فلسطين تشارك في الجزء رفيع المستوى للدورة الـ13 لمجلس حقوق الإنسان

شارك وزير الخارجية د. رياض المالكي وبعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف في الجزء رفيع المستوى لدورة مجلس حقوق الإنسان الـ13، وذلك بحضور عدد كبير من رؤساء ووزراء الدول.

وتعتبر هذه الجلسة من الجلسات الهامة، وذلك لوجود العديد من القضايا موضع الاهتمام خاصة القضايا المدرجة في إطار البند السابع المتعلق بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، والتي أهمها متابعة تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة الدولية لتقصي الحقائق (تقرير جولدستون)، وأربعة مشاريع قرارات تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والمستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والقرار الخاص بالممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومشروع القرار الخاص بتنفيذ ومتابعة تنفيذ توصيات جولدستون.

كما يندرج تحت البند السابع تقارير هامة سيتم مناقشتها كالتقرير الدوري الثاني للمفوضة السامية لحقوق الإنسان حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين، وتقرير الأمين العام بان كي مون الخاص بمتابعة قرار الجمعية العامة الأخير حول التحقيقات الداخلية ومؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة لاتفاقية جنيف الرابعة، وتقرير خاص بالنساء الفلسطينيات الحوامل من اللواتي يضعن على الحواجز العسكرية.

وأعرب د. رياض المالكي في كلمة له بالدورة، عن سعادته لمشاركته في هذا الجزء رفيع المستوى من أعمال الدورة الثالثة عشر لمجلس حقوق الإنسان، ونقل تحيات القيادة الفلسطينية وتضامن الشعب الفلسطيني ودعمه الكامل لكافة الجهود المبذولة في سبيل تعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع دون تفرقة أو تمييز استنادا للعرق أو الجنس أو اللون أو الديانة.

وقال المالكي، إن تشبث الشعب الفلسطيني بمبادئ حقوق الإنسان تنبع من إيمانه المطلق بأنها حقوق غير قابلة للتصرف، يجب على الجميع أن يتمتع بها وهي نفسها الحقوق التي تتطلب تضافر الجهود من أجل حمايتها وضمان تعزيزها بعيدا عن الاعتبارات السياسية، ولكن وللأسف فغالبا ما تصطدم هذه الجهود المبذولة بجدران من التعنت والمواقف السياسية التي لا تعير حقوق الإنسان أي اعتبار أو أهمية، بل على العكس تماما فان البعض يعمل على انتهاكها وتقويضها على مدار الساعة بأساليب وطرق مبتكرة تتنافى والقيم التي وجدت من أجلها حقوق الإنسان.



وأضاف، في حالة الشعب الفلسطيني الذي مضى عليه ما يزيد على الستين عاما وهو لا يزال يرزح تحت الاحتلال، فان حقوقه الأساسية تنتهك بشكل ممنهج ومنظم من قبل القوة القائمة بالاحتلال، التي لا تزال ماضية في خروقاتها لكافة الأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة، ولا تزال تمعن في إنكارها لحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه الأساسي والطبيعي في الحياة، وحقه في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة على تراب أرضه وعاصمتها القدس الشرقية، وحقه في العودة إلى وطنه الأم فلسطين دون قيد أو شرط، وكذلك حقه في التنمية والاستقرار والازدهار وضمان مستقبل أبنائه أسوة بباقي شعوب العالم.

وتابع، إن استمرار إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ العام 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة فلسطين الأبدية، يتنافى مع القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الواجبة الانطباق فوق الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، كما تتنافى هذه الممارسات الإسرائيلية مع العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الأخرى. وتساءل المالكي أمام الحضور، إلى متى ستستمر القوة القائمة بالاحتلال في انتهاكاتها لكافة حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من الجميع دون مسائلة أو محاسبة.

وأشار د. المالكي إلى أن احترام الشرعة الدولية لا يجب أن يخضع للمزاجية والانتقائية أو ازدواجية المعايير في التعامل من قبل البعض، مستعرضا ما تقوم به القوة القائمة بالاحتلال في مدينة القدس المحتلة من مصادرة للأراضي، وتدمير للمنازل والممتلكات الخاصة والعامة وطرد سكانها الفلسطينيين الأصليين من بيوتهم، وتغيير المعالم العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة وطمس هويتها الدينية والتاريخية.

وقال إن استمرار القوة القائمة بالاحتلال في سياسة التوسع الاستيطاني بما فيها ما يسمى بالنمو الطبيعي للمستوطنات غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة في القدس الشرقية، يعتبر خرقا سافرا للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية وخاصة الفتوى القانونية الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي طلبت من القوة القائمة بالاحتلال وقف بناء الجدار وهدم ما تم بناؤه وتعويض المتضررين عنه، مذكرا بأن مواقف الدول كافة وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واللجنة الرباعية تعتبر المستوطنات غير قانونية ودعت إلى وجوب العمل على وقف بنائها بشكل فوري.

وأضاف المالكي، إن قيام إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بفرض حصار جائر على قطاع غزة المحتل يهدد حياة أهلنا هناك ويزيد من التعقيدات والصعوبات الحياتية لهم، فالعقاب الجماعي يعتبر من منظور القانون الدولي جريمة حرب يجب محاسبة المسؤولين عنها وتقديمهم للعدالة الدولية، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي أدى إلى قتل وجرح الآلاف وسبب إعاقات دائمة لعدد كبير منهم وذلك بشهادة كافة بعثات تقصي الحقائق واللجان المستقلة والدولية التي زارت قطاع غزة المحتل واطلعت على نتائج العدوان الكارثية فيه.

وجدد دعوة المجتمع الدولي إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ ما تم الالتزام به في مؤتمر شرم الشيخ حول إعادة إعمار غزة بشكل فوري وعاجل لرفع المعاناة عن مواطني قطاع غزة، مؤكدا أن ذلك يتطلب ممارسة الضغوط على القوة القائمة بالاحتلال لإدخال مواد البناء والمساعدات الغذائية والاحتياجات الإنسانية والطبية والوقود اللازم.

وأشار المالكي إلى آخر القرارات التعسفية التي تعبر عن نوايا حكومة إسرائيل التوسعية، من خلال إعلانها عن ضم مسجد بلال (قبة راحيل) في بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل إضافة إلى أسوار البلدة القديمة في القدس العربية، وهي جميعها واقعة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، إلى قائمة تراثها الاحتلالي في انتهاك آخر للقانون الدولي والأعراف الدولية ومعاهدة لاهاي حول الممتلكات الثقافية.

كما ذكّر بأن إسرائيل لا تزال تعتقل جثث ورفات مواطنين فلسطينيين وعرب، متسائلا أمام الحضور: أين سمعتم في مكان آخر عن اعتقال للأموات سوى في إسرائيل.

وقال، إن إقدام إسرائيل على انتهاك سيادة الدول من خلال استخدامها لجوازات سفر مزورة بأسماء مواطنين أوروبيين وغيرهم من المدنيين الأبرياء لتقوم بتصفية أحد أبناء شعبنا في مدينة دبي، دليل قاطع على إرهابها ورغبتها في الاستمرار بكونها قوة احتلال خارجة عن إطار الشرعية والقانون الدولي.

وأكد د. المالكي، أن القيادة الفلسطينية ستعمل على تنفيذ ومتابعة تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق دون كلل أو تعب بما فيها الإشراف على التحقيقات الداخلية المطلوبة من الطرف الفلسطيني، وصولا إلى تحقيق المساءلة والمحاسبة القانونية لكل من انتهك حقوق الإنسان دون استثناء، والعمل كذلك على استئناف مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة لاتفاقية جنيف الرابعة مع كافة الجهات المعنية لضمان الانطباق الكامل غير المشروط لها فوق الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والخروج بإجراءات عملية تفضي إلى احترام وضمان احترام بنودها من قبل الأطراف المتعاقدة في كافة الأحوال، لما يحويه هذا من ضمان لمستقبل القانون الدولي الإنساني ككل وازدهار الشعوب ورفعتها.

ورحب بالقرار رقم 64/48 الذي تبنته الجمعية العامة في جلستها التي انعقدت يوم الجمعة الماضي والذي تم فيه مطالبة الأطراف المعنية بإتمام تحقيقاتها في فترة لا تزيد عن خمسة أشهر وفقا للمعايير الدولية، وكذلك دعوة الحكومة السويسرية للمضي قدما في الإعداد من اجل استئناف مؤتمر الدول السامية المتعاقدة لاتفاقية جنيف الرابعة لضمان الانطباق الكامل غير المشروط لها فوق الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، الأمر الذي يدعونا لأن يكون هذه المؤتمر بعيدا عن التسييس ويفضي إلى إنفاذ المادة الأولى منه بما يضمن أيضا تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.

وقال د. المالكي، إننا سنعمل على نهج درب القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وصولا إلى تحقيق أمانيه وتطلعاته المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة لاجئيه إلى ديارهم كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وأوضح أن وفد فلسطين في جنيف وبالتعاون مع كافة الدول والمجموعات الإقليمية المعنية سيقوم بطرح أربعة مشاريع قرارات، معربا عن أمله أن تلقى الدعم، ومجددا الالتزام بالانخراط في أعمال مجلس حقوق الإنسان بكل ايجابية وبشكل بناء يتماشى مع احتياجاتنا وأولوياتنا والمصلحة العامة ككل التي تصب في اتجاه حماية وتعزيز حقوق الإنسان للجميع بما فيه الشعب الفلسطيني.

وقال إننا نولي المواضيع المطروحة على جدول أعمال المجلس أهمية كبيرة وخاصة المواضيع المتعلقة بحقوق الطفل، والمرأة، والحق في السكن اللائق، وحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقات إضافة إلى الحق في الغذاء، وحرية الأديان والمعتقدات، ومتابعة تنفيذ إعلان ديربن حول مكافحة العنصرية والتمميز العنصري وكره الأجانب وعدم التسامح.

وأعرب المالكي، عن تقديرنا العالي لجهود المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وأصحاب الولايات الخاصة من المنفذين لولاياتهم وفق ما هو منصوص عليه في الإجراءات المعمول بها ومدونات قواعد السلوك باتجاه تعزيز وحماية حقوق الإنسان كافة، مثمنا عاليا الإعلان الصادر عن مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي، وكذلك المبادرة التي أطلقها وزراء خارجية كل من فرنسا واسبانيا حول قيام الدولة، والجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية واللجنة الرباعية والدول الصديقة والشقيقة خاصة جمهورية مصر العربية ودورها الأساسي في تحقيق المصالحة الوطنية.

وأمل أن يتجسد قيام الدولة الفلسطينية على كافة الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بالتماشي مع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي أطلقها عاهل المملكة العربية السعودية والتي تشكل أساس الحل، مبينا أنه من هنا تأتي أهمية الخطة الوطنية الفلسطينية لبناء مؤسسات الدولة خلال عامين والتي تلقى الترحيب والدعم من قبل المجتمع الدولي الذي نتطلع إلى مواصلة دعمه لكافة الجهود الرامية إلى دعم مسيرة السلام وإنهاء الاحتلال للأراضي العربية المحتلة، لما يحمله هذا من انعكاسات ايجابية ومصيرية على أمن واستقرار المنطقة ككل.

وعلى هامش أعمال المجلس عقد الوزير المالكي والسفير خريشي عدة اجتماعات، التقوا خلالها مع مجلس السفراء العرب المعتمدين لدى الأمم المتحدة في جنيف، وأطلعهم الوزير على كافة المستجدات على الأرض خاصة فيما يتعلق بالاستيطان وما تتعرض له مدينة القدس وكذلك التطورات السياسية وعملية السلام وموقف الحكومة الإسرائيلية.

وأكد أهمية متابعة ما ورد في تقرير جولدستون وتقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وعلى أهمية متابعة مدى تنفيذ كافة الأطراف للتوصيات الواردة فيه، مقدما شكره وتقديره للدعم الذي تقدمه المجموعة العربية لكل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني.

كما التقى الوزير بالمفوضة السامية لحقوق الإنسان وشكرها على جهودها لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وأكد ضرورة وضع اللمسات الأخيرة لصياغة مذكرة التفاهم بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومكتب المفوضة السامية، كما طلب منها زيادة التركيز والاهتمام بموضوع الانتهاكات الإسرائيلية وخاصة فيما يخص المستوطنات والتركيز على الانتهاكات التي تحصل في مدينة القدس الشريف وكافة المقدسات كما جدد دعوة السلطة الفلسطينية لها لزيارة الأرض الفلسطينية المحتلة لرؤية ما يحصل على أرض الواقع.

كما إلتقى معالي الوزير بالسيد إحسان أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي وأطلعه على ما يجري من انتهاكات في مدينة القدس ودعاه إلى تكثيف الجهود لحماية المقدسات.