مفارقات الهوية الفلسطينية

هذا العمل القيَم ثمرة تعاون بين مؤسستين علميتين أقامتا حلقات بحثية في كانون الأول من العام 2007 تحت عنوان "المواطنة والهويات الفلسطينية" أي سبر صلة الهويَة والمواطنة، وتلك الموسومة بالفلسطينية هي، وبخلاف ما يقوله علماء الإجتماع، سابقة على المواطنة بسبب الإفتقار الى دولة واحدة جامعة. والحالة اللبنانية تؤكد هذا المعطى رغم وجود ولاءات وانتماءات أخرى يمليها المنفى، فماري روز صايغ تقول إن الفلسطينيين قاموا"بنبش الذكريات المرتبطة بالمواطن الأصلية، وهي الذكريات التي كانت مشاعر الوطنية الفلسطينية قد طغت عليها خلال فترة هيمنة منظمة التحرير". ويقول محمد الخالدي إنهم أيضاً نموا روابط بمخيماتهم وبأماكن اللجوء، ويرى في الإنتماء المحلي بعداً آخر من أبعاد أسلوب اللاجئين في التعبير عن أنفسهم وطريقة أخرى لتسوية معضلة الهوية الفلسطينية. ومن قراءات محرر الكتاب للبحوث يتبين له أن"فكرة فلسطين لا تزال حيَة في الأذهان"، ولا يكف الفلسطينيون عن" تطوير أساليب جديدة لممارسة الهويَة الفلسطينية، ولمنح الأشكال الجديدة التي تتجسد فيها فلسطين صوتاً في الوعي الجماعي".
ترصد جيهان صفير في دراستها "الفلسطينيون في لبنان: نشوء مفهوم العدو الداخلي"، التحول الذي طاول صورة الفلسطينيين من "سياح أثرياء" و"رجال أعمال" وجيران الى "عدو داخلي" بعد نكبة العام 1948، وهي صورة أريد منها المساهمة في تشكيل وعي وطني عند فئة من اللبنانيين. وهي ترى في خلاصتها أهمية العدو الداخلي في تكوين الهوية الجماعية، فإلغاء "الآخر" يمثل عاملاً أساسياً في تشكيل الهوية الوطنية، إذ أن العنف والخوف أساسيان في تكوين الذاكرة الجماعية.
عاينت ريما عفيفي ومايا الشريف "تعامل الشباب الفلسطيني مع مسألة التعرف على الذات: حالة مخيم برج البراجنة في لبنان"، وأتت الدراسة في إطار"الصحة الحضرية" إنطلاقاً من تحقيق ميداني على عينة من المراهقين بعمر ما بين 13 و19 سنة شملت نحو 590 شاباً ومتوسط أعمارهم 17 سنة، نسبة 50 في المئة منهم من الإناث، متوسطو التعليم. وقد حدد المراهقون في أغلبيتهم هويتهم على أنهم فلسطينيون، والهويَة التالية هي الدين ومن ثم الأصل، وترى الباحثتان إن الشباب الفلسطيني نجح في الحفاظ على الإحساس بالهوية الفلسطينية، على الرغم مما يعانيه من عزلة وتمييز في البيئة المضيفة.
وفي مقاربة متميزة تناول ساري حنفي "إدارة مخيمات اللاجئين في لبنان: حالة الإستثناء والبيو- سياسية (bio-politics)"،فحاول الإجابة عن سؤال العنف في المخيمات، الموصوفة بأنها حيَز من الإستثناء وفضاء خارج المكان"، انطلاقاً من تجربة نهر البارد والحوادث اليومية الأخرى في سائر تجمعات الفلسطينيين، وطرح تساؤلاً: لماذا تفجر العنف في المخيمات في لبنان وليس في المخيمات الأردنية أو السورية؟" وبسط حنفي فرضيته التي تقول إن فضاء المخيمات في لبنان كان لستين سنة يعتبر "جزراً أمنية" وقد عومل كمختبر تجارب للسيطرة والمراقبة من طرف فاعلين كثر داخليين وإقليميين. وثمة أيضاً في رأيه فارق مهم بين مخيمات اللاجئين المفتوحة وتلك المغلقة، كما يعتبر إن المخيمات تخلق هويَة جديدة ذات طبيعة محلية أكثر منها وطنية، وهناك حق مهدور يخصهم هو "الحق في المدنية". ويدعو حنفي في خلاصته الى إعادة تأهيل المخيمات وتصميمها كمكان حضري، لا من حيث وضعها الإجتماعي والسياسي فحسب، بل أيضاً تحويلها الى جزء من المدينة.
أما بحث محمد كامل الدرعي "من سكان مخيمات الى لاجئين حضريين: تحضير مخيمات اللاجئين في لبنان وإقصاؤها"، فيسلط الضوء على العلاقة بين الدينامية السياسية - الإجتماعية الخاصة باللاجئين وبين الفاعلين السياسيين ضمنهم وبين المكان. ويركز على السمة الحضرية لمناطق اللجوء أو ما يسميه "اللاجئون الحضريون"، رغم الإبهام الذي يحوط التمييز بين التجمع الحضري والمخيم في لبنان. وفي هذا الإطار يدرس الدرعي مخيم مار الياس في بيروت بوصفه"مخيم لاجئين حضري" ويتتبع "التطور الحضري لمخيم البص للاجئين (صور)". وفي خلاصته يؤشر الى فاعلية المخيمات في تنظيم الشبكات الإجتماعية الفلسطينية في المنفى وتطويرها من خلال الإندماج في الفاعليات الإقتصادية والبيئة الحضرية المحيطة بها.
عالم الإناسة سيلفان بيردغون عرض في"كورنيش العُزاب: عبور الحدود الوطنية وتغيير مفهوم الألفة بين الشباب الفلسطيني في جل البحر- الجنوب اللبناني"، في شكل أساسي مسألة الزواج القرابي وتحوله، أي الممارسات (عقد الزيجات ) كتجربة معاشة للهويَة. وهو يلاحظ تغيَراً مهماً في الزواج بدءاَ من أواسط ستينات القرن المنصرم يحمل" طابعاً عابراَ للحدود الوطنية" كجزء من استراتيجية توصل اليها اللاجئون للخلاص من البؤس والحصول على جنسية ما.
نيكولاس بويغ في "أهلاً فيك بالمخيمات، ظهور موسيقى الراب (Rap) الفلسطينية في لبنان: أغنية إجتماعية وسياسية"، يرى أن هذه الموسيقى تحمل نوعاً من الإحتجاج والشجب، وهي تعبير ثقافي ذاتي عند الجيل الجديد ،شاهد على حضريته و مثابة هوية "محلية". وقد وضع الباحث نصب عينيه أفكار ثلاث: العلاقة بين موسيقى الراب والموسيقى الوطنية، المسائل المتعلقة بالأخلاقيات والجمهور والأماكن، والسمات الحضرية لهذا التيار الثقافي.
تعرض لاله خليلي في مقاربتها "الفلسطينيون: سياسة التحكم والحجب والمشهد" بداية لسياسة الإظهار ومن ثم لضبط الإظهار في المناطق المحتلة، والمحو والهويَة في إسرائيل وإعادة تركيب الإخفاء في لبنان وأخيراً محاذير الإظهار. وتنتهي خليلي الى أنه في عصر السياسات المشهدية :"يصبح نضال الفلسطينيين هو العثور على النطاق الضيَق الفاصل بين الإنكشاف في وجه مكائد الهيمنة وبين ممارسة نضالهم أمام جمهور متعاطف مستعد أن" يرى" ويميز".

» "الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية – انتماء": لقاء عالمي يحيي ذكرى النكبة.. ويتحدّى العدو بالإصرار
» كتلة نضال المرأة: المرأة لعبت دوراً هاماً في بلورة الهوية الفلسطينية
» مفارقات تبني حماس لمقتل جنديين صهيونيين
» «فلسطين حرة»... على بطاقة الهوية
» العثور على فتاة مجهولة الهوية في بيت لحم