الفلسطينيون في اليونان

تاريخ الهجرة الفلسطينية إلى اليونان
يرجع تاريخ التواجد الفلسطيني في اليونان إلى نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، عندما بدأ الطلاب الفلسطينيون بالوصول إلى اليونان للدراسة الجامعية لتوفر المنح الدراسية وانخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى. وقد جاءت الدفعة الأولى من الطلاب الفلسطينيين من الأراضي المحتلة والأردن، استمرت عملية الهجرة طوال سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.
سنة 1976 بدأ العديد من رجال الأعمال والمهنيين الهجرة من لبنان وقدم العديد منهم إلى اليونان، حيث تم نقل مقرات شركاتهم إلى اليونان، وكان الفلسطينيون يشكلون نسبة كبيرة منهم. وبعد رحيل م. ت. ف. من بيروت توجه العديد من الفلسطينيين إلى اليونان ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة لأسباب سياسية، رغم وجود قيود جديدة على الهجرة لليونان إما عن طريق الحصول على تأشيرات سفر للدراسة أو عن طريق الهجرة غير القانونية عبر الحدود اليونانية ـ التركية.
خصائص الجالية الفلسطينية في اليونان
كان أكبر تجمع للطلاب الفلسطينيين في سالونيك، وتحول بعد ذلك ليكون أثينا، وكانت بترا أيضاً من أماكن تواجد الطلبة الفلسطينيين، ويتواجد الفلسطينيون في عدد من الجزر منها جزيرة كريت، ويقدر عدد الفلسطينيين بـ 3000 شخص، ويقدر عدد الطلبة 500 طالب وطالبة. وهناك فئة من رجال الأعمال جاؤوا من لبنان بعد نشوب الحرب الأهلية، واستقروا في منطقة أثينا، أما الفئة الأخرى أي العاملين فقد استقروا أيضاً في منطقة أثينا، والعديد من الطلبة تزوج يونانيات واستقروا في اليونان، وأكثر الفئات تسييساً هم الطلبة واندماجهم في المجتمع اليوناني. وأصبح موضوع الزواج المختلط وتأثيره على الأطفال من المواضيع المثارة اجتماعياً في التجمع الفلسطيني في اليونان. كان سهلاً بسبب زواج قسم كبير منهم من يونانيات، ويتكلمون اليونانية بطلاقة وكذلك أولادهم. والعديد من أفراد هذه المجموعة يعملون في القطاع العام، وهناك البعض الذي يعمل في القطاع الخاص أو في شركات عربية.
انتقال شركات بكاملها إلى اليونان موظفيها وعمالها، ورغم السنوات الطويلة التي قضوها في اليونان، فإن الأغلبية منهم لا يتكلم اللغة اليونانية، حيث اختلاطهم الأكبر هو مع الجاليات العربية خاصة الجالية اللبنانية والأردنية، وذلك بسبب معيشتهم في هذه البلدان سابقاً أو يحملون جنسيات سفر هذه البلدان.
وأغلب أبناء هؤلاء يدرسون في مدارس أمريكية أو بريطانية، وهم لا يتعلمون اللغة اليونانية، والبعض يدرس اللغة العربية في هذه المدارس ويتكلمون الإنجليزية بطلاقة. والأغلبية من العاملين في الشركات منهم من الطبقة العليا للتجمع الفلسطيني في اليونان، أما الفلسطينيون الذين جاؤوا للدراسة ولم يتمكنوا من إنهاء دراستهم، أو وصلوا إلى اليونان بطرق غير قانونية وذلك بحثاً عن ظروف اقتصادية واجتماعية أفضل، فقد توجهوا لقطاع العمارة.

العمل المؤسساتي والأهلي
بعد انتهاء عهد الديكتاتورية عام 1974، كون الطلاب الفلسطينيون الاتحاد العام لطلبة فلسطين، واعتمد نظام الكوتا للفصائل في انتخاب الهيئة الإدارية وهي تنظيم فتح، الديمقراطية، الشعبية. وكون طلبة الطب والصيدلة اتحاداً خاصاً بهم، رغم أنه كان جزء من الاتحاد العام لطلبة فلسطين وتولى اتحاد الطلبة مهمة تمثيل الفلسطينيين سياسياً في اليونان، وذلك قبل أن تعترف اليونان بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد تولي الحزب الاشتراكي الباسوك السلطة عام 1981 ارتفع مستوى التمثيل الفلسطيني ليصبح ممثلية ديبلوماسية.
واستمر عمل الاتحاد بالتنسيق مع الممثلية في تمثيل التجمع الفلسطيني في اليونان وإدارة شؤونه التي كان أغلبها يخص الطلاب، لأن الشركات العربية التي قدمت إلى اليونان، لم تحتاج إلى مساعدة بسبب اعتبارها شركات أجنبية وتوفر حقوق لها. واستمر الوضع حتى نهاية الثمانينيات، حيث بدأ هناك حاجة لتكوين مؤسسة تضم جميع الفلسطينيين بغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الاجتماعي. وشكلت مؤسسة ناجحة للجالية في سالونيك، وفي عام 1991 شكلت مؤسسة الجالية الفلسطينية في أثينا والتي تعقد مؤتمراتها دورياً، وتتكون من رجال أعمال وموظفين وعمال ومهنيين درسوا في اليونان، ولاقت صعوبات في عملها، وبدا أن هدفها اقتصر على تقديم الدروس العربية للأطفال والأمهات اليونانيات، وبعض النشاطات الثقافية. ومن ضمن المؤسسات التي عملت في اليونان الهلال الأحمر الفلسطيني بعد انسحاب م. ت. ف. من بيروت عام 1982.
من أهم الشركات التي انتقلت إلى اليونان عام 1976، شركة اتحاد المقاولون، ويملكها رجال أعمال من أهم رجال الأعمال الفلسطينيون وأغلبية موظفيها فلسطينيو الأصل، من ضمن المنظمات الشعبية التي أسست في اليونان من قبل فلسطينيين وعرب. مركز إسلامي يقدم خدمات للتجمع الفلسطيني والعربي الإسلامي، ومن ضمن هذه الخدمات دروس للغة العربية وللدين الإسلامي، وللحاسوب للأطفال والشباب. وتأسس الكثير من اللجان المؤقتة مثل لجنة بعد اندلاع الانتفاضة، وجرت محاولات لتكوين لجنة للدفاع عن حق العودة، ولإنشاء لجنة صداقة يونانية ـ فلسطينية، ولكن الخلافات السياسية ومحاولات السيطرة على التجمع الفلسطيني حالت دون استمرارية هذه المبادرات.
إن من أهم المنظمات الشعبية القائم حالياً هو اتحاد العمال والشغيلة الفلسطينيين، وللاتحاد علاقات وثيقة مع اتحاد العمال والنقابات اليونانية، وله دور نشط في الحركة البديلة للعولمة المتوحشة، ويضم في عضويته مئات الأعضاء، وله علاقات واسعة مع اتحادات نقابية خارج اليونان.
العلاقة مع المجتمع المضيف
هناك قوانين تنظم علاقة المهاجرين مع المجتمع اليوناني، وهناك نظرة حسنة على العموم من قبل اليونانيين إلى المهاجرين. ويلاحظ أن أعداداً من الفلسطينيين المقيمين في اليونان حصلوا على الجنسية بسبب زواجهم من يونانيات أو من فئة رجال الأعمال أو بسبب علاقاتهم وإقاماتهم الطويلة في اليونان.
العلاقات السياسية بين الحكومة اليونانية والفلسطينية وبالتحديد م. ت. ف. كانت مساندة بشكل قوي للفلسطينيين، وتقديم المنح الدراسية، وبعد فوز الباسوك ورئيسها بابا ندريو عام 1981 دعا عرفات لالقاء كلمة في مؤتمر الحزب، وذلك بعد خروج م. ت. ف. من بيروت ورفع التمثيل الفلسطيني، واستمر الدعم خلال الثمانينيات وبداية التسعينيات حتى فقدان الباسوك الحكم وموت بابا ندريو.
وشهدت سنوات التسعينيات خفوتاً في العلاقة ما بين الحكومة اليونانية والفلسطينية، وذلك بسبب عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي والضغط الأوروبي للحد من الهجرة وعضوية اليونان في الناتو.
أما المساندة الشعبية اليونانية للشعب الفلسطيني، فقد استمرت من فترة السبعينيات حتى يومنا هذا عن طريق المظاهرات وحملات لجمع الأموال والأدوية، واستمر الدعم خلال الانتفاضة الثانية ممثلة بكل التيارات السياسية اليونانية.
معوقات العمل الجماعي بين الفلسطينيين
بخصوص العلاقات بين الفلسطينيين في اليونان هو الصعوبة التي يواجهونها في العمل سوياً، بالرغم من توفر الظروف الملائمة والمناسبة للعمل الجماعي للقضية الفلسطينية في اليونان. وأحد التفسيرات لهذه الصعوبة هو المنافسات الفصائلية ما حال دون التنسيق بين الفلسطينيين. فمنذ قدوم الفلسطينيين لليونان في السبعينيات وجدت الاختلافات بين الفصائل المتنافسة ولم يتم التخلص من هذه الخلافات إلا عن طريق استخدام قوة تمثيل الفصيل في منظمة التحرير. ولم تنحصر المنافسات بين الفصائل فقط إنما وجدت أيضاً في نفس الفصيل الواحد خاصة بنهاية الثمانينات وبداية التسعينيات وتحديداً في صفوف فتح، أي عند بداية العملية السلمية. وتفسير ثانٍ لهذه الظاهرة هو سيطرة المصالح الاقتصادية على تصرفات الأفراد أكثر من أي من المصالح الأخرى. ومن هنا كان الدافع الأساسي للعمل الجماعي هو وجود مصالح اقتصادية وقد انعكس هذا في قدرة الفلسطينيين المقتدرين على السيطرة على العمل أو غياب العمل الجماعي. كما أن التجارب في بلدان اللجوء الأول في الدول العربية المضيفة وكذلك بين هؤلاء وبين أولئك الموجودين داخل الوطن يؤثر على فعالية العمل المجتمعي في أوساط الجالية أو الأصح الجاليات الفلسطينية في الخارج. وكان موضوع التقسيمات بين فلسطيني الداخل والشتات قد برز على السطح خاصة بعد رجوع أفراد منظمة التحرير إلى فلسطين. أما بالنسبة لاختلاف العلاقات بالمجتمع اليوناني فيمكن إرجاعها إلى اختلافات في تاريخ توطينهم وإلى مستواهم الاجتماعي ـ الاقتصادي. فمثلاً الطلاب الذين قدموا لليونان في سنوات السبعينيات اندمجوا بنسبة أكثر بالمجتمع اليوناني من رجال الأعمال والموظفين الذين جاؤوا معهم، ولكن هؤلاء الطلبة أقل اندماجاً من العمال الذين استطاعوا أن يندمجوا بالمجتمع اليوناني بالرغم من محافظتهم على هويتهم الفلسطينية.
وتوجد أيضاً حالات من الانفصال التام عن المجتمع اليوناني من حيث تعلم اللغة أو أي محاولات لفهم المجتمع المضيف. لهذا كان العمال وأصحاب المشاريع الصغيرة من أكثر الفئات اندماجاً، ويمكن إرجاع السبب في ذلك إلى الحاجة العملية للتعامل مع هذا المجتمع من جميع النواحي.
العلاقة بين الفلسطينيين في اليونان وفلسطين علاقة لها جوانب متناقضة، فإن الرجوع الفعلي في كثير من الأحيان مستحيل لفلسطيني الشتات حتى الآن ومما يضاعف من صعوبته تردي الظروف في فلسطين، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها المرء عند الاستقرار في مكان جديد لا يتمتع بالاستقرار. فيبدو وكأن هذا الوعي أدى إلى قيام حركة جماعية تكونت إثر اندلاع الانتفاضة في نهاية 1999 وبداية 2000. فمن الملاحظ أن الانتفاضة الثانية خاصة في بدايتها نجحت في تجميع الفئات المختلفة في اليونان لتظهر تضامنهم مع أهلهم وذويهم في فلسطين، وذلك بالتنسيق مع جهات يونانية متعددة. ورغم حقيقة تحلل الكثير من لجان التضامن التي أنشئت فإن التعاطف مع حقوق الفلسطينيين في اليونان لا زال أعلى منه في دول أوروبية أخرى.
الخاتمــــة ...
بالرغم من وجود مشترك بينهم لم يكن هناك جهد للحفاظ على ذاكرتهم في إطار موحد مما وقف في طريق تكوينهم لهوية جماعية مشتركة. فالانشغال بقضايا ثانوية وخلافات سطحية والاهتمام بالمحافظة على مراكز القوة وقف في طريق تكوين هوية جماعية مبنية على أساس الذاكرة الجماعية.
أما العلاقات مع المجتمع اليوناني فهي بدورها قد تأثرت بالعمل الجماعي، فبالرغم من وجود حالات من الاندماج بسبب العمل أو الظروف المعيشية فقد كان هناك نوع من عدم الاهتمام بمعرفة أو فهم هذا المجتمع وثقافته من قبل عدد من الفلسطينيين، بالرغم من المساندة القوية للقضية الفلسطينية. ويمكن تفسير عدم الاندماج الكامل إلى القرار السياسي بعدم الاستقرار خارج فلسطين وقدرتهم على ذلك بسبب مساندة المجتمع المضيف. ولكن نتائج عدم الاندماج هذا أدت إلى انفصالهم عن محيطهم المادي، وحالت دون حصولهم على حقوقهم بالمجتمع اليوناني وحرمتهم من التعبير عن حاجاتهم. ومن هنا فإن عدم قدرة الفلسطينيين على مفاوضة هوياتهم المتعددة منعتهم من الحصول على قدر أكبر من العمل الجماعي المساند لقضيتهم. ولهذا يمكن أن نستنتج أن وجود رابطة قومية لا تعني بالضرورة قدرة الأفراد على العمل معاً وأنها لا تقف بالضرورة كعائق دون الاندماج بالمجتمع المضيف. ولكن ما يؤثر على العمل الجماعي والاندماج هو كيفية التعبير عن الهوية وما مدى كونها جماعية، فبدون هوية جماعية مبنية على سلسلة من الذكريات المشتركة يبدو أنه من الصعوبة للفلسطينيين في اليونان أن يحولوا ارتباطهم العاطفي بفلسطين إلى عمل جماعي للقضية الفلسطينية.