جورج ميتشل مبعوث الإدارة الأمريكية للسلام في المنطقة زار سورية عدة مرات هذا العام وأكمل بها جملة الزيارات التي قام بها رسميون أمريكيون ووفود كونجرس لدمشق على مدار العام ومنذ وصول باراك أوباما لكرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
في ظل الحديث عن تغيرات نوعية في سياسة البيت الأبيض تجاه قضايا المنطقة واحتدام النقاش حول حجم هذه التغييرات والآمال التي يمكن البناء عليها ومنها العلاقات السورية الأمريكية جاءت قرارات الخارجية باستمرار العقوبات على سورية وإبقائها على لائحة الدول الداعمة للإرهاب رغم إيجابية ما أعلنه بعض مسؤولي البلدين حول صيرورة هذه العلاقات والأفق المفتوح لتحسينها والاستفادة منها لعلاج قضايا المنطقة.
إن وصول السيد ميتشل لسورية بعد إرغام الطرف الفلسطيني على العودة للمفاوضات المباشرة دون قيد أو شرط يعني أن الإدارة الأمريكية جادة في البحث عن حلول عملية لمعضلات المنطقة التي تحتاج كما يعلم الجميع لتعاون سوري طالما أكدت عليه القيادة السورية التي تعتبر نفسها جزءً من الحل وليس من المشكلة كما كان يحلو وصفها من جانب أمريكا في عهد بوش الصغير، فلماذا الحل الآن وما الهدف من هذه الزيارات؟.
لا يخفى على المتابع لمجريات السياسة الأمريكية وموقفها تجاه سورية رغبتها الملحة في رؤية تغيرات نوعية في المواقف السورية تعتقد الإدارة الأمريكية أنها قد تساعدها على إنجاز حلول 'منصفة' لقضايا المنطقة أو بالحد الأدنى التعاون السوري في طي الملف الإيراني بطريقة ناجعة وسلمية إن أمكن وكذلك في الملف العراقي مقابل تسليم هذه الإدارة بوجود حق سوري واضح في استعادة الجولان والإقرار بدورها المحوري في المنطقة والكف عن التدخل غير الشرعي في شؤونها.
الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر قام بعدة زيارات أيضاً لدمشق أعرب أثناءها عن اعتقاده بأن العلاقات بين بلاده وسورية سوف تتطور إيجاباً في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما وقال أن ' الإدارة الأمريكية راغبة في تطوير هذه العلاقة كون سورية لاعب أساسي في المنطقة '.ويتذكر المتابع للمواقف الأمريكية وردود فعلها تجاه سورية أن تعقيبها على انتهاء موجة التحريض والحصار على سورية اتسم دائماً بالتحفظ والمطالبة أن تنهي سورية علاقتها الاستراتيجية مع إيران وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
سورية من جانبها قابلت كل إشارة أمريكية إيجابية تجاهها برد إيجابي إلى الحد الذي طالبت فيه علناً برعاية أمريكية لمفاوضات مباشرة بينها وبين الدولة العبرية لتحقيق السلام على أساس انسحاب إسرائيلي كامل من مرتفعات الجولان السورية وحل المشكلة الفلسطينية على أسس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
الملاحظ أنه رغم ثقة سورية في صدق نوايا الرئيس الأمريكي باراك أوباما (وهو ما جاء على لسان أكثر من مسؤول سوري من بينهم وزير الخارجية وليد المعلم) إلا أنها تدرك وتعلن أن قدرة الرجل على تجسيد نواياه محدودة وأن اللوبي الصهيوني في أمريكا يملك القدرة على عرقلة توجهاته الأمر الذي أثبتت الأيام صدقيته وتجلى بوضوح في معالجة الشأن الفلسطيني والاستيطان الاسرائيلي حيث بلع أوباما كافة وعوده السابقة بالنسبة لتطبيق القانون والضغط باتجاه وقف الاستيطان وكذلك تجاه تطوير علاقات بلده مع سورية على أسس جديدة تخلو من التهديد والتحريض ومحاولات فرض الهيمنة.
برغم ما سبق ورغم المحاولات الأمريكية بين وقت وآخر لإثارة مشاكل معينة في وجه سورية كقصة المفاعل النووي السوري وغيره من الملفات المفتوحة، إلا أن الأمريكيين لا زالوا يحاولون كسب الموقف السوري إلى جانبهم في عدة عناوين وقضايا خاصة فيما يتعلق بالشأن الإيراني وملفه النووي.
ليس خافياً أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يركزان في أولوياتهما على ما أسمياه الخطر النووي الإيراني، وقد قامت الولايات المتحدة بكل ما من شأنه فرض الحصار على إيران لثنيها عن إجراء عمليات التخصيب المؤدية لإنتاج وقود نووي يمكن استخدامه في صناعة الأسلحة النووية، الأمر الذي لم ينجح حتى الآن وبالتالي فإن البديل عند هؤلاء هو العمل العسكري الذي رأينا شواهده المتعددة في حركة أمريكية نشطة تجاه دول المنطقة ومن بينها سورية الحليف الأقرب لإيران في المنطقة.
إن الإغراءات التي تقدمها أمريكا لسورية سواء فيما يخص وعود الحل السلمي في المنطقة أو في علاقاتها العربية والدولية كما المعونة الاقتصادية لا تستهدف وضع العلاقات بين الدولتين على سكتها الصحيحة والتي تعني احترام كل دولة للأخرى من منطلق الإقرار بحقه في خياراته وتوجهاته وطرق تحقيقها طالما كانت تحت مظلة الشرعية الدولية، بل تستهدف التمهيد للحرب بكل أسف.
إن تسخير العلاقات الدولية بالعموم لخدمة أهداف العدوان الأمريكي على أي دولة واستطراداً على إيران لا يمكن أن يصب في خدمة هدف السلام الذي تعلنه أمريكا على الملأ صباح مساء، وإن الأغلبية من المراقبين والمحللين يرون أن الهدف من التحركات الأمريكية بما في ذلك مفاوضات الفلسطينيين والإسرائيليين والانسحاب الشكلي من العراق و كذلك التقرب من سورية يتعلق بالتحضير لشن الحرب على إيران.
الحرب على الجمهورية الإسلامية ليس نزهة، وإيران ليست جمهورية موز في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، ولو كان الأمر سهلاً لقامت أمريكا وإسرائيل بالعدوان عليها منذ زمن بعيد، كما أن الألاعيب الأمريكية ليست خافية على أحد وخاصة سورية التي تدرك أن ضرب إيران سينتج واقعاً مختلفاً ليس لصالح سورية والعرب عموماً، ولذلك سيفشل الأمريكيون في تغيير التوازنات الإقليمية وهذا شيء إيجابي لأنه سيعرقل مشاريع الحرب أو يؤخر وقوعها بالحد الأدنى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]