أسد الثورة الفلسطينية: سعد صايل

الكاتب: يحيى يخلف
تحل هذه الايام الذكرى الثامنة والعشرين لرحيل القائد الوطني، سعد صايل (أبو الوليد) الذي ينتمي إلى جيل العمالقة، ذلك الجيل الذي بنى مداميك الثورة المسلحة، وأضاء شعلة الكفاح الفلسطيني، وأنار لفلسطين دروب الحرية.

انه القائد العسكري الفذ، الذي امتلك الخبرة العسكرية من خلال تجاربه النظرية والعملية، ومن خلال اكتسابه المهارات الابداعية للعلوم العسكرية التي درسها في أكبر وأهم الكليات المتخصصة وخاصة (كلية سانت هيرتز للعلوم العسكرية)، وفي دورات عسكرية في بريطانيا، ومصر، والعراق، والولايات المتحدة، اشتملت على الهندسة، والدفاع الجوي، وتصميم الجسور، والأركان. والمتتبع لمسيرته العسكرية منذ ان التحق بالجيش الأردني وتخرج من الكلية العسكرية متخصصاً بالهندسة إلى حين التحاقه بحركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح، يلاحظ اتساع حجم المعارف العسكرية التي اكتسبها، والتي أهلته لشغل مواقع قيادية عليا، منها قيادة قوات اليرموك، ورئيس العمليات المركزية لقوات الثورة، وقائد القوات المشتركة، وعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح.

عاش أغنى وأثرى مراحل النضال الفلسطيني، عاش مرحلة العصر الذهبي للكفاح المسلح، وكان شاهداً ومشاركاً في الانجازات العسكرية التي تحققت على جبهة الصراع مع العدو، وحقق وهو يقود جنباً إلى جانب مع ياسر عرفات، وخليل الوزير بشكل مبدع شعار(العمل العسكري يزرع، والعمل السياسي يحصد)، واستطاع ان يطور نظرية العمل العسكري، وان يعمل على تأهيل وتدريب جيل من المقاتلين الأفذاذ، ويثري خبراتهم، ويخلق منهم قادة ميدانيين.
وكان هذا القائد الكبير يتمتع في مجال اختصاصه بشخصية قيادية عزّ نظيرها، كما كان يتمتع بقوة أخلاقية جعلته موضع احترام ومحبة وتقدير كل قادته وجنوده الأوفياء من فتح وفصائل الثورة الفلسطينية، وكل أبناء شعبه الذين عرفوه في مواقع الثورة كافة، وفي جميع مخيمات لبنان..

وكان له حضور مميز في كل المعارك التي خاضتها الثورة في جنوب لبنان، عندما كانت الصحافة العالمية تصف ذلك الميدان بمصطلح (فتح لاند)، مثلما كان له حضور مميز على الساحة الأردنية عام 1968، حين شارك هو ورفاقه الضباط الأردنيين ومن موقعه آنذاك كقائد للواء الحسين بن علي في معركة الكرامة، فتح ورفاقه من القادة والضباط الأردنيين سلاح المدفعية وأوقع ذلك خسائر فادحة في القوات الإسرائيلية، وشكل دعماً مكّن قوات الثورة الفلسطينية من دحر العدوان وتحقيق أول نصر عسكري على الإسرائيليين بعد حرب حزيران.

ولعل الدور المشهود له، كان في حرب 1982 على كل الجبهات، وخاصة جبهة بيروت، حين أدار من غرفة العمليات المقاومة الباسلة والشجاعة لقوات الثورة، والقوات المشتركة، وحقق المقاتل الفلسطيني اسطورة صمود، فعجزت القوات الإسرائيلية الغازية من تحقيق أي تقدم على مختلف الجبهات والمحاور، فكان الصمود في بيروت النموذج والأمثولة.

وبعد الخروج من بيروت، انتقل القائد الكبير سعد صايل إلى مواقع الثورة الفلسطينية في منطقة البقاع، وواصل دوره في إعادة التنظيم والتأهيل والتموضع، وعاش بين المقاتلين قائداً عسكرياً، وموجهاً سياسياً، ومخططاً استراتيجياً لديمومة الثورة، وشعلة الكفاح.

وفي يوم الاثنين الموافق27/9/1982، ووافق ذلك أول أيام عيد الاضحى، استطاع عملاء إسرائيل التمكن منه، واطلاق النار عليه، فاستشهد في الميدان وهو يحمل الرسالة والراية.

وهكذا غاب أسد الثورة الفلسطينية، وأحد أبرز الرموز التي أنجبتها العسكرية الفلسطينية المجيدة.

في ذكرى رجل عظيم يجب أن نأخذ العظة والعبرة، وان نبحث عن كل عناصر القوة فينا، وان نتعلم من جيل الآباء المؤسسين، جيل العمالقة، وان نوثق تاريخهم، وتاريخ الثورة الفلسطينية، خاصة وان الأهم والغنى من هذا التاريخ لم يدوّن، ولم يكتب، ولا تعرفه الأجيال الجديدة.

ان ذكرى غياب القادة والرموز يجب ان تحفزنا لتعزيز قيم وثقافة التحرر الوطني، وإعادة الاعتبار إلى القوة الأخلاقية التي كانت الرافعة لبنيتنا السياسية، والتنظيمية والعسكرية.

ولعلها مناسبة، لكي نذكر قيادات فتح الراهنه بضرورة تواصل الحركة مع تاريخها، وايقاف المحاولات البائسة التي تحاول عمل قطيعة مع هذا التاريخ، فحركة فتح هي سيرورة تاريخية، كان عمادها قامات قيادية عالية، تغشى الوغى، وتعف عند المكاسب والمغانم الشخصية، حركة فتح هي تاريخ متصل صنعه الفقراء، والبسطاء، وأبناء البلد، ونخب من المثقفين والمفكرين والمنظرين، والكوادر القيادية التي لم تنجب نظيراً لها أي حركة تحرر في العالم.

ذكرى رحيل الشهيد القائد سعد صايل وغيره من القادة الأفذاذ يجب الاّ تمر مرور الكرام، والاّ تمر دون ان يذكرها أحد، فالحركات السياسية لا تستطيع ان تتجدد وتتطور وتحافظ على مكانتها وموقعها القيادي إذا لم تستلهم من رموزها الأمثولة والعظة والعبرة بما يعزز هويتها، ويساهم في نهوضها.

» الصحف الفلسطينية تناصر الثورة
» «الثورة الفلسطينية في لبنان...»لعزالدين المناصرة
» مخيمات صور تحتفل بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية
» قصة منظمة التحرير الفلسطينية.. أو عندما يصنع المال الثورة ثم يدمرها
» ممثل منظمة التحرير في لبنان زار مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في شاتيلا