«حريرية» ما بعد «البيال»: قراءة بطيئة في الكتاب السوري

عندما اعتلى رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري منبر الخطابة، في «البيال» أمام أكثر من خمسمئة كادر «أزرق»، كان يدرك جيداً أن مقاربته للعلاقات اللبنانية - السورية لن تثير نقزة في صفوف جمهوره. إذ أن أربع زيارات متتالية للعاصمة السورية، كانت كافية لإعادة تعبيد طريق المصنع، ذهاباً وإياباً، استعداداً لـ«التموضع الحريريّ» الجديد، على خط بيروت - دمشق.
هناك من يقول إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تعرف على دمشق وقيادتها منذ مطلع الثمانينيات، لكنه أمضى، في الحكم، أكثر من ست سنوات، قبل أن يتمرّس القراءة بين سطور «الكتاب السياسي السوري»، ويجيد التعامل مع «كتّابه».
بعد أكثر من خمس سنوات «تصادمية»، يستهل نجله هذه المسيرة من نقطة الصفر، وثمة من يراقب جيداً خطابه ومضمون صياغاته الداخلية، في محاولة لإيجاد ترابط منطقي بين «القرار الذي لا عودة عنه» بالانفتاح على القيادة السورية... وبين بعض التوجّهات المناقضة، من نوع بعض الحلفاء وبعض الخطاب وتثبيت بعض الوجوه القيادية من «الصقور الآذارية».
وإذا كانت نصوص «البيال» كما يقول أصحابها، مكمّلة لبعضها البعض، بحيث أن ما غاب عن متن «الخطاب الرئاسي» حضر في التوصيات الختامية، التي تنتظر الأوراق التفصيلية التنفيذية، فإن بعض المنتقدين لم يوفروا «اتهاماتهم»، للنص «الجوهري»، بأنه لم يكن على قدر الحدث التأسيسي الذي يفترض تقديم وثيقة متكاملة، عميقة بطروحاتها، قادرة على الإجابة على حاجات الصيغة اللبنانية للتماسك ولنصوص تكتب للتاريخ. كما لم يخاطب، الجمهور الذي توجّه إليه، ذلك أن التوصيات النهائية قاربت الحياد في طروحاتها الخارجية من الصراع العربي - الإسرائيلي باستنادها إلى المبادرة العربية للسلام التي لم يبق منها شيء.
لم يعترف الحريري بنظر بعض المواكبين للعلاقات اللبنانية - السورية، أن اندفاعته السياسية السابقة ولو نشأت على «دم» والده، كانت في معظمها خاطئة، أو تعبيراً عن التزام سياسي أثبت عدم قدرته على ضمان «سلامته السياسية». وقد تجاهل العمل المقاوم في خطابه، خالطاً بين هذا المفهوم المتوارث في وجدان الشارع السنيّ، ورمزيته، وبين الخلاف الداخلي مع المقاومة حول المحكمة الدولية، وهو بذلك يساهم في تكريس الانقسام السابق متجاهلاً وقائع ثبت بالملموس أنه لا يستطيع تخطّيها، خاصة أن المقاومة عنوان مبدئيّ وتاريخي في وجدان المسلمين وتحديداً السنّة.
ولذلك، يعتقد هؤلاء أن السياسة لا تبنى على اليوميات بل على الأولويات، مهما كان الخلاف حول المحكمة الدولية ومهما كانت القراءات مختلفة. وما التفاصيل «البيالية» إلا ترجمة لخطاب «مياومي»، وانعكاس لسوء قراءة التحوّلات في المنطقة.
وفي تقييم هؤلاء، فقد أظهر الحريري ضعفاً في قراءة «الكتاب السوري»، وفي «التقاط» استراتيجية قيادته التي تعتمد على التلميح... من دون فرض «دفتر شروط». ورغم ذلك، فإن المواكبين للعلاقات اللبنانية - السورية لا يطرحون سيناريو الافتراق بين «العشاق الجدد»، إذ قد لا يؤثر هذا الأداء في مجرى العلاقات وفي شكلها تحديداً، ولكنه قد يفرض تمديداً «للمهل الزمنية» المطلوبة لتوثيق عرى العلاقات الحريرية - الدمشقية.
في تقدير «المستقبليين» أن العلاقات بين «تيار المستقبل» والقيادة السورية، ليست هي الأساس، لأن علاقة الدولتين هي حجر الزاوية الذي يمكن البناء عليه. ويوم قرر الحريري فتح صفحة جديدة مع «الشام»، حصل ذلك بناء على معطيات إقليمية ودولية، ورسوخ القناعة بأنه لا يمكن للبنان تأمين استقراره إلا من خلال تصحيح العلاقات مع دمشق، إلى جانب القناعة التي بدأت تترسّخ لدى القيادة السورية خلال السنتين الأخيرتين، بالتعامل مع لبنان كدولة وليس ساحة، وهي أيضاً من العوامل التي ساهمت في تحسين العلاقة.
لا يجوز بنظر «المستقبليين»، الربط العضوي بين «حزب الله» والمقاومة، أو بالأحرى اختزال الثانية بالأولى، وقد نصّت التوصيات السياسية للمؤتمر على الارتباط بالقضية الفلسطينية، و«المقاومة العسكرية إذا دعت الحاجة»، علماً بأن العلاقة مع «حزب الله» تخضع لقواعد العلاقات مع المكوّنات الداخلية، وإن كان له دور أساسي في التحرير إلا انه لا يختزل كلّ المقاومة، بالنتيجة أيضاً، لا انفصام بالشخصية بين خطاب «المستقبل» وطروحات قوى 14 آذار.
للقيادة «الزرقاء» حصّتها من النقد، لكونها لم تحمل الصدمة الإيجابية المنتظرة، بعدما أعادت «القديم إلى قدمه» مع بعض التحسينات الشكلية، التي أتت بوجوه مغمورة إلى الواجهة الأمامية. ويفنّد المعترضون «القائمة الزرقاء»، بالإشارة إلى أن بعض الوجوه «العتيقة» تحيطها دائرة من الشكوك حول أدائها، بعضها الآخر موروث من زمن الفوضى التنظيمية، والبعض الثالث امتداد لعهد الاشتباك مع سوريا، ولعلّ هذه الفئة هي الأكثر جذباً للتساؤلات حول مدى انعكاس «تكريمها» تنظيمياً، على مستقبل العلاقة مع دمشق.
«ليس المطلوب الاختيار بين تكريمهم أو معاقبتهم»، كما يرى بعض المعترضين، وإنما استراتيجية «تطويعهم» أو تحويلهم إلى رموز «موالاة»، هي بدائية، وغير ملمّة في أصول التعاطي مع القيادة السورية. إذ يعتقد الحريري، بنظر هؤلاء، أن الموازنة بين خطاب متقّدم والإبقاء على «الصقور الزرقاء»، من شأنه أن يعفيه من «كأس» تهميشهم «المرّ».
إن الوجوه التي كانت تنطق خلال الفترة الماضية باسم «التيار» أو قوى 14 آذار على حدّ سواء، هي جزء من «تيار المستقبل»، كما يعتبر «المستقبليون»، وبالتالي فإن المحافظة عليها ضمن الأطر التنظيمية، تؤكد أن التغيير المرحلي لا يعني التخلّي عن هذه الوجوه، التي قام على أساسها، وإنما يعكس التلاقي في وسط الطريق بين الفريقين، والذي بلغته العلاقات المشتركة.
لا يمكن للرئيس الحريري إلا التصرّف كقائد لتيار واسع، ولهذا من الطبيعي أن تتفهّم القيادة السورية هذه الخصوصية، وهذا الواقع، علماً بأن العلاقات بين الدول لا تبنى على أساس وجود أشخاص ضمن التركيبة الحزبية، أو خارجها.
فقد كان «خطاب البيال»، برأي أصحابه، كافياً للتعبير عن توجّه القيادة و«التيار»، إلا أن حرية التعبير لا تزال مصونة ضمن المجموعة، لكونه حزباً غير شمولي، ولكل شخص أسلوبه في تقديم وجهة نظره، التي تبقى تحت سقف التوجّه العام.
كلير شكر

» قراءة هادئة لمسيرة حقوق الفلسطينيين
» قراءة إسرائيليّة في «حرب الخطابين»
» ءاداب قراءة القرءان
» قراءة في أحداث «أبي حيدر» ورسائلها
» قراءة مفصلة لوسائل الإعلام الإسرائيلية