لاجئو المخيمين: مرحباً بالكهرباء وكل شيء يهون في سبيل الزفت

تأهيل البنى التحتية في برج البراجنة وشاتيلا يحل مشاكل ويبرز أخرى







زينة برجاوي

أطلقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - «الأونروا»، في العام 2006، مبادرة تحسين أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية وتبنّت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الفكرة، لا سيما إثر زيارة ميدانية قام بها بعض الوزراء إلى المخيمات الفلسطينية. علماً بأن رئيس اللجنة آنذاك، السفير خليل مكاوي، كان قد أكّد خلال مقابلة مع الزميلة «النهار» في آذار من العام الماضي على «ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، معتبراً أن «تخليصهم من البؤس والحرمان لا يعني توطينهم».
و«تعزيز أوضاعنا لا يعني توطيننا»، هذه عبارة يتمسّك بها سكان مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، الذين ينتظرون إنفاذ حق عودتهم إلى ديارهم في فلسطين المحتلة. وحتى ذلك الحين ليس هناك مبرر مقنع، إنسانياً أو وطنياً أو حتى سياسياً، ليعيش أهالي المخيم في الظروف المزرية التي ترخي بظلالها على المخيم منذ سنوات. هكذا، يشهد كل من مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، للمرة الأولى، وبعد إطلاق صرخات عديدة، ورشة إصلاح للبنى التحتية، بعدما تأخر المضي في مختلف مراحل المبادرة بسبب توالي الأحداث على لبنان وانشغال «الأونروا» (بمواردها) والدولة اللبنانية في حالات طارئة، بسبب عدوان تموز و«حرب البارد».
ويلفت مصدر إعلامي في «الأونروا» إلى أن المبادرة تتضمن عدة مشاريع إنمائية، وتشمل تحسين أوضاع البنى التحتية في المخيمات، إضافة إلى أن «مشروع مخيم برج البراجنة ومعه مخيّم مار الياس قد موّله الاتحاد الأوروبي بقيمة أربعة ملايين يورو»، أما مخيم شاتيلا فموّلت الحكومة الأميركية مشاريع إصلاح البنية التحتية فيه بمبلغ 2,5 مليون دولار.
برج البراجنة
يشبّه سكان مخيم برج البراجنة حي «جورة التراشحة» بمدينة «البندقية» في إيطاليا، وفي ذلك سخرية من الوضع الذي يعيشونه منذ سنوات. يحبّذ هؤلاء استعمال «المراكب» للتنقل بين أطراف المنطقة حين تغرق الأزقة بمياه الأمطار في فصل الشتاء، «تماماً كما يتمّ التنقل في بحيرات البندقية».
تختلف زيارة المخيم في فصل الشتاء عن زيارته في الفصول الأخرى. فخلال موسم الأمطار، يجب على كل زائر الحضور إلى المخيم مع تجهيزات خاصة من نوع انتعال «جزمات» بلاستيكية لتفادي تبلل قدميه بمياه الصرف الصحي المتسربة إلى الطرق.
يشير مسؤول في «الأونروا» عن إدارة المشروع، إلى أنه سيستمر سنتين، وسيخدم 20 ألف شخص من سكان المخيم. والمشروع يقوم على «مدّ 16 كيلومتراً من أنابيب المياه، و130 كيلومتراً من الإمدادات المنزلية، إضافة إلى بناء 45 ألف متر مربع من الأرصفة، و6,5 كيلومترات من الخطوط الأساسية للمجاري». كما يلفت أحد مهندسي المشروع إلى تضمّنه «تغيير شبكة الصرف الصحي بالكامل في المخيم، وتأمين قنوات لتصريف مياه الأمطار، ووضع نظام توسيع مياه الشرب لتصل إلى كل منزل، إضافة الى حفر خزان مياه بارتفاع 23 متراً، وحفر آبار مياه للشرب على عمق 500 متر أو أكثر، حتى يتم الوصول إلى المياه الصالحة».
إلى ذلك يتضمن المشروع تأمين شبكة كهرباء وحل مشكلة الأسلاك الكهربائية «العارية» التي تسبّبت في السابق بالكثير من الحوادث القاتلة.
الكهرباء لا تخذلهم
من المتوقع أن يحلّ مشروع تأهيل البنى التحتية في المخيم مشكلة الفيضانات، لا سيما أن اللاجئين يعيشون على أمل حل هذه المشكلة. ورغم إطلاقهم صرخات استغاثة منذ سنوات، يمتعض بعضهم من تأثير المشروع سلباً على حياتهم اليومية إثر شل حركة عملهم. في حين أنه من اللافت أن معظم اللاجئين يعبرون عن رضاهم لتأمين التيار الكهربائي الذي «لا يخيّب آمالنا في الآونة الأخيرة».
تملك سناء محل سمانة في المنطقة وتعتمد عليه لتأمين لقمة العيش. ومنذ بدأت الحفريات في «الزاروب» الذي يقع فيه دكانها، لم يعد بوسع أحد أن يزورها ويشتري من محلها. تطالب سناء بالتعويض على أصحاب المحال، الذين «سيتأثرون سلباً بمشروع البنى التحتية، ولن يستطيعوا فتح محالهم إلا بعد الانتهاء منه». وتؤكد أنها تعوّل على العمّال، الذين يتولون عمل الحفريات، لشراء بعض المشروبات الغازية والبسكويت يومياً، كي تجني مبلغاً زهيداً يساعدها على تأمين معيشة عائلتها.
أما ليلى فتؤكد استعدادها للانتظار فترة عشر سنوات، شرط أن يستفيد أهل المخيم من المشروع «ونعيش متل البشر والناس». في الوقت نفسه، ترى أن بعض المصالح تضّررت بسبب المشروع، معتبرة أنه لا حلّ آخر قد يرضي أو يعوّض على أصحاب المحال المتواضعة التي أقفلت أبواب محالها «بانتظار الفرج».
أما يوسف، وهو من سكان المخيم، فقد انتعل جزمة العمل وانضمّ الى الورشة. ويذكر أن المشروع أمّن فرص عمل مؤقتة لعدد من العاطلين من العمل في المخيم للمشاركة في الورش، وهم يتقاضون 25 ألف ليرة لبنانية يومياً، بدوام يبدأ من الثامنة صباحاً وينتهي عند الرابعة من بعد الظهر. إلا أنه يصف الوضع بـ«وجع الرأس»، على أساس أن «توقيت انطلاقة المشروع خاطئ في فصل الشتاء، لأن المياه تطوف وتمتزج بتراب الحفريات». كما أنه، وعلى الرغم من رضاه عن تأمين المشروع فرصة عمل مؤقتة له، فإنه يقول ساخراً: «حكم علينا بالأعمال الشاقة والمؤبدة، ونحن نعمل كل أيام الأسبوع».
في السياق نفسه، تعبّر إحدى القاطنات في المخيم عن فرحتها من انطلاق المشروع. فهي تعيش بالقرب من عمود الكهرباء و«تشتعل الدنيا علينا كلما أمطرت فنترك المنزل ونهرب تجنبّا لأي خطر».
شاتيلا
لا يختلف الوضع في مخيم شاتيلا، وإن كان عدد سكانه أقل من مخيم برج البراجنة. يجتمع عدد من المهندسين في مبنى ما زال قيد الإنشاء في المخيم للإشراف على المشروع . ويشير مديره الى أن المشروع يتطلّب عشرة أشهر، ويتضمن مرحلتين و«تنفذه الأونروا لخدمة جميع السكان». تتركز المرحلة الأولى على تطوير البنى التحتية وتشمل تركيب شبكة صرف صحي، وأخرى لتصريف مياه الأمطار، إضافة إلى شبكة مياه الشرب. وهناك أيضاً إعادة تأهيل الطرق الأساسية بالإسفلت، وكل الأزقة بالباطون. أما المرحلة الثانية فتشمل إنشاء خزان مياه بارتفاع 500 متر مكعب، مع بئر ارتوازي بعمق 500 متر لتغذية شبكة المياه. ويلفت إلى أن المشروع قد أوشك على الانتهاء «ونقوم حالياً بتجهيز الطرق لتزفيتها»، مشيراً إلى أن «السكان قد بدأوا بالاستفادة من خدمة شبكة المجاري».
ويرى فرحات فرحات، وهو مهندس فلسطيني يقطن في المخيم، أن «المشروع يطبّق ضمن المواصفات الموضوعة»، إلا أنه يعتبر أن هناك نقصاً في كمية الإسمنت «مما يجعلها غير مقاومة للجرذان التي قد تفسخها بسهولة».
ومن وجهة نظره كمهندس، يؤكد على نجاح المشروع حتى الساعة، لا سيما أن «أكثر من مئتي منزل لم يعانِ طوفان المياه في آخر مرة انهمر المطر بغزارة».
من جهة ثانية، تشارك بلدية الغبيري في أعمال تعزيز وضع البنى التحتية لمخيم شاتيلا. وخلال اتصال مع «السفير»، يشير رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنساء إلى أن البلدية قامت بكل ما يتوجب عليها في ما يتعلق بموضوع البنى التحتية للمخيم، وتولت مدّ خطين رئيسيين، للصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، من مدخل المخيم من جهة طريق المطار إلى منطقة الرحاب، لتجنّب الفيضانات داخل المخيم، وبالتعاون مع الحكومة الألمانية. ويشدد الخنساء على أن هناك لجنة مكلفة من المخيم للمتابعة مع البلدية باستمرار، وحل مشكلة رمي النفايات والكهرباء وأمور أخرى تتعلق بالبنى التحتية، مشدداً على أنه «لا مشاكل في المجاري والسيول في الوقت الحالي».
«المشي على الزفت»
في داخل المخيم يبني العمال خزان مياه بارتفاع 40 متراً ويقع بين مبنيين تابعيين لوكالة «الأونروا». تعترض إحدى اللاجئات الفلسطينيات لأن «بناء الخزان يحجب النور عن منزلها، ورغم ذلك تنتظر لترى إذا كان أهل المخيم سيستفيدون من مياه الخزان».
يحلّ مشروع البنى التحتية موضوعاً رئيسياً بالنسبة إلى سكان المخيّم. يشيد البعض بالكهرباء التي لطالما خذلتهم لسنوات طويلة، بينما يخشى آخرون أن يكون موضوع تحسين التيار الكهربائي مؤقتاً.
يستعدّ المخيّم لتدشين البنى التحتية التي من المتوقع أن تعزز الأوضاع الاجتماعية لسكانه فتخفف من مشاكلهم اليومية. وفي أحد أزقة المخيم تقوم امرأة مسنّة بتنظيف المياه من أمام محلها. تؤكد أنها اضطرت لوضع حجارة كبيرة أمام محلها لتمنع المياه من الدخول. وتؤكد، في الوقت ذاته، إنها ناشدت المعنيين في المشروع حلّ مشكلتها، والعمل على منع المياه من التجمّع أمام المحل لكن «لا حياة لمن تنادي» كما تقول. غير أنها تتوقف فجأة عن التذمر لافتة إلى أنها ستستحمل أي شيء مقابل «أن نمشي على الزفت».
يضحك أحمد، وهو شاب قد خرج مؤخراً من الجامعة، عند سؤالنا له عن رأيه في المشروع ويقول: «أستطيع العيش من دون كهرباء ومياه، وأنا مستعد لتحمّل رائحة المجاري، لكن لا أتحمّل دقيقة واحدة أن أبقى بلا عمل». ففي نظر أحمد، يجب العمل على حق الفلسطيني في فرص العمل، وتأمين حقوقه الإنسانية والمجنية، مع الشروع في تأهيل البنى التحتية، وربما قبل ذلك.


[center]