الأطفال الأسرى.. تعذيب وامتهان برسم وحشية الاحتلال

'في مستوطنة قريبة من قرية بيت عور قضاء رام الله، أدخلنا أفراد من الجيش الإسرائيلي إلى غرفة المرحاض وأجبرونا على خلع ملابسنا بالكامل وأبقونا عراة لمدة يومين، وقاموا بتشغيل مكيف الهواء البارد طوال الوقت، كان الجنود عندما يدخلون المرحاض لقضاء حاجاتهم يبولون على وجوهنا ورؤوسنا، لم يحضروا لنا الماء للشرب ومن شدة العطش أجبرونا على شرب مياه المرحاض'.

بهذه الكلمات أدلى الطفلان الأسيران محمد طارق عبد اللطيف مخيمر، ومحمد ناصر رضوان أشقر، (13 عاما)، من سكان قرية بيت عور التحتا، قضاء رام الله، بشهادتيهما المشفوعة بالقسم لمحامية وزارة الأسرى هبة مصالحة التي زارتهما في سجن 'رومنيم'.

وألقت وزارة الأسرى الضوء على 'الحرب اللا أخلاقية' والبشعة التي تشنها سلطات الاحتلال على الأطفال الأسرى والمناقضة للقانون الدولي، من خلال عدد كبير من الشهادات، التي تشير إلى تعرّض الأطفال لممارسات لا إنسانية خلال اعتقالهم واستجوابهم.

ولا يزال يقبع 300 طفل في سجون ومراكز التحقيق والتوقيف الإسرائيلية منهم: 135 طفلاً أسيراً و140 طفلاً موقوفاً بانتظار المحاكمة و21 طفلاً أسيراً في مراكز التحقيق ومراكز الاحتجاز، علما أن هناك 32 طفلا معتقلا تحت سن 16 عاماً وذلك من إجمالي الأطفال المعتقلين.

ويتوزع 90 من الأسرى الأشبال بين سجني مجدو وريمونيم، يتعرضون للتعذيب والتنكيل منذ لحظة اعتقالهم.

وتسوق هبة مصالحة مثالاً حياً على ذلك بقولها: 'في يوم 30-5-2010، في سجن ريمونيم، زرت الأسير سالم عثمان سالم زهران، مواليد 13-7-1992، من سكان' دير أبو مشعل' بمحافظة رام الله، ومعتقل منذ 11-3-2009، ومحكوم بـ 18 شهر، لقد اعتقل الأسير من منطقه جبليه بجانب بلدته، وهاجمه الجنود وأطلقوا الرصاص تجاهه وأصابوا صديقه فايز فارس عطا في بطنه ويده، وعندما عاد لمساعدة صديقه وحمله، وأراد الهرب حاصره الجنود من كل الجهات وطلبوا منه أن يضع صديقه على الأرض، وأمروه بأن يخلع ملابسه فرفض، ثم طلبوا منه أن يعرّي صديقه المصاب إلا أنه رفض ذلك أيضاً، فجلس أحد الجنود على الأرض وقال له: سوف أريك، ووجّه بندقيته تجاهه وقام فعلا بإطلاق رصاصه عليه وأصابه في قدمه، مع أنه كان مستسلماً، ولم يظهر أي علامات للمقاومة، ووقع الأسير سالم أرضاً ونزف كثيراً، وبعد 4 ساعات وصلت سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفى تل هشومير، أما صديقه فايز فارس عطا فقد نزف طويلاً إلى أن توفي متأثرا بجراحه'.

ويتعرض الأسرى الأشبال للضرب المبرح على يد الجنود خلال نقلهم داخل سيارات الجيب أو الشاحنات العسكرية وذلك بواسطة الأيدي أو أعقاب البنادق أو الرفس بالأرجل، ويتم إجبار الأسرى على الجلوس على أرضية الجيب العسكري ويقوم الجنود بوضع أقدامهم على رؤوس الأسرى وأكتافهم.

وأشارت مصالحة إلى ما تعرض له الأسير فرج محمود حرفوش، من سكان خربة مصباح قضاء رام الله، والمعتقل بتاريخ 9-2-2009، حيث ضرب من قبل الجنود بالبنادق الرشاشة على كتفه، وعندما طلب الماء قدموا له زجاجة من الجعة 'البيرة' ليشرب منها، وعندما رفض انهالوا عليه بالضرب المبرح باستخدام البنادق، وكذلك ما جرى مع الأسير يوسف محمد أبو عفيفة، من سكان مخيم العروب بمحافظة الخليل، والمعتقل بتاريخ 22-10-2009، حيث انهال عليه الجنود داخل الجيب العسكري بالضرب بواسطة البنادق على كافة أنحاء جسمه وقام أحدهم بضربه على أعضائه التناسلية بشكل مبرح.

وتروي المحامية مصالحة أيضا حالة الأسير أمير عبد الغني سوالمة (16 عاما)، من سكان مخيم بلاطة، والمعتقل بتاريخ 19-2-2009، حيث القي به داخل حفرة منذ العصر وحتى منتصف الليل وهو مقيد اليدين ومعصوب العينين ودون طعام وشراب، وكذلك حالة الأسير سلامة مروان عبد الجواد، من سكان مخيم عسكر (16 عاما)، والمعتقل بتاريخ 14-2-2010، حيث ضربه الجنود بأيديهم وأرجلهم وبأعقاب البنادق على كافة أنحاء جسمه بوحشية.

وفي مراكز التحقيق، يعذب الأسرى الأشبال بضربهم وتخويفهم ليعترفوا بتهم لم يقوموا بها، كذلك يتم تهديدهم بالتعذيب أكثر وأكثر ليعترفوا ويشهدوا ضد أصدقائهم ومعارفهم، وفي النهاية تعرض المخابرات الإسرائيلية على أغلب الأسرى الأشبال التعامل معها كمخبرين أو عملاء لصالح الاحتلال.

ولا يتوانى المحققون عن استخدام الصعقات الكهربائية والكي بالسجائر وإجبار الأسير على شرب الماء الساخن خلال التحقيق، كما جرى مع حالة الأسير نصار عارف يوسف جرادات (16 عاما)، من سكان سعير بمحافظة الخليل، والذي اعتقل بتاريخ 2-2-2010، حيث جرى شبحه في سجن عتصيون في البرد القارس وتحت المطر الغزير، وخلال التحقيق قام المحقق بضربه على وجهه وجسمه واستخدام الصعقات الكهربائية لإجباره على الاعتراف.

ويقتاد معظم الأسرى الأشبال إلى المستوطنات للتحقيق معهم مثل: كريات أربع، وبنيامين، ومعاليه أدوميم، ودان شمرون وغيرها، حيث يجري التحقيق معهم وتعذيبهم دون رقابة من الصليب الأحمر الدولي أو المحامين الفلسطينيين، مما يعرّض حياة الأسرى للخطر والاستفراد بهم وإجبارهم على التوقيع على إفادات باللغة العبرية لا يعرفون مضامينها.

وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديدا اتفاقية حقوق الطفل، التي شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال، وحماية حياتهم وفرصهم في البقاء والنمو، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول.

وضربت سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي بعرض الحائط حقوق الأطفال المحرومين من حريتهم، وتعاملت معهم 'كمشروع مخربين'، وأذاقتهم أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة، وتنتهج بحقهم سياسة التمييز العنصري..

ويعاني الأطفال الأسرى من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهالي، وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين، والاحتجاز مع البالغين، وأطفال جنائيين إسرائيليين، والإساءة اللفظية والضرب والعزل والتحرش.

وتتخذ سلطات الاحتلال من قضية الأسرى مورد دخل دائم من خلال سياسة فرض غرامات مالية جائرة وباهظة بحقهم، وتحولت قاعات المحاكم العسكرية الإسرائيلية إلى سوق لابتزاز ونهب الأسرى وذويهم، وبلغت نسبة الذين فرضت عليهم غرامات مالية 75% من مجمل الأطفال المحكومين.

ويوجد من بين الأطفال الأسرى حوالي 30 طفلا مريضا، أي ما نسبته 9% من عدد الأطفال الأسرى. وهؤلاء محرومون من الرعاية الصحية والعلاج الطبي المناسب، وهناك أطفال بحاجة إلى عمليات لإزالة شظايا أو رصاص من أجسادهم، وآخرين يعانون من أمراض نفسية، وأمراض في العيون والأذنين.

وتفيد إحصائيات وزارة الأسرى أن حوالي 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال الأسرى هي ناتجة عن ظروف اعتقالهم غير الصحية، ونوعية الأكل المقدم لهم، وانعدام النظافة.

ـــ