لغز يُصيب القيادة العامة في قوسايا

سيطر «خبر» الاشتباك المسلح داخل موقع «القيادة العامة» في كفرزبد على المشهد السياسي والأمني، وقفزت المواقع العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات في لبنان إلى الواجهة مجدداً لتتحول إلى اشتباك سياسي لبناني قديم ـــ جديد
شُرّعَت أمس، مع «الاشتباك الغامض» الذي جرى في موقع للقيادة العامة في كفرزبد (البقاع)، الأبواب على جملة من الأسئلة عن الأسباب والأهداف الكامنة وراء الانفجار العسكري الداخلي الأول من نوعه في صفوف «القيادة العامة» التي تتخذ من دمشق مقراً لها، متهمة «فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي بالوقوف وراء أحداث الاشتباك والتحريض عليه «لتحقيق هدف إسرائيل ونزع سلاحنا بالقوة». ووصفت مصادر في فريق «الأكثرية» لـ«الأخبار» اتهام «فرع المعلومات» بأنه «ليس إلا حلقة في سلسلة حلقات سورية تهدف إلى ضرب الاستقرار في البلاد». وأوضحت أن ما جرى في موقع عين البيضا «يأتي في سياق الضغط على رئيس الحكومة سعد الحريري لتنفيذ الشروط السورية، والاشتباك المفتعل كان رسالة سورية إلى الحريري وفريق 14 آذار إثر رفضهم الشروط التعجيزية». ورأت مصادر سياسية من فريق المعارضة السابقة أن ما جرى ما هو إلا «أحداث مفتعلة بهدف الرد على ما جرى في عيون أرغش»، فيما انتقد قائد القوات اللبنانية سمير جعجع التقصير الأمني في كشف ملابسات الاشتباكات المتنقلة في أكثر من منطقة لبنانية. وطالب نواب زحلة إثر اجتماعهم الاستثنائي أمس في المدينة بمشاركة وزير الثقافة سليم وردة «الجيش اللبناني بتسلم المواقع العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات، وتنفيذ ما اتفق عليه بخصوص هذه المواقع على طاولة الحوار سابقاً».
الاتهام «الأكثري» بأن الاشتباك رسالة سورية، ردت عليه مصادر الجبهة الشعبيّة ـــــ «القيادة العامة»، متهمة «فرع المعلومات» بافتعال الاشتباك. وقالت مصادر فلسطينية مقربة من الجبهة لـ«الأخبار»: «ما معنى مشاركة عناصر لبنانية في الاشتباك، وهم مقربون من فرع المعلومات وأحد ضباطه في شمال لبنان؟». أضافت أن حركة التمرد داخل موقع «عين البيضا» «كان يقودها الفلسطيني دريد شعبان الذي كان مسؤولاً عن الموقع لوجستياً». وتابعت أنّ من «المتعارف عليه بيننا وبين الجيش اللبناني أنه يسمح لعدد محدود من الأسماء بالدخول بسياراتهم إلى موقع «عين البيضا»، وأن لا يجري الدخول إلا بعد تفتيش السيارات والتأكد من الأسماء المسموح لها، وبالتالي كيف تمكنت مجموعة مسلحين معظمهم من الإخوة اللبنانيين من الدخول إلى الموقع بعد عبورهم نقاط تفتيش للجيش اللبناني وغير مصرح من قبلنا لهم بالدخول ولا ينتمون إلى جبهتنا؟». هذه الاتهامات وغيرها ردت عليها قوى الأمن الداخلي رسمياً. وقالت في بيان لها إن ما ورد على لسان أنور رجا «عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً، وكان الأجدر به التدقيق أكثر بحقيقة ما جرى ويجري داخل تنظيمه قبل إطلاق الاتهامات على عواهنها بأسلوب ممجوج وسطحي لم يعد ينطوي على أحد». أضاف البيان أن ما جرى في موقع عين البيضا «هو محاولة للسيطرة على أحد مواقع القيادة العامة القريب من بلدة كفرزبد من جانب مجموعة من الجبهة نفسها بقيادة ضابط برتبة عقيد، هو الفلسطيني دريد شعبان، على خلفية إقالته من موقعه منذ فترة، ما أدى إلى حصول اشتباك مسلح مع عناصر الموقع، أُوقف بنتيجته أربعة أشخاص من عناصر المجموعة، هم: اللبنانيان علي قاسم عراجي (من أبرز كوادر سرايا المقاومة في البقاع الأوسط، أوقف خلال عام 2008 وضُبطت لديه أسلحة حربية) وخالد رمزي عراجي (من مجموعة علي عراجي ويرافقه دائماً)، الفلسطيني محمود عليان (من كوادر القيادة العامة) والفلسطيني راجح صالح، الملقب براجح اليمني (من عناصر سرايا المقاومة، مقرب من علي عراجي)، (وجميعهم مقربون من دريد شعبان)، فيما سلم شعبان نفسه إلى مخابرات الجيش اللبناني». وأكد بيان قوى الأمن الداخلي أنه «حفاظاً على صدقية السيد رجا، لا بد من إعلامه بأن الشخص الذي ذكر اسمه، وهو اللبناني خليل عراجي، من عناصر الجبهة من عام 1979 لغاية عام 2005، وأخيراً انتمى إلى جبهة العمل الإسلامي. وبناءً عليه، كان الأجدى بمن يتولى مسؤولية الإعلام التريث قليلاً قبل إطلاق اتهاماته المضحكة، وخاصةً أنها صادرة عن شخص عمل في لبنان لفترة طويلة، ومن غير اللائق به وبمركزه اتهام سرايا المقاومة وعناصر من الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة باقتحام مركز عائد للقيادة العامة».
مصدر أمني في البقاع قال إنه رصد منذ أربعة أيام حركة عناصر من الجبهة خارج موقع «قوسايا» المتاخم للحدود مع سوريا. وأضاف أن جهازه شاهد مجموعة من «القيادة العامة» تقوم بعملية حفر وتدشيم خارج موقع قوسايا على تلة تشرف مباشرة على موقع «عين البيضا». وتابع أن «حركة التمرد داخل موقع عين البيضا جرت قبل أيام عدّة، وقد فشلت المفاوضات بين المجموعة المتمردة وقيادة الجبهة على خلفية مالية، إلى أن انفجرت عسكرياً اليوم (أمس) ولا علاقة لأي جهاز أمني لبناني بهذا الاشتباك أو التحريض عليه، والأمر تعرفه قيادة الجبهة الشعبية (القيادة العامة) تمام المعرفة، وليس صحيحاً أن عناصر مسلحين دخلوا الموقع الفلسطيني عبر نقاط تفتيش للجيش اللبناني». وختم: «يوجد تنسيق الآن عبر وسيط سياسي لبناني بين الجيش اللبناني والقيادة العامة لكشف الملابسات كلها ووضع الأمور في نصابها».
وكانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت صباح أمس قرب موقع عين البيضا استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والمدفعية المتوسطة، حيث سرعان ما عاد الهدوء إلى محيط الموقع وداخله، إلى أن انفجر مجدداً قرابة الساعة 12 ظهراً بعد استهداف المواقع بقذائف هاون من عيار 23 ملم مصدرها تحصينات للقيادة العامة على تلة شرق بلدة كفرزبد، إضافة إلى استهداف مداخل نفق الموقع برصاص من عيار 12,7 ملم، عاد الهدوء على أثره إلى المنطقة التي شهدت بعد ظهر أمس تراجعاً ملحوظاً في الطوق الأمني العسكري للجيش اللبناني، إذ شوهد دخول سيارات مدنية إلى الموقع. وقال مصدر أمني إن الاشتباك أدى إلى سقوط قتيل من المدافعين عن الموقع، وهو من سكان مخيم برج البراجنة في بيروت، إضافة إلى 4 جرحى يتلقون العلاج داخل الموقع.
في السياق ذاته، نفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعلومات الإعلامية التي زجّت باسمها في اشتباك مسلح مع الجيش اللبناني. وقالت في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي: «أوردت بعض وسائل الإعلام خبراً، مفاده أن اشتباكاً وقع بين الجبهة الشعبية والجيش اللبناني، ونحن نفيد بأنّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إذ تأسف لما حدث، فإنها تؤكد أنه ليس لها علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بالاشتباك».