هل يخذل التعليم التنمية ويخيب الآمال؟؟/ الحلقة الخامسة

فيما تناولت الحلقة السابقة من سلسلة التقارير المتعلقة بأهم المشاكل والتحديات التي تواجه قطاع التعليم العالي الفلسطيني أهم المشاكل الأكاديمية، والإدارية التي تعانيها مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، فإن الحلقة الخامسة منها، تركز على إشكالية دخول مفهوم الربح والتجارة إلى واحدة من أهم مقومات المجتمع وأهم قطاعاته الحيوية (التعليم).

ويتناول مراسلنا جيفارا سمارة في حلقته الخامسة، مشكلة الخلط بين التعليم 'المفتوح' كواحد من من أشكال التعليم العالي، وبين 'التعلم بالمراسلة' كأسلوب لزيادة المعرفة، لا كطريق من طرق التحصيل الأكاديمي، من الوقوف على آراء وانتقادات المسؤولين والمختصين في هذا المجال.

ويعد التعليم المفتوح شكلا أساسيا من إشكال التعليم العالي في العالم، إذ يدرس في اعرق الجامعات وأفضلهن عالميا كجزء أصيل من التعليم العالي.

ويفرق الأكاديميون والمختصون، بين شكلين من إشكال تحصيل 'المعرفة' في هذا المجال، بين تعليم مفتوح (وهو تعليم لا يتطلب حضورا مكثف ويومي) يخضع فيه الطالب للشروط العلمية الدقيقة والمنهجية وعلى أسس أكاديمية بحتة، بإشراف محاضر مختص، وبقاعة محاضرات يملؤها التحضير، وأوراق العمل، والنقاش، والأبحاث.

وبين شكل آخر يتم بالمراسلة، يمارسه الطالب من بيته أو من مكان عمله، في حين أن الجهة التي تعطي الشهادة تكون في دولة أخرى مختلفة، تكون الشبكة العنكوبتية 'الانترنت' مثلا، وسيلة للتواصل بينهما.

ويرى المختصون أن التعليم المفتوح يستوي مع التعليم المنتظم، من الناحية الأكاديمية من خلال شهادة جامعية تعطيه القدرة على التعامل مع ظروف العمل المختلفة، وفقا لما اكتسبه من تفكير تحليلي ونقدي عبر سنوات الدراسة، وقدرة اكتسبها الطالب من الاحتكاك المباشر من نقاشات وتفاعلات سواء في الحرم الجامعي أو في قاعة الصف، تؤهل الطالب لهذه الظروف.

فيما يعتبر المختصون أن التعلم بالمراسلة، تعلم يأتي في سياق توسيع القاعدة الثقافية والمعرفية لا تقتصر على الطلبة المؤهلين (أصحاب المعدلات التي تسمح بدخول الجامعات) فقط بل هو أمر متاح للجميع، يتحصل بعدها المتلقي على شهادة 'فخرية' لا أكثر، ولا تؤهل حاملها للعمل على أساس أكاديمي، لغياب ما ورد أعلاه من متطلبات كأساس علمي وعملي لهذه الشهادة.

أهمية التكنولوجيا في التعليم

ويقول رئيس الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية في وزارة التربية والتعليم، د.محمد السبوع، 'إن فلسفة التعليم اليوم سواء العام أو العالي تقوم على مبدأ التعلم أكثر من التعليم، اعتمادا على وسائل اتصال متعددة منها الانترنت، وهذا أمر مهم وحيوي ينمي القدرات العلمية لأي إنسان وليس للطلبة فقط، والتعلم بالمراسلة جيد، ولكن ضمن هذا الإطار'.

ويضيف السبوع 'متطلبات العصر زادت، والاحتياجات تغيرت، ودخل في العملية التعليمة ليس الطالب والمعلم فقط وإنما مختلف إشكال 'الملتيميديا' (وسائل الاتصال) وهذا أمر فعال ومهم، كشرط من شروط التقدم في عصر سمته السرعة والمعرفة والإنتاج'.

ويدلل السبوع على السعي لإدخال هذه التكنولوجيا إلى الجامعات الفلسطينية، بقوله 'الآن بدأنا نعمل على نظام يسمى 'التعلم المدمج'، بحيث يكون بعد كل 3 لقاءات صفية وجه لوجه في مساق ما لقاء عن بعد عبر شبكة الانترنت، وهذا الأمر لا يزال في طور التجربة ينفذ في أكثر من جامعة لما له من أهمية'.

تسلل التجارة إلى قطاع التعليم

ويوضح السبوع مسألة مهمة وحساسة، قائلا، 'لست ضد التعلم عن بعد، بل ضد الممارسات الخاطئة وسوء الاستخدام، فالتعلم عن بعد، وكذلك المفتوح أيضا لهما ضوابط ومعايير لا بد إتباعها، وتتمثل بداية في معرفة المزود (الجهة المقدمة للتعليم)، والمنهاج، والكادر والذي يجب أن يكون متخصصا وتتوفر فيه مهارات وقدرات خاصة لهذا النوع من التعليم'.

ويقول 'في فلسطين لدينا اكبر نسبة تعليم مفتوح في يكاد يصل إلى 50% من عدد الطلبة تقريبا من طلبة التعليم المفتوح، وهو تعليم شأنه شأن باقي مؤسسات التعليم العالي في الوطن، بحاجة إلى وقفة ومراجعة، ولكنه على الأقل يخضع للرقابة وللشروط التي تسنها وتضعها هيئة الجودة والنوعية'.

ويضيف 'ولكن المشكلة في التعلم بالمراسلة في فلسطين انه شيء تجاري، لا يخضع لا للشروط ولا للقوانين المتبعة، وأي شهادة صادرة عنه هي شهادة لا تصدق ولا تعادل لافتقارها للشروط المطلوبة في التعليم العالي'.

وكانت السفارة الفلسطينية لدى هولندا نشرت في شهر حزيران/يونيو الماضي، تحذيرات من مغبة الالتحاق بجامعات 'تتاجر بالشهادات الجامعية وليس لها وجود على أرض الواقع إلا على شبكة الانترنت'.

سبقها تحقيق لإذاعة هولندا الحرة، حذر مما سماه 'جامعات عربية تتناسل دون اعتراف، يقوم عليها مجموعة أساتذة، حصلوا على درجاتهم العلمية دون أي مجهود علمي وبمقابل مادي، وفي تخصصات حساسة ومهمة، عدا عن اجتماع أكثر من جامعة منها في غرفة واحدة'.



ويشير التقرير إلى انه 'لا يوجد في القانون الهولندي ما يمنع إشهار أي مؤسسة من هذا النوع، فالأمر(وبحسب الإذاعة أيضا) لا يحتاج إلا لحوالي 50 يورو تدفع في غرفة التجارة، وخلال ربع ساعة يمكنك أن تصبح رئيسا لجامعة بهكذا مقاييس'.

ويتابع السبوع 'التعليم المفتوح ليس قراءة وحفظ وتلقين فقط وإنما أبحاث ونقاش.. وغيره من أساليب التعليم العالي، ولكن هناك فرق بين التعليم من اجل العمل وتعلم لمجرد التعلم، فحتى الدراسات العليا تتطلب أن يقيم الطالب 8 أشهر في الخارج، وان كان البعض يرى أن هذه الفترة غير ضرورية، إلا أنها تتيح للطالب التواصل المباشر سواء مع المسؤولين عن رسالته، أو لناحية توفر الكتب والمراجع'.

ويقول رئيس الجامعة المفتوحة د.يونس عمرو، 'إن إشكالية الحفظ والتلقين، وغياب الإبداع والابتكار، هي أمور يعاني منها التعليم العالي كله في فلسطين، ولكن هذا بالتأكيد أفضل من تعلم لا يخضع لأي شكل من إشكال الضوابط والأكاديمية'.

ويضيف عمرو 'في التعليم المفتوح يوجد لدينا 3 مرتكزات أساسية تتضمن: اللقاءات الصفية أو المكتبي وهو أمر مهم وإلزامي، عدا عن الوسائط التعليمية كالكتاب، والذي هو مؤلف بطريقة منهجية خاصة بالتعليم المفتوح، ثم الوسائط الكترونية كالغرف الصفية الافتراضية عبر شبكة الانترنت يعطيها أساتذة مختصون ومؤهلون لمثل لهذا النوع من التعليم'.

ويتابع 'التعليم الالكتروني يساعد الطالب وهو في بيته عبر محاضرة مباشرة، يكون فيها تواصل حي وأسئلة وأجوبة ونقاشات، ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن اللقاءات الصفية والتي تتضمن برامج محددة، تلزم كل أستاذ بإعطاء 10 لقاءات مكتبية في الأسبوع، وهذا أمر يفتقر إليه التعلم بالمراسلة'.

غياب رسمي

وتنص الفقرتان 11و12 من المادة 5 من قانون التعليم العالي لعام 1998، 'انه ووفقاً لأحكام هذا القانون تتولى وزارة التربية والتعليم الصلاحيات والمسؤوليات التالية: الفقرة 11 الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي العربية والأجنبية وتشكيل اللجان المختصة بذاك وتنظيم أعمال مكاتب خدمات الطلبة والإشراف على شؤونها ونشر الجداول الخاصة بأسماء وعناوين الجامعات المعترف بها وأي تعديل يطرأ عليها، الفقرة 12 تحديد الشروط التي يسمح بموجبها لمؤسسات التعليم العالي الأجنبية فتح فروع أو مؤسسات لها في فلسطين ومنحها الرخص اللازمة لمزاولة عملها'.

وعند السؤال عن غياب الرقابة على مثل هذه الجامعات العاملة في فلسطين بموجب مقتضى القانون، يشير وكيل مساعد وزارة التربية والتعليم العالي د. فاهوم شلبي، إلى أن هذه الجامعات لم تخضع لتعليمات الاعتماد والترخيص الصادرة عن وزارة التربية، وأنها تعمل بشكل غير شرعي'.

ويضيف شلبي 'الوزارة حذرت الطلبة أكثر من مرة بأنها لا تعترف بشهادة هذه الجامعات، وطالبتهم بعدم الإقبال عليها، وأنها (التربية) رفعت هذا الأمر إلى الجهات المختصة، وبعد ذلك فان مسؤولية التنفيذ لا تقع على عاتقنا فنحن لسنا جهة تنفيذية'.

ويؤكد السبوع على ما سبق، بقوله 'رفعنا كتاب منذ حوالي السنتين إلى الجهات المختصة، جاء فيه: 'إن هناك من يطلق على نفسه اسم جامعة ويعمل في فلسطين بلا ترخيص'.

ويقول 'للأسف فان بعض المكاتب التابعة لهذه الجامعات يعمل في فلسطين ومنذ عام 2003'.