بصفةٍ شخصية، أبو فاعور يتلقى أسئلة أبناء المخيم ويسأل بدوره: أين الإدارة؟

على «ضفاف» مخيم «برج البراجنة»، وفي مقرّ جمعية «الأخوة للعمل الثقافي الاجتماعي»، اجتمع ممثلون عن هيئات وجمعيات فلسطينية تعمل في الحقل الثقافي والاجتماعي العام. توافدوا عند العاشرة صباحاً إلى قاعة الجمعية، بغية إجراء حوار مفتوح مع وزير الدولة وائل أبو فاعور.
قبل وصول أبو فاعور، كان المجتمعون، الذين تفاوتت فئاتهم العمرية، يجهّزون الأسئلة. ومنهم من قال انه «لا حاجة لتحضير سؤال ولد مع ولادة المرء، الذي تحول، في ما بعد إلى لاجئ». واللاجئ حمل معه أسئلة كثيرة، حفظت عن ظهر قلب.
الوزير، منذ أن وصل إلى القاعة، تحدث بصراحة: «أنا هنا، على ضفاف المخيم (نظراً لوجود مقر الجمعية خارج المخيم)، بصفتي وزيراً مهتماً بالقضية الفلسطينية، وبحكم انتمائي السياسي لحزب كمال جنبلاط، أي انني لست مكلفاً».
في أثناء حديث أبو فاعور، دخل رجل ستيني بخطوات متباطئة إلى القاعة التي غصّت بالحضور، وأخذ من أحد الكراسي المصطفة في الزاوية، مجلساً له. غضبه بدا واضحاً على محياه، إلى حين أدلى برأيه عندما فتح باب الحوار مع الوزير.
تدرّج أبو فاعور بسرد شجون القضية الفلسطينية، بطريقة «بانورامية» مقتضبة، فاستهل الحديث قائلاً: «في البدء كانت فلسطين. وفي النهاية فلسطين. وفلسطين كانت القضية المركزية للعرب، إلا أنهم تخلوا عنها بعدما انجروا إلى صراعاتهم الداخلية».
وعندما فرغ الوزير الشاب من الشق الإقليمي، الذي يبدو أنه تعمّد عدم الخوض في تفاصيله وتأثيراته على الملف الفلسطيني على اعتبار أن الحديث في موضوع كهذا سيتجه إلى فرضية التنظير، قال أبو فاعور إن «الفلسطيني اليوم، لم يعد عنصر صراع في الداخل السياسي اللبناني».
ثم أشار أبو فاعور إلى أن «اللاجئ الفلسطيني يمارس حالياً أعلى درجات الحرص على الأمن والاستقرار اللبنانيين، بدءاً من الأحزاب والجمعيات والفصائل، التي تلهج بجملة واحدة: نحن تحت سقف القانون». ورأى أبو فاعور، أنه «لا مبرر لاستدعاء الهواجس الفلسطينية ـ اللبنانية في الداخل».
ولفت إلى أن «القضية العالقة بين اللبنانيين والفلسطينيين هي قضية التوطين، أو حق العودة، فاللبناني يقول انه مع حق العودة وضد التوطين. ولكن قبل ذلك، فالفلسطيني يقول إنه متمسك بحق العودة، ويرفض التوطين».
ولم يكن من مفر، بطبيعة الحال، من التطرق إلى «الموضوع الذي تفجر مؤخراً، أي السلاح الفلسطيني خارج المخيمات»، على حد قول الوزير الشاب، معتبراً أن للأمر «تتمة أيضاً، وهي المطالب التي يطالب بها الفلسطيني في لبنان، أي أن يأخذ كل حقوقه الاجتماعية». إذاً، هل هي مقايضة؟
ليست مقايضة. عبّر الوزير عن فكرته، لافتاً إلى أن «هناك مشكلتين: عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة، أي أنه لا مرجعية فلسطينية تتبنى الخطاب الجامع مع الجانب اللبناني. والمشكلة الثانية تكمن في الافتقاد إلى إدارة سياسية للعلاقات اللبنانية الفلسطينية». الفكرة، استناداً لرأي أبو فاعور، ليست في معرض الهجوم على الحكومة. بل «هي نقد ذاتي لنا جميعاً».
وعبّر وزير الدولة، أكثر من مرة، عن الجهد الذي يبذله الجيش اللبناني في القضية الفلسطينية، معتبراً أن الجيش مني بشهداء وجرحى في أثناء معركة «نهر البارد». وردّ أبو فاعور، عقب مداخلة أحد المدعوّين الذي تحدث عن تعامل الجيش المشين مع أهالي «البارد» حالياً، أنه، في المقابل، «ينبغي التنبه إلى بعض الخطابات، في بعض المخيمات، التي تحرّض على الجيش اللبناني». لكن أبو فاعور سأل مجدداً: «أين الإدارة السياسية ـ اللبنانية للعلاقات اللبنانية الفلسطينية؟».
ولما فتح أبو فاعور باب الحوار مع المدعوين، سألت إحدى السيدات عن «مصير اقتراحات القوانين، التي كان سيتقدم بها اللقاء الديموقراطي في مجلس الوزراء؟»، فأجاب الوزير أنه «في ظل الانقسامات التي طرأت مؤخراً، فإن طرح الموضوع كان سينعكس عليه سلباً. لكننا نعمل على الموضوع».
وبادر أحد الحضور إلى توجيه سؤال، مصوباً مسار النقاش إلى رأي أبو فاعور الذي تحدث عن الافتقاد إلى مرجعية موحدة، قائلاً: «لكن الحق لا علاقة له بمرجعية. أي أنه لا نستطيع أن نتذرع بهذا الأمر، خصوصاً أنه ضمنياً توجد منظمة التحرير وغيرها من المرجعيات، التي قد يعتمد على التفاوض معها».
واستفاض الرجل برأيه، معرجاً على سؤال لطالما تردد على ألسنة الفلسطينيين: «نحن، من نصدق؟ علماً أننا كفلسطينيين، لا نستطيع أن نخاطب اللبنانيين على أن هذا 8 آذار أو ذاك 14. نحن نخاطبهم على أنهم لبنانيون. لكن، من نصدق؟».
لا شك بأن أصحاب الأسئلة أدركوا كيفية طرحها، كأنهم تشاوروا في ما بينهم، أو ربما لأنهم حفظوا المعاناة عن ظهر قلب. بعد «من نصدق؟»، طرح أحدهم تسوية قديمة ـ جديدة: «هل يمكن أن يخبرنا اللبنانيون ماذا يريدون منا؟ لماذا تريدون أن تحرمونا من كل حقوقنا؟ أخبرونا ماذا تريدون لنلتزم به. لكننا نريد أيضاً. نريد حقوقنا».
ومن المطالبة بالحقوق، انتقل الحديث إلى شق السلاح الفلسطيني، بينما الوزير يسجل ملاحظاته: «يجب أن تعرف الناس، يا معالي الوزير، أن السلاح الفلسطيني لم يأتِ عبثاً. بل أتى نتيجة للمذابح التي تعرض لها الفلسطيني منذ أن أبصر النور. من يحمينا؟».
سؤال آخر إذاً. تلته معلومة في السياق نفسه: «نحن نرى ماذا يدور في بقية المخيمات، كالجدار الدائري الذي يشيد حول مخيم عين الحلوة، وتحصين مخيم البداوي. كأن الدولة تدفشنا إلى لعبة التوازن والقوى؟».
بدوره، لم ينكر أبو فاعور أن «أمن الفلسطيني مهدد. فهناك عناصر طارئة طرأت على الفلسطيني. لكن، الملف الفلسطيني هو ملف سياسي وليس ملفاً أمنياً. ولذلك، طلبت توحيد المرجعية الفلسطينية من جهة، ووضع خطة واضحة من قبل الدولة اللبنانية حول العلاقة اللبنانية الفلسطينية، من جهة أخرى».
وأكد أبو فاعور أن وجهة الدولة اللبنانية «هي الوصول إلى أفضل مستوى من العلاقات مع الفلسطينيين»، مذكراً بـ«الزيارة التي قـــام بها الوزراء إلى المخيمات، عقب طلب وجّهه الرئيس السنيورة لهم. اليوم، نحن بحاجة إلى مثل هذه الزيارات، والتي يفترض ألا تقتصر على التجول فقط. بل العمل على المعالجة».
الرجل الستيني، الذي دخل إلى القاعة غاضباً بعض الشيء، وقف في الزاوية، وسأل: «ماذا عن تلّ الزعتر؟ تحدثتم عن مخيم «نهر البارد». هناك 5000 شهيد سقطوا. السلاح ليس تحفة، بل للدفاع». ثم، ردد الرجل مقولة الرئيس الراحل ياسر عرفات، في حركة عكسية مهدئة، قائلاً: «الشعب اللبناني فتح لنا الصدور.. قبل الدور».
وراح الرجل نفسه، يردد أبياتاً من الشعر، ليفتح أبواباً أخرى، أفضت في نهاية المطاف، إلى خاتمة مقتضبة: «نحن ضيوف في لبنان. فليطمئن السياسيون. نحن أبناء فلسطين. طينتنا من تلك الأرض: فلسطين».

» "اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد": المصاهرة بين أبناء المخيم والجوار اللبناني جعلت أية إشكالية محلولة ودون أبعاد
» 5 أسئلة فلسطينية
» ابو فاعور عرض مع الجبهة الديمقراطية اشكاليات الفلسطينيين في المخيمات
» أبو فاعور: الصدامات في عين الحلوة تسيء إلى لبنان والشعب الفلسطيني
» بو فاعور: على الدولة ان تفك اسر المخيمات الفلسطينية في لبنان