بعد حلّ الميليشيات أيّ حلّ للسلاح؟

كريستينا شطح

لا يزال لبنان، الذي عانى من حرب اهلية طاحنة استمرت ما يقرب من خمسة عشر عاما، يواجه حتى اليوم ظاهرة انتشار الاسلحة غير المرخصة، وذلك في ظل تعدد الميليشيات والفصائل المسلحة وغياب التشريعات القانونية التي تتيح للمواطنين الحصول على ترخيص الاسلحة التي بحوزتهم او حتى تسليمها دون الخوف من عواقب قانونية وبالتالي فان عمليات النقل اللامسؤولة للمعدات العسكرية والامنية، وما يرتبط بها من تجهيزات عبر حدود الدول، خير دليل على ما وصل اليه لبنان في اقتناء السلاح واستخدامه حتى وصل الامر الى وجود اكثر من مليوني قطعة سلاح موزعة على الاراضي اللبنانية، ما يعني ان السلاح موجود في كل مكان وعند كل الاطراف.

تخطى ملف الاسلحة في لبنان اطاره السياسي ليدخل في افق المصالح والاستراتيجيات الدولية بحيث لم يعد السلاح مجرد قطعة للدفاع عن الذات او ضد العدو وانما تعدى مفهومه العسكري باشواط ليشمل اليوم المناسبات السياسية والاجتماعية برمتها، من ابتهاج الى تظاهرات واحتجاجات، وصولا الى الافراح والاحزان..

حطيط
العميد الركن المتقاعد والخبير العسكري امين حطيط لفت في حديث لـ«الديار» الى انه عندما نبحث في السلاح يجب ان نحدد اي سلاح نقصد لان السلاح فئات ولبنان عرف كل فئات السلاح التي تستعمل في البر من المسدس الى المدفع والصاروخ وبالتالي يجب ان نحدد ماذا نقصد بعبارة السلاح فاذا كان القصد الاسلحة المواترة الخفية (البندقية، المسدس) فهذا يعني اننا نتحدث عن وجود السلاح على كامل الاراضي اللبنانية بحيث اننا في رصد سابق تمكنا من التوصل الى قناعة ان نسبة 80% من اللبنانيين يقتانون الاسلحة الفردية (البندقية، المسدس) ومن هنا يتبين لنا ان السلاح يشكل خاصة من خصائص كل بيت لبناني.

اما عن الاسلحة المتوسطة فلفت حطيط الى اننا في الحديث عن الاسلحة المتوسطة والقذائف الصاروخية ندخل الى تسليح الاحزاب والتنظيمات واعتقد ان الجميع على قناعة تامة وبحسب خبرتنا ورصدنا ان كل التنظيمات اللبنانية تمتلك مثل هذا السلاح بشكل متفاوت منها ما هو مشبع بها ومنها ما هو مالك لما يمكنه من العمل العسكري في مراكز محددة.
اما اذا وصلنا الى الفئة الثالثة وهي الاسلحة المنحنية والصواريخ فهذا من حيث الظاهر لا يوجد الا لدى المقاومة الاسلامية والفلسطينيين ولكن بعد اتفاق الطائف وبعد تسليم اسلحة الميليشيات الى الجيش من المعتقد ان التنظيمات الرئيسية التي كانت مشتركة في الحرب الاهلية احتفظت بقدر من هذه الاسلحة بعيدا عن الانظار وهناك تسريبات غير مقطوع بصحتها ولكن تمتلك عناصر هامة لجهة قبول صحتها وتقول ان اعادة تسليح حصلت من قبل احزاب لبنانية بعد العام 2006 بالاسلحة المنحنية والاسلحة الثقيلة لمواجهة المقاومة.
واوضح حطيط في حديثه انه يجب التمييز بين نوعين من السلاح: سلاح المقاومة والسلاح الميلشياوي فثقل سلاح المقاومة يتركز في المناطق التي تحتضن المقاومة بعيدا عن الاماكن الاهلة ولكن لا يمكن ان نحدد مكان وجود هذا السلاح لاعتبارات تتعلق بامن المقاومة وبالتالي يمكن تصور وجود سلاح مقاوم خارج ما ذكرناه، فالسلاح مودع في مراكز ومخازن بعيدة عن مراقبة العدو وفي الامكنة التي يراها المقاومون امنة لسلاحهم.
اما السلاح الفلسطيني فموجود في المخيمات الفلسطينية كلها وبدرجات متفاوتة اضافة الى مناطق في البقاع وفي الناعمة خارج المخيمات، وبالنسبة الى السلاح الميليشياوي وسلاح الفئة الاولى فهو موجود على كامل الاراضي اللبنانية من الشمال الى الجنوب ومن بيروت الى البقاع وتزداد كثافته حسب الثقل الديموغرافي لهذا الحزب او ذاك.
ورأى حطيط ان هناك اخطاء في المفاهيم في لبنان لناحية توصيف شرعية السلاح ولاشرعيته، وهنا يجب ان نميّز بين السلاح الرسمي والسلاح غير الرسمي او السلاح الاميري والسلاح الخاص، بين سلاح خاص شرعي وسلاح خاص غير مشروع.

فالسلاح الرسمي هو سلاح القوى العسكرية التي تأتمر بامرة الدولة من جيش وامن داخلي وبالتالي فان مشروعيته ثابتة بحكم الدستور والقوانين وبالنسبة للسلاح الخاص غير الاميري فهو فئتان: فئة سلاح المقاومة وتستمد شرعيتها من الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس وهذه الشرعية لا يستطيع ان ينتزعها احد سواء كان في موقع رسمي او لم يكن والصراخ والتهويل حول هذه الشرعية لا يقدّم ولا يؤخر في الامر.
اما الفئة الثانية المشروعة ايضا فهو السلاح الفردي الخاص المرخص من قبل الدولة وقد يكون الترخيص لاشخاص طبيعيين او لشركات امنية ويعد كل سلاح خارج عن هذا التقسيم هو سلاح غير شرعي.
وردا على سؤال اكد حطيط انه ليس باستطاعة المجلس الاعلى للدفاع ولا حتى الحكومة اللبنانية ولو اجتمعت ان تحلّ مسألة السلاح لاعتبار رئيسي ان لبنان حتى الان لم ينشىء دولة والذي يحمل الجنسية اللبنانية لم يصل حتى الان الى حالة اطمئنان بان هناك دولة تحميه فمن حيث الحماية فنحن بحاجة الى جهد كبير تبذله الجهات الرسمية حتى يقتنع اللبناني بانه في دائرة امنة على نفسه وماله وعرضه ومن جهة الحقوق الكل يعلم ان اللبناني لا ينال حقوقه مع غيره من اللبنانيين، والنظرة الى الدولة في لبنان هي النظرة الى البقرة الحلوب التي يأتي الكل اليها للاخذ ولا احد يفكر في العطاء.
وحمّل حطيط مسألة تفشي السلاح الى عدم وجود الدولة وضعف اجهزتها السياسية قبل الامنية لان الامن اولا هو صناعة السياسيين ودور العسكريين هو في حفظه ولهذا يركز دائما عند مقاربة الامر على القرار والوفاق السياسي.
وعن مسألة تنظيم السلاح اشار حطيط الى ان مسألة تنظيم السلاح يمكن ان تقارب من جهة واحدة وهي التشدد في تطبيق قانون القضاء العسكري وقانون العقوبات وقانون الاسلحة والذخائر لجهة السلاح الظاهر في اعمال العنف فان فعلنا ذلك فان ذلك يؤدي الى ردع مالكي السلاح لان هناك فئة تتحرك بقرار خارجي وتخشى على نفسها من عدم تحقيق اهدافها سلما وكان اختيارها ان تختزن السلاح وتعمد الى ايقاع المقاومة في افخاخ لتشتبك معها لتسقط عن المقاومة مشروعية سلاحها وهذا ما يخطط له اجنبيا.
حطيط دعا الى الاعتراف بالاخر والى الوفاق لانهما الحل لبناء دولة، بدءا من الاقتناع بقاعدة اساسية وذهبية تقول انه لا يمكن نزع السلاح انما يمكن خلق الظرف الذي يجعل مالك السلاح مقتنعا بعدم الحاجة اليه عند ذلك يتحول السلاح الى عبء على صاحبه فيتركه.

قاطيشا
وعلى خط مواز اوضح العميد المتقاعد والخبير العسكري وهبي قاطيشا في حديث لـ«الديار» ان السلاح الفردي موجود في لبنان مع وجود اللبنانيين لان المجموعات اللبنانية هي مجموعات اقليات وكانت معرضة للاجتياحات لذلك كان على كل لبناني ان يتملك السلاح للدفاع عن النفس معتبرا ان السلاح الفردي الذي يحتفظ به اللبنانيون لا يشكل خطرا على السلم الاهلي لانه يبقى بحوزة الافراد ويستخدم من فرد الى فرد.
وقد أثبت التاريخ أن الأسلحة التي يحتفظ بها اللبنانيون في بيوتهم لم تشكّل يوما خطرا على السلم الاهلي ولا كينونة وهيبة الدولة انما عندما يصبح حملة هذا السلاح مكودرين ومنتظمين في وحدات هرمية تنفيذ أوامر من مسؤولين يتحول السلاح الى ميليشيا وهذا الامر ينال من هيبة الدولة وسطوتها وقد يؤدي ذلك الى حرب اهلية داخلية اذا ما حاول فرقاء اخرون تنظيم ميليشيا موازية مما يضعف دور الدولة وهيبتها وقد يفقدها سبب وجودها لتتحول الى دويلات متناحرة، ومن هنا نقول ان السلاح الفردي الذي يقتنيه اللبناني في منزله لا يشكل خطرا على السلم الاهلي انما كودرة هذا السلاح هو الذي يهدد الامن في البلاد خصوصا اذا اضيف اليه ترسانة كبيرة من الاسلحة بسبب سرعة القيادة والسيطرة التي يتمتعون بها» وعلى سبيل المثال حادثة برج ابي حيدر فلو لم يكن هناك ميليشيات مكودرة ومنظمة لما انتشرت الفوضى على نصف مساحة بيروت في ظرف دقائق ولكانت الحادثة بقيت بين افراد معدودين، ولعل انتشار المسلحين بانتظام دليل على العمل الميليشياوي المؤتمر من وحدات هرمية تعطي اوامر وتسيطر على الشارع».
وأكد قاطيشا ان السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح الجيش اللبناني وقوى الأمن وما عدا ذلك فهو غير شرعي ومن هنا أرى انه لا يمكن تنظيم السلاح في لبنان بل يجب حل الميليشيات لأن السلم الاهلي مهدد بالتنظيمات العسكرية، وهنا يجب ان يدرك حزب الله ان سلاحه عبء عليه وعلى الدولة اللبنانية».
ورأى قاطيشا ان حل مسألة السلاح بحاجة الى توافق سياسي مجددا تأكيده ان «هذا السلاح يمنع قيام الدولة بحيث يفقد التوازن الداخلي ويؤدي الى تعطيل وشل المؤسسات كما حصل في الوقت السابق».

أسود
من جهة اخرى اعتبر عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب زياد اسود ان «شعار بيروت منزوعة السلاح» مبدأ نقيض للدولة لأنه يهدف الى تجزئة مفهوم السيادة ومفهوم بسط الدولة سلطتها الأمنية على كافة الأراضي اللبنانية، وهذا الشعار برأيي ينمّ عن عدم امكانية تحمّل المسؤولية من قبل من يتولى السلطة السياسية في هذا البلد لاستدراك الحوادث ولخلق مفاهيم جديدة احد منها مخالف للقانون والدستور والسيادة ويدلّ ايضاً على محاولة الهروب الى الأمام من قبل من يجب ان يمسك بزمام الامور، مشددا على أنه في ظلّ تقاعس هذه السلطة من الصعب ضبط مسألة السلاح».
وطرح أسود علامات استفهام حول اهداف هذا السلاح، مصدره، تمويله مجدداً تأكيده بأن «شعار بيروت مدينة منزوعة السلاح يناقض ما يسمّى بالاستراتيجية الدفاعية لأن الأخيرة تبحث في كيفية الدفاع عن لبنان وهي لم تقارن ما بين سلاح المقاومة الذي هو ضروري كعنصر اساسي لقيام استراتيجية وما بين سلاح فلتان، غير منضبط، موجود ولا قدرة علينا لمعرفة هويتهم ووجهة استعماله».
وعن معاقبة تجار الأسلحة أوضح أسود بأن هناك قوانين تنصّ على معاقبة من يوزّع السلاح ولكن غياب الدولة هو الذي ينسف القانون ويسمح بتوزيع السلاح على كافة الاراضي اللبنانية لأن الدولة نقيض نفسها ومن يتولى المسؤولية ايضاً هو نقيض ذاته، فهو موجود ولا قدرة له في ممارسة أبسط مسؤولياته في السلطة السياسية».
ودعا أسود في حديثه الى عدم خلق توازن اعلامي ما بين سلاح المقاومة والسلاح الموزع حديثاً المجهول المصدر لأن وجهة سلاح المقاومة هي محاربة اسرائيل ولأن خلق هذا النوع من التوازن يؤدي الى ضرب مصداقية هذا السلاح، وهذا جزء من لعبة سياسية لضرب المقاومة بحدّ ذاتها».
وأكد أسود ان انعقاد المجلس الاعلى للدفاع دون جدوى لأنه عاجز عن تنفيذ آليته التي يضعها في كل جلسة يعقدها وهنا يمكن تشبيهه بحبة الـ «panadol» لافتا الى ان المجلس لا قرار له في تنفيذ آليته بل بحاجة الى قرار سياسي لضبط الوضع على كل المستويات يتخذه من الحكومة اللبنانية بحيث انها الحاضنة لكل السلطات الفرعية بما فيه مجلس الدفاع وبالتالي ان المسؤولية هنا عمودية وعلى الحكومة اللبنانية ان تتحمل مسؤولياتها السياسية فهناك حكومات تستقيل برمتها عند حدوث مثل هذه الحوادث.
وعن مسألة تنظيم السلاح اعتبر أسود انه من غير المألوف ان تعمم السلطة مبدأ تنظيم السلاح بدلاً من سحبه لأنه يشجع على امتلاك السلاح وتغطية استعماله بواسطة فئات قد تكون احد اهدافها ضرب الدولة، وبالتالي ليس هناك ما يسمى بتنظيم السلاح بل لمّ السلاح ولكن الثقافة السياسية المحكمة في البلاد سمحت للناس ان يتقبلوا هذا المفهوم».

الجسر
بدوره اعتبر رئيس لجنة الدفاع النيابية النائب سمير الجسر ان شعار بيروت مدينة منزوعة السلاح يشكل قناعة لدينا اكثر من شعار وعلينا محاولة اقناع الجميع واصرارهم على اعلان بيروت مدينة خالية السلاح»، سائلا: «لماذا السلاح داخل بيروت فلا وجود لعمل مقاوم داخل العاصمة»، مطالباً بـ«حل جذري لموضوع السلاح في العاصمة وليس بحل موقت وحصره بيد السلطة الأمنية الرسمية التي عليها مسؤولية حماية الأرض والشعب والوطن».
واعتبر الجسر أن «حجم السلاح الذي استعمل خلال الاحداث الاخيرة في بيروت، وحجم الخراب الذي تسبب به هذا السلاح، وعدد القتلى الذين سقطوا جراءه، يدعو الى التساؤل عن وضعه وعن سبب وجوده واستعماله في العاصمة».
الجسر الذي اكد ان «للمجلس الاعلى الدفاع دور كبير في ضبط الوضع على الارض ولعل الاجراءات المشددة في التفتيش التي تتخذها القوى الامنية في كل المناطق اللبنانية وتحديداً في بيروت خير دليل على ذلك» لافتا الى ان السلاح الفردي لا يشكل خطرا بل هو بحاجة الى ضوابط اذ ان هناك ترخيص بحيازة السلاح وترخيص بحمل السلاح وهذا النوع من الترخيص يكون للأشخاص التي تفرض عليهم ظروف حياتهم وعملهم حمل السلاح».
وردا على سؤال اوضح الجسر ان «لا قوانين مطروحة على لجنة الدفاع النيابية حتى الآن ولا حتى اقتراحات لا من قبل الحكومة ولا من الزملاء النواب لمعالجة موضوع السلاح في لبنان».

» الميليشيات الصفوية وتغيير تكتيك استهداف السنة والفلسطينيين في العراق
» تقرير خارجية اميركا لـ2009: لبنان لا يحرز تقدما بنزع سلاح الميليشيات
» دبسي: عباس أكد مرارا أن القرار للبنانيين بالنسبة للسلاح الفلسطيني
» مصادر لبنانية: انفجار في مستودع للسلاح تابع لحزب الله
» القاهرة: خبراء يحذرون من خطورة استمرار امتلاك إسرائيل للسلاح النووي