لاجئو المخيمات الفلسطينية يستقبلون 2011 .. بلا حماسة

«وين سهران على رأس السنة؟»، هو سؤال يحبه عليّ، الشاب اللاجئ في مخيم برج البراجنة. يقول إنه سؤال مغاير للأسئلة «النكدية» التي يخصصها الصحافيون في العادة للاجئين الفلسطينيين. يُفرح السؤال عليّاً ويجيب عليه بقوله «مع الأصدقاء والعائلة في المخيّم، ولا أعتقد ان هناك مكانا آخر يمكن أن أقصده».
الا أن السؤال نفسه يستفزّ رانية، التي ترد عليه بسؤال «من يهتمّ أين سيسهر الفلسطينيون؟ من يشغل باله بأحوالهم؟». بالنسبة الى رانيا، لن تكون السنة الجديدة إلا سنة إضافية على النكبة و«ليس هناك ضرورة للاحتفال بمأساتنا». تمازحها صديقتها قائلة: «ذكرتيني بهاني شاكر وأغنيته عيد ميلاد جرحي أنا»... تضحك رانية للنكتة وتقول إنها قررت للتو السهر في المنزل والاستماع الى أغنيات .. هاني شاكر.
أما سامح، فهو على موعد، كما في كل سنة، للسهر مع أصدقائه في وسط بيروت حيث يشاهدون الاحتفالات وإطلاق الأسهم النارية. وبسبب التشديدات الأمنية التي تطبق في تلك الليلة، يفضّل سامح عدم الذهاب الى «سوليدير» على متن الدراجة النارية، بل يقصدها بشكل «قانوني»، كونه لا يرغب بإمضاء الليلة مع رجال الأمن. توافقه والدته على الأمر، مؤكدة أن «العناصر الأمنية اللبنانية لا ترحم في تلك الليلة، فكيف إذا كانت الهوية فلسطينية؟».
«غرفة البئر الارتوازية»
في مخيم شاتيلا، تجلس مجموعة من الشبان أمام دكان صغير يدخنون الأراكيل. يصعب فرض الجدّية على كلامهم، فهم يتوقفون عند كل كلمة، مطلقين تعليقات ساخرة، ونكات وضحكات. يبدون كمن يهرب من الإجابة عن سؤال لا يملكون أن يردوا عليهم كما يشتهون. يلفت رائد، وهو موظّف في مصبغة للملابس، الى أنّ برنامج سهرة رأس السنة «هذا العام» هو رهن بأوقات التقنين الكهربائي. ويشرح أنه «إذا كان هناك نور، فسيجمع الشباب المال لتحضير سفرة «غير شكل». أما في حال انقطاع التيار الكهربائي، وبما أن الطقس ليس باردًا، فقد نقصد الروشة لقضاء الليل والعودة صباحًا الى المنزل».
يقترح أحدهم ممازحًا التوجه الى أحد الفنادق الفخمة في الروشة وحضور حفلة يحييها المغني أيمن زبيب. يشرح لأصدقائه «أنه ليس من الضروري الحجز في المكان ودفع ثمن البطاقات، فيمكن متابعة الحفل من مرفأ الدالية».
تغيب الزينة عن المخيم، وتحضر مكانها صور القادة والشهداء الفلسطينيين. في وسط المخيّم، بالقرب من مباني الأونروا، يجلس أشرف لحراسة البئر الإرتوازية التي حفرتها الأونروا، بالتعاون مع الدول المانحة، لتأمين المياه لأبناء المخيّم، ثم اكتشف لاحقًا أن مياهها كبريتية ولا تصلح للاستعمال.
يعمل أشرف كمنفذ خرائط. يقول إن الأوضاع الاقتصادية، اضطرّته الى أن يسكن وأولاده الأربعة في غرفة صغيرة تابعة للبئر، بعدما أجّر منزله الذي لا يملكه أصلا، باعتبار أن الفلسطيني لا يحقّ له التملّك. تخلو غرفة البئر من الأثاث. في المكان كنبتان، وثلاجة فارغة وتلفاز. هناك سيقضي أشرف مع أولاده سهرة رأس السنة. وبالنسبة إليه، لا يكون احتفال إلا بالعودة الى أرض فلسطين.
أما أمين سر لجان نهر البارد طارق السيّد، فيشرح أن نازحي البارد المقيمين حاليًا في شاتيلا، لا يشعرون بحماسة للسهر وهم مهجرون من منازلهم. يقول «إن بوادر السنة الجديدة بالنسبة لأهل البارد لن تظهر قبل شباط المقبل، تاريخ عودتهم الموعودة الى البارد».
«زينة الميلاد في مار الياس»
يختلف المشهد في مخيم مار الياس. فعلى الرغم من أن هموم اللاجئ هي واحدة أينما كان، إلا أن أوضاع ذلك المخيم على صعيد البنى التحتية، تعد أفضل من غيره. ويحتضن المخيّم مجموعة من أبناء الطائفة المسيحية، فتظهر في أزقته شعارات الاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة. تفضّل «أم وليد» عادةّ عدم مغادرة المخيّم في تلك الليلة. حاليًا، تتشحّ الوالدة الثكلى بالسواد حدادًا على ابنها الذي توفي بعد إصابته بمرض السرطان، ولن تحتفل حزنًا على ولدها.
في المنزل المجاور، تشعّ الأنوار المضيئة على شجرة الميلاد. تجلس كريستي بالقرب من الشجرة، وتتصفح الانترنت على حاسوبها الإلكتروني. تقول كريستي إن لديها أقارب في منطقة الضبيه، ومن المتوقع أن تذهب مع عائلتها لزيارتهم.
ومع نهاية العام 2010، وبداية العام الثالث بعد الستين على نكبتهم، يجمع فلسطينيو لبنان على أمنية وحيدة تتمثل في عودتهم الى بلادهم، ويضيفون إليها، على شيء من الحياء، أخرى رديفة تتمثل في إقرار مشاريع قوانين منحهم حقوقهم المدنية، وليس فقط مناقشتها.