اللجان الشعبية لخدمات المخيمات بين التمسك بالمواقع وممارسة الديمقراطية

بقلم: سعيد سلامة

يرجع تشكيل اللجان الشعبية للخدمات في المخيمات لقرار من المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الحادية والعشرين والتي عقدت في عام 1996، وقرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومجلس وزراء السلطة الوطنية في اجتماعهما المشترك في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، ومنعاً لحدوث أي التباس في فهم دور هذه اللجان وعدم مقارنتها مع الهيئات المحلية والمجالس البلدية وللحفاظ على خصوصية المخيمات تم إلحاق لجان المخيمات بدائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف، والتي تعمل على تفعيل العمل الشعبي والجماهيري لحماية حقوق اللاجئين وضمان ظروف عيش إنسانية للاجئين، مما يساهم في تعزيز صمودهم إلى جانب دورها في متابعتها لملف اللاجئين كملف سياسي وطني له أبعاده السياسيه والقانونية على المستويين الاقليمي والدولي.

لقد جرت العادة أن يتم تشكيل لجنة الخدمات من خلال توافق وطني على ممثلين من كافة الأطياف السياسية في المخيم وفاعليات اجتماعية ومتخصصين وكفاءات، لمواكبة التطورات ولحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى تحقيق العودة وتقرير المصير.

إن تراكم المصاعب كالكثافة السكانية داخل المخيم محدود المساحة، الفقر والبطاله وزيادة الإحتياجات اليومية أمام تراجع الخدمات المقدمة من قبل الأونروا، وضع اللجنة الشعبية في مواجهة مباشرة مع أولياتها حيث تعتبر مسألة حفظ الأمن الاجتماعي داخل المخيمات ذات أهمية بالغة، مما تطلب دعوة كافة الهيئات والمؤسسات الثقافية والصحية، الأنشطة النسائية والشباب والاندية والمراكز.. لأخذ دورها في عمل مشترك مسؤول، وتفعيل البناء المؤسساتي على مستوى المخيم من أجل تأدية دوراً ريادياً في تحسين وتطوير عمل المؤسسات وإعداد البرامج لمواجهة التحديات والضغط الذي يعيشة المخيم الفلسطيني وإنجاز الأولويات كالمشاريع التنموية، ومعالجة مشاكل الكهرباء والمياة والنفايات والمشاكل الناتجة عن استمرار الإحتلال والظروف الإقتصادية والنفسية لمجتمع اللاجئين.

من المفترض أن وجود اللجان الشعبية يموِّل ويدعم عمل الجمعيات والأندية والروابط والمراكز والمؤسسات مما يحقق المزيد من فعالية الخدمات، والعمل على رسم سياسات عامة تحقق الرفاه لأبناء شعبنا في المخيمات، وإن كون اللجان الشعبية قوية ومتفاعلة، يحقق أهداف ومصالح اللاجئين ويعزز ويخدم المشروع الوطني الفلسطيني.

بالنتيجة نلمس تقصيرا في العمل الجماعي والمؤسسي إزاء الارتقاء بالأوضاع المعيشية للاجئين، ويوجد قلق وطني واسع إزاء مستقبل المخيمات والحقوق والمعاناة التي تعيشها المخيمات والتي وثقها جهاز الإحصاء الفلسطيني الذي وضع المخيمات في ذيل الهرم الإقتصادي والإجتماعي.

تطوير المخيمات لا سيما بالبنى التحتية ومدها بشبكة حديثة للمياه والكهرباء والصرف الصحي والشوارع، لا يمثل بأي حال تهديداً لحق العودة، فانتقال البيوت في المخيمات من عصر التنكيات وبيوت الصفيح إلى منازل الطوب والباطون لم يلغ حق العودة، وتم الإجماع على عدم استثناء المخيمات من العمليات التنموية حتى لا تكون المخيمات بيئة طاردة، ولا يؤثر سلباً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حتى لا يظل في المخيمات سوى الفقراء والمعدمين وكبار السن، الأمر الذي ترتب عليه إغتراب إجتماعي إقتصادي.

في ظل أهمية دور اللجان الشعبية للخدمات التي تمسك معظمها بمواقعها منذ إنشائها وعطلت أي فرص للتغيير والمشاركة، فقد إحتدم النقاش في أوساط اللاجئين وسكان المخيمات، واثيرت التساؤلات حول موقع سكان المخيمات ودورهم في الانتخابات المحلية، وقد طُرح هذا الموضوع على طاولة البحث في مؤتمر الفارعة في 1995، وورشة بلاطة في 1997، وورشة أريحا في 1997، وعقدت في دائرة شؤون اللاجئين عدة ورش عمل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث برز شبه اجماع من المشاركين حول حق سكان المخيمات المشاركة في اتخاذ القرار الخدماتي التطويري في مخيماتهم، وأن هذه المشاركة لن تنتقص من حقوق اللاجئين، واستند أصحاب هذا التوجه الى أنه لا يوجد نص قانوني أو قرار سياسي فلسطيني يحظر مشاركة اللاجئين في الانتخابات المحلية أو التشريعية، والقرارات الدولية المتعلقة باللاجئين لم تتطرق لموضوع مشاركة اللاجئين في الانتخابات، وان لا ضرر على حق العودة، ولا على دور وكالة الغوث من هذه المشاركة، ولم يفقد اللاجئون المقيمون في المدن والقرى حقهم القانوني والسياسي بسبب مشاركتهم في الانتخابات المحلية، كما أن المخيمات كانت قد شاركت في انتخابات المجلس التشريعي دون خسارة حقهم الأساسي الذي كفلته لهم قرارات الشرعية الدولية وبالأخص القرار 194.

الإنتخابات تعزز من مقومات الحياة داخل المخيمات، وتحسن من أوضاعها الاجتماعية والصحية والخدماتية، وتحسين هذه الأوضاع لا يتعارض مع حقوق اللاجئين بالعودة واستعادة الممتلكات والتعويض، بل أكثر من ذلك، يدعو أصحاب هذا الموقف الى أن على اللاجئين الخروج من الصورة النمطية التي وجدت للمخيم، من كونه مكاناً في منتهى البؤس والتهميش والأوضاع المتردية، والكف عن اعتبار الفقر والبؤس شرطاً لاستمرار المخيم كملجأ سياسي اجتماعي.

يوجد توجه أكثر حذراً لتنظيم انتخابات وفق لوائح خاصة لانتخاب "اللجان الشعبية للخدمات"، يعتقد أن المشاركة في الانتخابات سوف تفكك المخيمات تدريجيا وتذوبها في المدن المجاورة، وتساهم في انهاء دور الأونروا، الجهة المكلفة قانونيا بالجانب الخدماتي للاجئين، مما يؤدي الى اسدال الستار على الحقوق السياسية والقانونية، وفي هذا الإطار فإن شكل مشاركة اللاجئين في عملية الانتخابات المحلية، يجب أن يراعي خصوصية قضيتهم والحفاظ على مكانة المخيمات السياسية والقانونية والحرص الدائم على إبراز المخيمات كوحدات جغرافية لها خصوصية سياسية وقانونية متميزة بحد ذاتها تتمتع بمرجعية سياسية وقانونية تتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وبوجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين(الاونروا) كتجسيد للالتزام والمسئولية القانونية والسياسية للمجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين، وانطلاقا من ذلك فإنه من حق وواجب أبناء شعبنا الفلسطيني المشاركة في العملية الديمقراطية وذروتها الانتخابات، وفي الوقت نفسه لابد من اعتماد أفضل السبل التي تكفل الحفاظ على قضية اللاجئين وخصوصية المخيمات وأهمية مكانتها السياسية والقانونية، كرمز من رموز صمود شعبنا وبقاءه وإصراره على حق العودة وشاهد من شواهد النكبة التي آلمت به وآدت إلى اقتلاعه من أرضه وسلب ممتلكاته وتشريده خارج دياره، وبما يؤكد على أن حل قضية اللاجئين يكمن في تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودتهم إلى ديارهم، وحتى يتحقق ذلك لا بد من التمسك بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا والإصرار على بقائها والابتعاد عن كل ما يفهم منه كإشارة فلسطينية للمجتمع الدولي توحي بقبول تولي مهامها، بل لا بد من المطالبة بضرورة استمرار خدماتها حسب قرارها المنشئ رقم 302 لعام 1949 باعتبارها تجسيداً لالتزام ومسؤولية المجتمع الدولي اتجاه قضية اللاجئين وحقهم المشروع في العودة.

لذلك صدر للنظام الداخلي الخاص باللجان الشعبية الموقع من رئيس دائرة شؤون اللاجئين، ووفقاً لهذا النظام تعمل الدائرة عبر الهيئة العمومية على انتخاب اللجنة الشعبية في كل مخيم على ان تتكون الهيئة العامة من الفصائل الوطنية الفلسطينية المنطوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية داخل المخيم وأعضاء الهيئات الإدارية الحالية للمؤسسات العاملة في المخيم (اللجنة الشعبية للخدمات، مراكز الشباب ومركز النشاط النسوي والمعاقين والطفل...) وأصحاب الكفاءات والخبرات والتكنوقراط والشخصيات الوطنية والاعتبارية والفعاليات الاجتماعية والسياسية والوجهاء ورجال الاصلاح واعضاء الهيئات الادارية السابقين في اللجان الشعبية على ان لا يقل عدد الهئية العمومية عن 1% من سكان المخيم.

وتُنَصَّب اللجان الشعبية للخدمات في المخيمات رسمياً وقانونياً بعد اعتمادها المباشر من دائرة شؤون اللاجئين، وتمارس عملها كلجان طوعية، وتمارس الدائرة سلطة إشرافية ورقابية على حسن تسيير اللجان الشعبية للخدمات لأعمالها وتتلقى التقارير الإدارية والمالية والميزانيات السنوية، ولها الحق في تدقيقها والمصادقة عليها أو ردَّها، ولها حق الإشراف على اجتماعات الهيئة العمومية وإنتخاباتها.

إن القرار بالإنتخابات عبر الهيئة العمومية والذي اتخذته دائرة شؤون اللاجئين بناءً على المشاورات المطولة مع ذوي العلاقة جوبه برفض شديد من قبل بعض اللجان الشعبية لخدمات المخيمات وتدعي أحقيتها بإتخاذ هذا القرار، وتعتبر بأن البديل المناسب لقرار الإنتخابات هو إجراء إصلاحات إدارية ومالية محدودة على الرغم من تطلع المخيمات عموماً للتغيير وممارسة الحق الديمقراطي، مما يتطلب من دائرة شؤون اللاجئين الإستمرار في تنفيذ قرارها الذي جاء بعد دراسة وتمحيص ومشاورات مطولة وموسعة وفقاً للجدول الزمني المحدد.

* باحث فلسطيني متخصص في ملف اللاجئين. - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» مذكرة تفاهم لتطوير عمل اللجان الشعبية في المخيمات
» د\ مجدلاني يلتقى اللجان الشعبية في المخيمات للاطلاع على اخر التطورات
» اللجان الشعبية: المخيمات ليست ملكا لاحد ونعطي فرصة اخيرة لحل النزاع
» اللجان الشعبية والاهلية دعت الى اعتصامات في المخيمات احتجاجا على عدم استجابة ادارة الأنروا لمطالب اللاجئين الفلسطينيين
» وفد فرنسي يزور اللجنة الشعبية لخدمات مخيم بلاطة