سامي يترك ابن عمه يتدبر أمر «جمهوره».. و«القوات» تحشد لـ«حكيمها» نديم الجميل: سوريا مسؤولة عن الاغتيالات من بشير إلى رفيق!

ملامح الشاب وشقيقته الداخلين لتوهما إلى صحن كاتدرائية سيدة الأيقونة العجائبية في الاشرفية، تختزن الكثير من ملامح الأطفال الباقية. ملامح هادئة تبدو دائماً على وشك الابتسام بوداعة. ونظرات مذهولة وخجل لطيف. بريئان يضيف إلى ملمحهما الطفولي أناقة شديدة تشي باهتمام بالغ لوالدة من اللواتي يحطن بأولادهن كما تحيط الطيور بصغارها. والدة تكاد، لولا أنهما كبرا على ذلك، التقطتهما كل واحد من يد، كي تحميهما من «أولاد الحي الآخر» ومن أي مكروه.
هذان يمنى ونديم، يتذكران في الرابع عشر من أيلول والدهما بشير الجميل، رئيس الجمهورية المنتخب، يقتله الانفجار في بيت الكتائب الذي يسقط عليه ويسحق الرئيس الطموح ورفاقه الكتائبيين. انفجار في موقع غير بعيد عن الكنيسة في الاشرفية نفسها. هما آتيان ليتذكرا الأب الذي هو نفسه «حلم الجمهورية»، إن ببزة عسكرية أو بأخرى رسمية. دخولهما الكنيسة يعني بدء القداس. في انتظارهما على مقاعد الصفوف الأولى، يجلس الرئيس الأسبق أمين الجميل ونجله سامي وأفراد كثر آخرون من العائلة. ليس بعيداً النائبة ستريدا جعجع بقامتها الفارعة وابتسامتها الواثقة وتبرجها المدروس. حول هؤلاء نواب ووزراء حاليون وسابقون في غالبهم من 14 آذار، باستثناء هاغوب بقرادونيان من «الطاشناق»، وعلى كرسيين أمام الجميع الوزير إبراهيم نجار ممثلاً رئيسي الجمهورية والنواب، والوزير ميشال فرعون ممثلاً رئيس الحكومة. وكان لافتاً غياب «بيارتة» المستقبل باستثناء عاطف مجدلاني والوزير الأرمني جان أوغاسبيان.
الكتائب الرسمية موجودة. كذلك القوات مع جمهورين مدروسين. المناصرون في قاعة الكنيسة مرتاحون. لا أحد مضطر إلى الوقوف ولا إلى الجلوس محشوراً. كثرة المنظمين والمرافقين لا تصنع ازدحاماً.
كما في الداخل، كذلك في الباحة الصغيرة المفروشة بكراسي بلاستيكية بيضاء يشغلها وقوفاً، مراهقون وعشرينيون بالعشرات. يرفعون أعلام الكتائب التي يتكوم على كرسي الكثير منها. أعلام القوات موجودة بدورها مع أن التقليد جرى بأن تكون هذه الذكرى كتائبية. غير أن أقل ما يقال عن الحشد في الكنيسة وباحتها والشارع، إنه ليس بحجم المناسبة. لم يحشد الحزب كما ينبغي للذكرى التي ينفرد ابن الكتائب وابن شهيدها بإلقاء الكلمة وبالتصدي للضوء. هذا حضور تستطيعه مؤسسة بشير الجميل وحدها. أما الرئيس الاسبق ونجله، فاجتهدا في المجيء من دون بث الحماسة في قواعد الحزب.
تُرك نديم ليتدبر حجم جمهوره. فكان الفراغ قاسياً في الساحة التي تطوّع القواتيون لملئها، بينما القداس يمضي ببطء، كان الجمهور الموحد على القضية ينقسم جمهورين يتنافسان ضمنياً في الهتافات للقوات والحكيم من جهة، وللكتائب والوزير بيار الجميل وشقيقه سامي من جهة ثانية. معركة ودية الغلبة فيها، للجمهور الضيف على المناسبة الكتائبية، يؤكد مراراً وتكراراً أن «وحدها القوات اللبنانية هي التي تحمي الأشرفية».
في طقس غير مؤاتٍ لأصغر نائب في الجمهورية، بين قوتين، إحداهما تبدو كمن تعتبر المناسبة عائلية خاصة، والثانية القواتية ترسل عديداً هدفه الهتاف للحكيم، تحدث نديم الجميل بلطف فتى صغير يلقي خطاباً على مسرح المدرسة، يصفق له الكبار ويبتسمون لارتباكه المحبب إذ يتحدث بفصحى يتعلّمها حديثاً. كما لا تبدو مقنعة المواقف الفضفاضة عليه، يواجه بها حزب الله وإيران وسوريا، وهو غير قادر على الإحاطة بالجمهور الذي يلقي كلامه فيه. هذا الجمهور الذي قاطعه إما للهتاف ضد حزب الله والسيد حسن نصر الله أو للهتاف باسم «الحكيم» سمير جعجع.
وكما من يصل إلى الحفلة في نهايتها فيبالغ في افتعال البهجة بالتلويح بالساعدين في كل اتجاه كي يثير الحماسة إلى الرقص مجدداً. حاول نديم أن يتقدم على الموقف بالضجيج الذي اثاره ابن عمه قبل أيام. قال: «تخاصمنا مع دول عديدة، وتحالفنا مع دول مختلفة، لكننا لم نكن يوماً إلا مع لبنان أولا. إن وجود لبنان ومسؤوليتنا في الدفاع عن هذا الوجود، يتخطيان كل الحدود والمعايير. فلا يزايدن أحد علينا. فعندما يهدد الخطر لبنان والوجود المسيحي الحر فيه، تسقط كل التحفظات وكل المعايير. فسؤالنا لمن يتهمنا: هل الدفاع عن إيران، وبسلاح اسرائيلي، بحربها ضد العراق عام 1985 أمر مقبول؟ وهل كان حكام إيران خونة، عندما دافعوا عن إيران بالسلاح الإسرائيلي؟ وهل كان الامام الخميني عميلاً؟».
لا بأس بأن يجرب نديم لفت الانتباه، بالسقف العالي لكلام بدا أكبر من سنه. كذلك فعل في ترداد بضعة مواويل يطرب الجمهور لتكرارها، وعلى طريقة «الحكيم» مثل: «اللبنانيون اختاروا لبنان أولا، أما حزب الله، فإيران أولا، اللبنانيون اختاروا الدولة، أما هو فالدويلة، اللبنانيون اختاروا السلام، أما هو فالحرب، اللبنانيون اختاروا سلاح الدولة، أما حزب الله فاختار دولة السلاح».
أما هجومه على سوريا، ففُسّر في لحظته هجوماً ضد الحليف المظلة الواقية سعد الحريري. قال إن «أي تقصير للدولة بكامل أجهزتها في التصدي للأخطار التي تواجه لبنان، يفتح أبواباً تهدد الاستقرار في لبنان، وتمهد لعودة الحرب الأهلية. التصدي للمؤامرات يتم بتغليب القرار الوطني الحر على أي قرار آخر لا بعودة الضغوط الخارجية، سورية كانت أم إيرانية. خلافنا مع سوريا بدأ وسيبقى مع استمرار المشروع السوري للهيمنة على لبنان. تحقيق مشروع الهيمنة هذا، اقتضى اغتيال بشير الجميل وكمال جنبلاط ورينيه معوض. كما اقتضى أيضا اغتيال رفيق الحريري وشهداء «ثورة الأرز» ونحمل سوريا مسؤولية كل الاغتيالات»(تصفيق). واعتبر ان «أي حل للإشكالات اللبنانية السورية يتطلب: أولا، تخلي سوريا ولمرة أخيرة عن مشروعها وحلمها بضم لبنان. ثانيا، تغيير ذهنية التعاطي مع لبنان دولة وشعباً. ثالثا، إطلاق المعتقلين اللبنانيين لديها. رابعا، حسم موضوع الحدود المشتركة. وتسليم قاتل بشير الجميل إلى القضاء اللبناني».
اما ما تبقى من كلام الجميل، فكان طرحاً مستعاداً لوجهة نظره من تجربة والده التي انشرخ اللبنانيون حولها نصفين في حينه، وما زال ذكرها يستدعي أحكاماً جذرية حولها، على طرفي نقيض، وليس من نقاط تلاق بينها. ورأي الابن بتجربة الوالد الذي كني هذه السنة باسم «حلم الجمهورية»، ستشوبه عاطفة شديدة.
كذلك على الارجح كانت قراءة رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر ممثل الكاردينال نصرالله صفير الذي القى عظة طويلة قال فيها: «جاء بشير من الحرب إلى السلام، وتحول من متكلم باسم فئة من اللبنانيين إلى رئيس لهم جميعاً بكل طوائفهم وكل مناطقهم دون استثناء. وانتزع وطنه انتزاعاً من لعبة الأمم التي حوّلته يومها إلى مساحة تجاذب بين الشرق والغرب، قسمت جغرافيته بين نفوذين دوليين ومصلحتين متضاربتين».
تجربة الجميل نقاش يطول، غير أن ذكرى اغتيال الرئيس وليس تجربته، كانت عنواناً ليوم أمس في الأشرفية الذي كان يوم الاب والابن في الاشرفية، شاركهما فيه، بشكل أو بآخر، ابن العم والحكيم. شراكة جعلت ملامح نديم الجميل تشبه معظم وقت امس، علامات الاسئلة التي ترسم على وجوه الاطفال الأبرياء.. وله أن ينتظر من يكمل خطابه في الخامس والعشرين من أيلول من جونية.

» تصاعد الاغتيالات في سوريا: هل دخلت الأزمة مرحلة جديدة؟
» الجميل: سوريا تسعى للسيطرة على مقدّرات لبنان بمساعدة "حزب الله"
» عبد الحليم خدام: من الصعب حدوث انقلاب عسكري في سوريا ولكن القوات المسلحة ستتفكك
» نديم شحادة لـ"المستقبل": نرفض مقايضة السلاح الفلسطيني بالحقوق
» اسرائيل:بيرتس يترك حزب العمل ويفكر بالالنحاق بــ كاديما