرى كافة؟ ماذا سيكون تأثير هذه المبادرة على الحوار المجمد بين الفصائل الفلسطينية من جهة، والحكومة اللبنانية من جهة اخرى؟ وهل ثمة رؤية موحدة أصلاً بين الفلسطينيين على مضمون الحوار ناهيك عن تشكيلة الوفد الفلسطيني؟ وذلك يقودنا الى السؤال الأهم: ما هو مصير المبادرة في حال اشتعال الصراع الفلسطيني في الأراضي المحتلة؟!