الأسيرات المحررات في غزة .. بين معاناة السجون ونظرة المجتمع لهم بعد التحرر
ابتسام مهدي
لأننا نعيش علي ارض فلسطين و نحمل الهوية المقدسة كتب علينا أن نعاني ولا تقتصر هذه المعاناة علي فئة معنية أو جنس معين فجميعنا يعاني من المحتل وتبعات هذا الاحتلال .
نقاوم الاحتلال بكافة الإمكانيات المتاحة وان كانت بسيطة فأننا معرضون دائما إلي الاستشهاد أو الإصابة أو الاعتقال.
منذ بدا التاريخ يسجل تاريخ فلسطين المناضل ضد الاحتلال وبدا زج الفلسطينيين لأسباب نضالية أو أمنية أو غيرها في السجون الإسرائيلية وحتى اليوم لم يتم تحديد وضع الأسرى الفلسطينيين في سجون المحتل.
سجون الاحتلال تمتلئ بالعديد من الأسري من مختلف المناطق والتنظيمات ولأسباب مختلفة ,القليل منهم من تم أطلاق سراحه وغيرهم كان لهم الحظ بالحرية عن طريق صفقات لتبادل الأسري أو أثناء المفاوضات .
سجون الاحتلال تعد من أصعب سجون العالم, فالأسرى يتعرضون إلي أنوع مختلفة من الانتهاك والقمع والعقاب الجماعي والي سياسة العزل الممنهج بهدف النيل من عزيمتهم ومعنوياتهم.
الرجال لا تستطيع تحمل كل هذه الظروف الصعبة في الأسر فكيف بالمرأة التي تدخل في متاهة السجن والسجان والظروف القاسية التي تمر بها أثناء التحقيق إلي المحاكمة إلي الحياة المملة داخل السجون.
بعد كل المعاناة التي تعيشها أسيراتنا في السجون الإسرائيلية تخرج من الأسر لتصبح تحت مسمى أسيرة محررة لتصطدم بنظرة المجتمع الظالم لها والمجحف لأقل حقوقها.
حيث تحرم الأسيرة المحررة من أن تعيش حياة طبيعية لم يكتف المجتمع بما حدث لها من اعتقال علي أيدي قوة محتلة بل أيضا يكمل المجتمع اعتقالها في المنزل لتمنع من الخروج والاختلاط بأقرانها أو حتى أن تتواصل مع من سجنت معهم و أن تتحدث أليهم بالإضافة إلي عدم الرغبة بالزواج منهن أو تشغيلهن في المؤسسات أو حتى الحصول علي حقوقهن القانونية .
العديد منهن تم تطليقهن وحرمانهن من أن يجتمعن مع أبنائهن بل قيل في بعض الحالات لأطفالهن أن والدتهم توفيت بعد أن أنجبتهم.كما تحرم الأسيرات من الميراث أو المطالبة به ,و تحرم من الحصول علي استحقاقات مقابل الأسر مثلما يحصل علية الأسرى من الرجال .
هنا نعرض لأراء لا تعترف بحقوق الأسيرات المحررات لنتعرف علي وجهة نظرهم وأسباب هذه النظرة لهم .
لا ارغب ان تعمل عندي
مديرة أحدى المؤسسات الخيرية التي تعتني بأمور المرأة ترفض أن تعمل في جمعيتها أسيرة محررة رغم أنها تدافع عن المرأة وتساعدها بكافة الإمكانيات المتاحة لها, فهل تعتبر الأسيرة المحررة ليست امرأة؟
تقول م.د: "أنا لا استطيع أن أنكر الموقف النضالي الذي قدمته لنا الأسيرات في تاريخنا الفلسطيني فهن من رفع رأسنا عاليا نحن فئة النساء إمام الذين يعتبرون أن النساء فقط للمنزل وأنهن لا يشاركن في العمل النضالي ضد المحتل ".
تتابع "غير أن قبولهن في العمل بعد خروجهن من السجن أمر يحتاج إلي تفكير كثير ,لا نستطيع أن ننكر بأنهن دخلن السجن لأنهن مناضلات لكن لا نعرف كيف خرجت من هذا السجن وبمن اختلطت فكثير منهن من سجن مع مجرمات ويمكن أن يتطبعن باطباعهن ".
وتكمل م.د : "كذلك وقوف الفتاه الضعيفة في مجتمعنا أمام جندي مدجج بالسلاح يعني أن هذه الفتاه تحمل شخصية قوية وقيادية والتي لا تناسبنا في العمل المجتمعي ويمكن أن تتعبنا في التعامل معها في المستقبل ونحن لا نسعى إلي جلب مشكلة في المؤسسة ".
ارفض الارتباط بها
محمد.ع 30 عام ، موظف في إحدى الوزارات يقول : "أنا احترم نضال ومعاناة الأسيرات الفلسطينيات فهن يقدمن ما لا يستطيع الكثير من الشباب أن يقدموه إلي بلدهم بسبب الخوف والرهبة من المحتل ".
ويستطرد "إلا أن فكرة الارتباط بأحد هؤلاء الأسيرات المحررات صعبة ,ولا يتقبلها الشاب بسهولة وخاصة في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد ,فمجتمعنا يعتبر جسم المرأة مقدس ولا يسمح أن يمسه أي شي وجميعنا يعرف بان المحتل لا يحترم هذا الأمر بل يستغله أبشع استغلال "
ويكمل "أساليب التعذيب في السجون تستغل جسم المرأة كنوع من الضغط النفسي عليها ولا يوجد أسيرة لم تتعرض لتحرش جنسي من قبل المحققين حتى لو كان من الخارج لذلك يصعب علينا أن نتقبل فكرة الارتباط بهن"
ويؤكد محمد أن هذه العادات والتقاليد خاطئة لكن لا نستطيع أن نلغيها من المجتمع الذي تربينا فيه فحتى تقبل الأسيرات المحررات في المجتمع ,يحتاج هذا المجتمع إلي الكثير من العمل عليه لتغيير أفكاره ومعتقداته.
"لن اقبل أن يتزوج أخي أسيرة "هكذا بدأت هند مدرسة في مدارس وكاله الغوث لتكمل " أنا لا اشكك في شرف أو سمعة أية أسيرة محررة فلهن كل الاحترام علي مسيرتهن النضالية وتحملهن عبئ السجن والأسر إلا انه من الصعب أن اقبل أن يرتبط أخي بأسيرة "
وتتحدث بحرقة "في مجتمعنا الصعب تحكمه العديد من العادات والتقاليد البالية والتي تظلم المرأة مع أنني أيضا امرأة إلا أن التربية التي تربيناها والتنشئة زرعت في داخلنا هذه النظرة الخاطئة ,يمكن أن تتغير في المستقبل إلا انه حتى اليوم لم تتغير بل تزداد سوءا أكثر عن اليوم الذي قبلة ".
وتبرر هذه النظرة" بالعقلية المرتبطة بشرف المرأة الذي مازال حتى اليوم يفهمها الناس بطريقة خاطئة وكذلك قداسة الجسم ,بالإضافة إلى كثرة حديث الناس عن هذا الموضع ممن لا يرغب الشباب في الارتباط بهم ,ونحن في مجتمع كثير الكلام وعلينا دائما أن نحاول أن نقطع السنة الناس حتى لا تتحدث عن أسيراتنا بشيء رديء .
تتساءل في الختام "فكيف أذا ارتبط أخي بأحدى الأسيرات المحررات فلن يرحمنا المجتمع ولن يسكت ونحن نريد السترة لأخي ولا نريد كثرة الحديث عليه".
فسخ خطبته لأنها أوقفت علي حاجز
فادي 35 عاما لم يختلف كثيرا عمن من تحدثوا لنا ولكن له تجربة مع خطيبته التي لم تدخل السجن بل احتجزت علي حاجز ليتم فسخ خطوبته منها بعد أن علم بهذا الأمر .
يقول "كنت خاطب قبل أن ينسحب الاحتلال من قطاع غزة في 2005م ,حيث كان في قطاع غزة حاجز يفصل الجنوب عن الشمال ويسمي بحاجز "أبو هولي "وكان هناك عدد من الغرف التي يتم فها حجز بعض الأشخاص والتحقيق معهم لعدة ساعات ,وكانت خطيبتي من سكان الجنوب وأنا من غزة "
يؤكد فادي انه كان يحب خطيبته ولم يكن بينهما أي مشاكل وكان حفل زفافهم بعد عدة شهور وهي من اختارت عفش المنزل الذي كانت ستسكن فيه هي وفادي .
ويكمل "في احدى المرات وهي عائدة من غزة إلي منزلها تم توقيف السيارة التي كانت تركبها من قبل الجيش الموجود علي الحاجز, وتم أنزال وتوقيف من كانوا في السيارة ومن بينهم خطيبتي وأجبروهم علي الدخول إلى غرف التحقيق "
ويقول "بقيت محجوزة 5 ساعات متواصلة لم يدخل المحقق عليها غير مره واحد ليسألها عن أخيها وعن احد الركاب لتجاوبه بعدم معرفتها أي شي ,ومن ثم تم أطلاق سراحها هي ومن في السيارة ,وعندما وصلت البيت اتصلت بي لتخبرني ماذا حدث لها "
ويضيف "باركت لها بالسلامة وأقفلت الهاتف وبدأت أفكر 5 ساعات, فمن الممكن أن تكون قد اخفت عني أمرا وبدا الشك يراودني إلى درجة إنني فكرت بأنها ممكن أن تكون عميلة لإسرائيل بالإضافة إلي تحرش بها جنسيا "
وبمرارة يقول "ربما كان تفكيري خاطئا إلا أنني كنت صغيرا ,وفكرت بالموضوع كثيرا واستطاع الشيطان أن يتغلغل في أفكاري ,فذهبت ثالث يوم إلي بيتها وأخبرتها بنية فسخ الخطوبة وذكرت لها السبب ,لم ارغب بان أكمل معها لتعيش بعد ذلك في جو من الشك بها ,بالإضافة إلي حديث الناس ".
كل هذه الأمور جعلت فادي يفسخ عقد قرانه بخطيبته لمجرد أنها احتجزت في غرفة التحقيق ولعدة ساعات فكيف حال ووضع من سجنت لعدة أيام وأسابيع وشهور وسنين في سجن الاحتلال؟
وتعقيبا على هذه الحالة الاجتماعية التي تعاني منها الأسيرة المحررة ردت السيدة أزهار أبو شعبان مسئولة برنامج الأسيرات في جمعية الدراسات بغضب " هذا التفكير سيئ من المجتمع موجه للأسيرات المحررات رغم أنهن شاركن جنبا إلى جنب مع الرجال في العديد من ميادين التجربة والتاريخ الفلسطيني وكانت المرأة نموذجا مشرفا للنضال والصمود بوجه المحتل الغاصب للأرض "
وأوضحت أبو شعبان "أن الجمعية بدأت عملها في دعم الأسيرات المحررات في عام 2006م حيث اجتمعت رئيسة الجمعية الدكتورة مريم أبو دقة وهي احدي المحررات ب 15 أسيرة محررة كنوع من التعارف ومعرفة همومهم والي أين وصل حالهم بعد التحرر , وكذلك عمل أرشيف لقصصهم وتوثيقها بشكل مفصل ".
وقالت أبو شعبان " وبعد ذلك بدا العمل علي عدة برامج داعمة للأسيرة من عدة مؤسسات حيث كان لها دور في دعم صمودهن والحصول على جزئ من حقوقهن المسلوبة في مجتمعنا وكان أولها برنامج التثقيف الصحي من لجان العمل الصحي وبعد ذلك برنامج ممول من مؤسسة UNIFEM لرعاية الأسيرات المحررات ودعمهن قانونيا ونفسيا حيث استفادت الأسيرات من هذا البرنامج بشكل كبير حيث تعرفن علي وضعهن القانوني والقانون الفلسطيني الذي كان مغيبا عنهم ".
وتضيف " شاركت الأسيرات ببرنامج للتثقيف القانوني قام به المحاميان كارم نشوان وعبير جبر وتم تعريفهن علي القوانين الفلسطينية من ميراث وطلاق وغيرها ومن الناحية النفسية تكفلت مؤسسة غزة للصحة النفسية بدعمهن والتفريغ عنهم من الوضع السيئ الذي عاشته اغلب الأسيرات بعد تحررهن ".
وتكمل أبو شعبان "كذلك شاركت شئون المرأة في دعم الأسيرات من خلال تعليمهن كتابة القصة عن طريق الكاتبة هداية شمعون ونجحت 18 أسيرة في كتابة 16 قصة من واقعهن كبداية ومن ثم كتابة 36 قصة سيتم نشرها عن طريق مؤسسة UNIFEM باللغة العربية والانجليزية وكذلك البريطانية ,بالإضافة إلي تعليمهن أصول الكتابة الصحفية حيث دربهن محسن الإفرنجي وعرفتهن أمال صيام علي اتفاقيات سيداو لمعرفة حقوقهن كامرأة وأسيرة ".
وأعربت أبو شعبان " عن شكرها الشديد للصحفي الايطالي فينتور الذي أقام معرضين الأول صور للأسيرات مما لاقى إقبالا شديدا عليه فعاود الكرة بمعرض مصور بفلم وثائقي حيث يقوم بعرض صورة وحديث للأسيرات مترجم إلى عدة لغات عن قصصهن في الأسر ".
وطالبت أبو شعبان "بدعم الجهات الإعلامية للأسيرة أن كانت في الأسر أم محررة حيث أن له دور أساسي لا يجب أن يتناسى في الوقوف إلي جانبها وطرح مشاكلها ووضعها في الأسر وما بعده وخاصة أنها محرومة من الكثير من حقوقها بسبب النظرة التي ينظر لها المجتمع ,فمثلا من بين 45 أسيرة محررة في غزة 10 أسيرات يتلقين معاشات للأسر بقيمة 500 شيكل كل 3 شهور والباقي لا يأخذ شيء رغم وضعهن الاقتصادي والاجتماعي السيئ فهن منسيات من قبل المؤسسات الحكومية ومن قبل المجتمع الظالم لهن ".
وبدورها أكدت أبو شعبان " أن الجمعية تسعى لتعريف المجتمع بالأسيرات المحررات وتعريف الأجيال القادمة ببطولاتهن ودورهن في النضال وذلك من خلال توثيق قصص هؤلاء الأسيرات في كتيبات، وتصوير أفلام وثائقية تحكي قصص كفاحهن ونضالهن وتقديم عناية صحية واجتماعية واقتصادية وإنسانية من المجتمع الدولي والمحلي لهن،حيث قامت الجمعية بزيارة كل الأسيرات المسجلات في الجمعية إلي منازلهن كنوع من الدعم والتكريم إمام أسرهم ومعرفة وضعهن,وعمل رحلات جماعية للأسيرات مع عائلتهم ,كما أنها علي اتصال دائم معهن بشكل مجاني وتحاول أن تحل ما تستطيع من المشاكل التي تتعرض لها هؤلاء الأسيرات ". .