تعدد الفصائل الفلسطينية خدمة للقضية أم عبء عليها؟

تختلف القراءات لتعدد الفصائل الفلسطينية، ويتناقض تقييمها بين من يقرأ فيها مؤشرا على شيوع الوعي بين عموم الشعب الفلسطيني على اختلاف مستوياته واتجاهاته الفكرية والإيديولوجية وإجماعه على خدمة قضيته، قضية التحرير، بطرق مختلفة وأدوات نضالية وفكرية وإيديولوجية متعددة، وبين من يرى في الظاهرة نوعا من التشرذم و"القَـبلية" السياسية، عوضت غياب القبلية الحقيقية عن المجتمع الفلسطيني وأفسدت تناغمه الذي ميزه رغم تعدد الديانات داخله.

ويستدلد أصحاب هذا الرأي بالنتائج المحققة على الأرض إذ يسجل تصاعد في الانقسام الفلسطيني الداخلي على أساس فصائلي، وتتراجع القضية الفلسطينية ومستويات خدمتها سواء بالنضال على الأرض أو خدمة صورتها إعلاميا وكسب الأنصار لها بين شعوب العالم، حيث تراجعت صورة الفلسطينيين المتضامنين الملتفين حول قضيتهم، تاركة المكان لصورة المختلفين المتناحرين الذين لا يوفرون في بعض الأحيان أية وسيلة للإساءة إلى بعضهم البعض.

غير أن الفصائلية الفلسطينية، تبدو –كما هي القضية الفلسطسنية عموما- صدى وانعكاسا لصورة التشرذم العربي، ويظهر ذلك خصوصا في ظهور فصائل فلسطينية على ارتباط فكري وحتى مادي ببعض النظم العربية.

ومع أي حديث عن الفصائل الفلسطينية تحضر إلى الذهن كل من حركتي فتح وحماس، نظرا لكثافة حضورهما على ساحة الفعل السياسي الفلسطيني. غير أنه توجد فصائل أخرى تختلف في الحجم والوزن، وبعضها له تاريخ حافل في النضال دفاعا عن القضية.

وأحد أكبر الفصائل الفلسطينية وأكثرها تأثيرا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وهي ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. تأسست عام 1967 كامتداد للفرع الفلسطيني من حركة القوميين العرب، على يد مجموعة من قياديي القوميين العرب وبعض المنظمات الفلسطينية التي كانت منتشرة في حينه وعلى رأسهم مؤسسها وأمينها العام السابق د. جورج حبش ومصطفى الزبري المعروف بأبو علي مصطفى ووديع حداد وأحمد اليماني وحسين حمود "أبو أسعد" ومحمد القاضي الذي تنحى برضاه عن عمله في منتصف سبعينات القرن العشرين.

انضمت "الجبهة الشعبية" إلى منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968، وكان امينها العام منذ التأسيس وحتى عام 2000 هو جورج حبش، حيث تنحى واستلم أبو علي مصطفى منصب الامين العام من بعده حتى تاريخ اغتياله في 27 اغسطس 2001 ليستلم منصب الامين العام احمد سعدات الذي اعتقل في سجن اريحا الفلسطيني ووضع تحت حراسة رجال أمن بريطانيين وأمريكان، ومن ثم اقتحمت إسرائيل السجن، واختطفت سعدات، لتوجه له تهمة التآمر في اغتيال وزير اسرائيلي.

اشتهرت الجبهة في حقبة السبعينات بعمليات خطف الطائرات ونسف المطارات واقتحام ونسف السفارات واغتيال القيادة الإسرائيلية. والجبهة الشعبية كانت أول من ابتكر خطف الطائرات وتعتبر ليلى خالد المنتمية للجبهة أول امرأة تختطف طائرة في العالم.

ومن أهم المحطات التي مرت بها الجبهة الشعبية خلال انتفاضة الأقصى 2000 حادثة اغتيال امينها العام أبو على مصطفى في 28 - 7 - 2001 الذي ردت عليه باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في هذه عملية من أهم العمليات التي أوجعت إسرائيل.

تعتبر الجبهة الشعبية من ابرز التنظيمات اليسارية الراديكالية والتي تتبنى الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، وقد اشتهرت برفضها للاتفاقيات التي تراها تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني منذ نشأتها وقد عارضت بشدة في فترة السبعينات اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، كما عارضت وبشدة الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل المتمثلة باتفاقية اوسلو وما تمخض عنها.

وتعد الجبهة الشعبية أول فصائل المقاومة من حيث الاعمال النوعية، فهي أول من استخدم سلاح خطف الطائرات ومبادلة الأسرى، بقيادة وديع حداد وليلى خالد، وأول من استخدم قذائف الهاون ضد مستوطنات إسرائيل من القطاع وأول من أطلق الصواريخ حيث تعتبر صواريخ صمود وجراد من أول الصواريخ التي أطلقت على مستعمرات إسرائيلية.

وهي أول من قتل مسؤولا اسرائييليا من الصف الأول حينما اغتالت الوزير المتشدد رحبعام زئيفي صاحب نظرية التهجير، كما أن الجبهة الشعبية استطاعت استقطاب مقاتلين من مختلف أنحاء العالم على اعتبار ان القضية الفلسطينية قضية اممية، فنفذت مع الجيش الاحمر الياباني عملية مطار اللد، وكان الفنزويلي كارلوس والجواتيمالي أغويريو مثالا على الثوار الذين التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية من مختلف أنحاء الأرض.

أيضا من أهم الفصائل على الساحة الفلسطينية "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وهي فصيل خرج من رحم الجبهة الجبهة الشعبية في مطلع عام 1970 حين قام نايف حواتمة بالانشقاق على خلفية الاعتراض على طريقة قيادة جورج حبش للجبهة.

عارضت الجبهة الديمقراطية جميع الحلول السلمية، وقرارَيْ مجلس الأمن رقمَي 242 و338.

وكان رأي نايف حواتمة، في أحداث الأردن، في السبعينيات "أن حل المشكلة في الأردن، يتمثّل في إقامة جبهة وطنية فلسطينية ـ أردنية، تسترد، بالكفاح الشعبي المسلح، حقوق شعب فلسطين، وحقوق سكان الضفة الغربية للأردن. وتقيم حكومة وطنية ديمقراطية، في عمّان". وفي مؤتمر آب-اغسطس 1968 فاز المجددون في الانتخابات وكان على رئسهم نايف حواتمة فقد اخذ جناح حواتمة اليساري عشرة مقاعد مقابل ستة مقاعد للقوميين بزعامة جورج حبش.

لقد أيدت الجبهة الديمقراطية انطلاقة الكفاح المسلح الفلسطيني "حركة فتح" عام 1965. وتبنت استراتيجية الحرب الشعبية الطويلة الأمد، المستندة إلى ثلاثة أعمدة، هي: الكفاح المسلح، النضال السياسي، والنضال الجماهيري. كذلك، دعت، في بيان بمناسبة الذكرى الثانية لتأسيسها، إلى توحيد منظمات المقاومة الفلسطينية، بارتباطها ببناء الجبهة الأردنية ـ الفلسطينية؛ وذلك من أجل مواجهة الدعوات إلى الحل السلمي، ومحاولات القضاء على المقاومة. وقد كانت الجبهة أول من اسس المؤسسات الشبابية والاجتماعيه والنقابات في الاراضي المحتلة.

وعارضت الجبهة فكرة الدولة الفلسطينية، المقترح إنشاؤها على جزء من أرض فلسطين؛ ورأت أنه لا يشكل حلاً جدياً، ولا يفي بحقوق الشعب الفلسطيني. وأكدت أن الحقوق القومية لشعب فلسطين لن تُستَوْفى كاملة، إلا عند تحرير كامل التراب الوطني. كذلك، استنكرت، في بيان، في 26 أغسطس 1971، مشروع الحكم الذاتي في الضفة الغربية، الذي طالب به بعض سياسيي تلك الضفة؛ متهمة إياه بإشاعة التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، في العودة وحق تقرير المصير وتحرير الأرض برمّتها.

وغير بعيد عن الجبهتين الشعبية والديمقراطية، توجد "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة". وهو تنظيم فلسطيني أسسه أحمد جبريل سنة 1968 بعد انفصاله عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعرف هو الآخر انشقاقا سنة 1977 بقيادة أبو العباس وطلعت يعقوب الذين شكلا جبهة التحرير الفلسطينية.

طغى الجانب العسكري على عمل الجبهة رغم حجمها الصغير نسبيا مقارنة بالفصائل الأخرى. وقامت بعدة عمليات نوعية ضد إسرائيل كما أنها خاضت معارك ضارية ضد ميليشيات الجبهة اللبنانية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

في العام 1959 أسس أحمد جبريل مع علي بشناق تنظيماً تحت اسم جبهة التحرير الفلسطينية، مارس نوعاً من الإعداد العسكري المكثف بحكم تكوين جبريل العسكري كونه كان ضابطاً في الجيش السوري، وقد فصل جبريل من الجيش في العام 1963 بتهمة سرقة أسلحة من الجيش لتزويد تنظيمه بدون أن تثبت عليه التهمة.

أعلنت هذه الجبهة عن نفسها في 11 - 04 - 1965 أي بعد حوالي أربعة أشهر ونصف من بداية حركة فتح. وقد حاول جبريل دمج تنظيمه بتنظيم فتح غير أن هذا الاندماج لم يصمد سوى بضعة أشهر.

وبتأثير هزيمة حزيران تداعت ثلاثة فصائل فلسطينية هي "شباب الثأر" التي كانت بمثابة التنظيم العسكري الفلسطيني لحركة القوميين العرب بقيادة د.جورج حبش، وتنظيم أبطال العودة، وتنظيم جبهة التحرير الفلسطينية ليشكلوا معاً ائتلاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتسلم جبريل مسؤولية العمل العسكري فيه. غير أن مسيرة هذا الائتلاف قد تعثرت نتيجة خلافات تنظيمية وسياسية فانسحب أحمد جبريل مع مجموعته في 10 – 10 - 1968 غير أنه تمسك بالاسم مضيفاً إليه عبارة "القيادة العامة" ليصبح "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة".

وخارج هذه العائلة الفصائلية اليسارية والقومية نجد "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، وهي تنظيم فلسطيني مناهض لاتفاقية أوسلو تأسس في سبعينيات القرن العشرين على يد فتحي الشقاقي. وله جماهيرية معتبرة في فلسطين. قامت سرايا القدس جناحها العسكري بعدة عمليات استشهادية أثناء انتفاضة الأقصى.

ولا تشارك الحركة في العملية السياسية إذ قاطعت الانتخابات التشريعية سنة 2006. أمينها العام الحالي رمضان عبد الله شلح أما نائب الأمين العام فهو زياد نخلة. وتهدف الحركة إلى "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر"، كما يرد في أدبياتها.

كانت نشأة حركة الجهاد الإسلامي ثمرة حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية اواخر السبعينات من القرن الماضي وقادته مجموعه من الشباب الفلسطينى فـي أثناء وجودهم للدارسة الجامعية فـي مصر وكان على رأسهم مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي.

في أوائل الثمانينات وبعد عودة الشقاقي وعدد من زملائه إلى فلسطيـن تم بناء القاعدة التنظيمية لحركة الجهاد الإسلامي فـي فلسطين وبدأ التنظيم بخوض غمار التبعئة الشعبية والسياسية فـي الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح كحل يراه وحيدا لتحرير فلسطيـن.

وباعتبار طابعها الاسلامي تعتبر الحركة "فلسطيـن ـ من النهر إلى البحر ـ أرضا إسلامية عربية يحرّم شرعا التفريط فـي أي شبر منها، والكيان الصهيوني وجود باطل، يحرّم شرعا الاعتراف به على أي جزء منها".

إلى ذلك تحجم حركة الجهاد الإسلامي عن المشاركة في الانتخابات الفلسطينية باعتبارها جزءا من عملية التسوية مع الكيان الصهيوني، و"المجلس التشريعي" انشئ بموجب اتفاق أوسلو فهو إذن في نظر الحركة نتاج أوسلو، ومحكوم بسقفه، بل هو أحد المؤسسات التي أنشئت وصممت لتنفيذ الاتفاق.

إضافة إلى ما سبق توجد على الساحة الفلسطينية تنظيمات أقل شهرة على غرار "جبهة التحرير العربية" وهي عبارة عن تنظيم فلسطيني قومي موال لحزب البعث العراقي تأسس سنة 1969.

وتعد الجبهة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لكن ليس لها وجود مكثف في الأراضي الفلسطينية على عكس العراق حيث كان ثقلها الحقيقي في أوساط الجالية الفلسطينية.

وخاضت معارك طاحنة مع حركة أمل إبان الحرب الأهلية اللبنانية. أمينها العام هو ركاد سالم أعتقل من قبل إسرائيل عام 2002 وأطلق سراحه في 2007. وبعد إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أعلنت الجبهة عن تشكيل جهاز عسكري مقاتل باسم "كتائب الشهيد صدام حسين" في صلب قوات القدس - كتائب التحرير جناحها العسكري. ولا تشارك الجبهة في الانتخابات ويبقى هدفها "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" ومن أشهر قياداتها الراحل عبد الرحيم أحمد أبو أحمد الذي توفي في الأردن نتيجه مرض السرطان.

أما "جبهة النضال الشعبي الفلسطيني"، فعبارة عن تنظيم يساري ينتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، تأسس سنة 1967. وأصبحت الجبهة منظمة تابعة لحركة فتح سنة 1971 لكنها سرعان ما استعادت استقلاليتها، وذلك على اثر انضمام المناضل بهجت أبو غربية ذي الرصيد الجهادي منذ نكبة 1948.

شاركت الجبهة في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982. وشهدت سنة 1992 عدة خلافات بين قياديها أدت إلى حصول انشقاق الجبهة إلى تنظيمين.

كذلك نشط على الساحة الفلسطينية تنظيم يعرف بـ"حزب الشعب الفلسطيني" وهو حزب اشتراكي شكل امتداداً للحزب الشيوعي الفلسطيني السابق.

أعيد تأسيس الحزب في 10 فبراير عام 1982. ومع أن هذا التنظيم يبدو أصغر الفصائل فإن المفارقة أن تعود جذوره تعود إلى عشرينات القرن العشرين وبالتالي فهو أعرق حزب فلسطيني.

ويقول الحزب في أدبياته إنه "يناضل بالتعاون مع سائر القوى الوطنية والتقدمية الفلسطينية، من اجل توطيد الوحدة الوطنية، وتأمين حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ الخامس من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس العربية، ومن اجل الاختيار الديمقراطي الحر لطريق تطوره اللاحق، بما ينسجم مع مصالحه في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشامل، وترسيخ العدالة الاجتماعية والحريات الديمقراطية، وصيانة حقوق الإنسان ومصالح الفئات الشعبية المختلفة، وتأمين ارفع أشكال المساواة في الحقوق والواجبات".

إن هدف تحرير أرض فلسطين هو الهدف الجامع لمختلف الفصائل الفلسطينية، وتأتي الاختلافات في الوسائل وما يلحق بذلك الهدف الكبير من أهداف جزئية. كما برز إلى السطح مع تقدم السنوات اختلاف جوهري في تحديد "ماهي فلسطين"؛ الوطن التاريخي المحتل بدءا من 1948 أم الأراضي المحتلة بعد 1967. هذا على المستوى النظري أما على المستوى العملي فقد تاهت فصائل فلسطينية أو على الأقل شخصيات فيها عن هدف التحرير وأصبحت قيادات أقرب إلى موظفين يرددون شعارات ويتقاضون رواتب ومنحا من جهات توظفهم سياسيا.

» الحص: كيف سيتقبل الشعب العربي ربع حل للقضية الفلسطينية؟
» بركة: نعتبر أن امن لبنان واستقراره هما قوة للقضية الفلسطينية
» المجموعة العربية باليونسكو تنتصر للقضية الفلسطينية
» الرئيس مبارك يطالب بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية
» العاهل الأردني: لن نقبل بأي حل للقضية الفلسطينية على حساب المملكة