واصف عواضة
في تعريف «الحرب الباردة» انها حالة توتر تستخدم فيها كل الاسلحة من دون الانخراط في حرب عسكرية مباشرة, وهي وصف أطلق على الحالة بين الاتحاد السوفياتى القديم والولايات المتحدة الاميركية بعد الحرب العالمية الثانية, وقد استخدمت فيها جميع الاساليب من تجسس ومؤامرات وخلافها ما عدا السلاح التقليدى.
ويصح اسقاط هذه الحالة على منطقة الشرق الاوسط بعد حرب تموز عام 2006, حيث تبدو المقاومة اللبنانية بقيادة «حزب الله» المستهدف الاساسي من هذه الحرب التي تستخدم فيها عمليات التجسس والاغتيالات والتجاذبات السياسية والتمحور والدعاية الاعلامية.
وكانت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية نشرت في شهر آذار عام 2008 تقريرا عن مداولات جرت في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي، تناولت «انتشار حزب الله في العالم»، وقالت الصحيفة إن المداولات أظهرت أن القلق الأميركي من «حزب الله» يبدو أكبر من القلق الاسرائيلي. وقد سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصر الله ان اعلن بعد اغتيال الشهيد عماد مغنية، ان الحرب المفتوحة قد بدأت فعلا من أوسع أبوابها، بقرار أميركي واضح.
وقد تحدث مسؤولون اميركيون في حينه عن «بؤر حزب الله في المثلث الاميركي الجنوبي، البرازيل والارجنتين والباراغواي، حيث يتركز أنصار للحزب يهتمون بمجال تهريب الاسلحة والمخدرات وتبييض الاموال وغرس الافكار», في محاولة لإظهار الحزب في صورة «المافيا» التي تقوم بالتهريب. وقد تلازم هذا الامر مع تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية تحدث عن ضبط كميات من المخدرات جرت محاولة لتهريبها الى اسرائيل عبر الحدود اللبنانية، وقالت الصحيفة «ان حزب الله يحاول إغراق اسرائيل بالمخدرات». وفي السياق نفسه جاء الاعلان امس الاول عن اعتقال فلسطينيين بتهمة التجسس لحساب الحزب.
والواقع ان المسؤولين في «حزب الله» توقعوا بعد حرب تموز واخفاق اسرائيل في القضاء على المقاومة ان يشتد اوار الحرب الباردة على الحزب, على كل الجبهات, وهو ما صحّت وقائعه خلال السنوات الاربع الماضية بحيث يواجه الحزب اليوم جبهة من الخصوم على مختلف الصعد المحلية والعربية والدولية, مدعومة بكل الوسائل والاسلحة, ليس أقلها ما تحدث عنه مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان مؤخرا عن صرف خمسمئة مليون دولار في لبنان لتشويه صورة الحزب وسمعته.
في المقابل، يواجه الحزب هذه الحرب بعقل بارد من دون ان يهمل مسألة تفعيل حالة الجهوزية لديه على مختلف الصعد, وهو أعد لكل مرحلة حسابها. ويبدو ان المرحلة المقبلة هي مرحلة المحكمة الدولية والتقرير الظني الذي يكثر الكلام عنه هذه الايام على أعلى المستويات في لبنان والخارج.
في اي حال، اذا جاء مضمون القرار مشابها لتسريبات «ديرشبيغل» وقبلها «لوفيغارو» وغيرهما، فان مثل هذا الاتهام الهادف الى تشويه صورة المقاومة ستكون له تداعياته الخطيرة, ليس على وضع حزب الله والمقاومة, بل على وضع لبنان كله, وهو ما نبّه اليه بالامس النائب وليد جنبلاط, اذ من الطبيعي عندما يوضع رأس اي مجموعة على المقصلة, بغير حق, ان يكون دفاعها عن النفس فوق التوقعات. واذا لم تشتغل الحكمة في هذا الموضوع من جانب الفريق اللبناني المعني به, فان الفتنة الداخلية ستكون البديل الأفضل لاسرائيل والولايات المتحدة عن حرب عسكرية غير مضمونة النتائج.
واصف عواضة