بين السلاح الفلسطيني...وفراس الطويل

كبريال مراد -

ملامحه لم تكن معروفة بالنسبة إلي، بل قد اكون قد كوّنت صورة نمطية عنه لا تختلف عن تلك التي في ذاكرتي عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. اولئك الذين تورّطت شريحة منهم في الداخل اللبناني، فورّطتهم جميعاً في علاقات مأزومة مع شريحة من اللبنانيين.

كانت الساعة قد قاربت المساء في الولايات المتحدة. وكانت الوفود الصحافية تصل الى واشنطن من حول العالم. هناك زائر لم يصل بعد. تأخّرت طائرته، او انه غيّر رأيه. هو الصحافي الآتي من الضفة الغربية.

اتضح لاحقاً ان تأخّره عائد الى الإجراءات الأمنية المشددة التي رافقت قدومه. تفنيد لملفه على المطار وتدقيق بهويته واسباب قدومه واين سيكون ومع من سيجتمع والى متى سيبقى ولماذا؟ اسئلة عدة لم ترافق غالبية الآتين للمشاركة في برنامج الزائر الدولي بدعوة من الخارجية الأميركية. أنا فراس الطويل من فلسطين، التي يسمونها هنا الأراضي الفلسطينية. هكذا عرّف عن نفسه فور ان وطأت قدماه بهو الفندق. تعريف احتفظ به طوال فترة اقامته، وكان يمهّد به لأي مداخلة له او سؤال يوجّه اليه او تعريف يطلب منه.

بعد يومنا الطويل من اللقاءات والإجتماعات، كنا نجلس في بهو الفندق او في احد المطاعم ونستفيد من الوقت لتقويم يومنا. كنا ثلاثة او اربعة صحافيين من البلدان العربية وفراس من بيننا. كل منا كان يتحدث عن تجاربه. أما فراس فكانت لديه حسرة مردّها الى ان النظرة الأميركية الرسمية الى اوضاع بلاده لم تتبدّل. ولطالما ردد " ان الإعلام الأميركي يواكب ويغطي ويتابع مقتل جندي اسرائيلي، ولا يهتم لسقوط عشرات المدنيين الأبرياء الفلسطينيين. يا اخي احنا كمان بشر، إحنا معتدى علينا مندافع عن انفسنا وما منعتدي على حد".

من خلال فراس باتت لدي فكرة عن معاناة الفلسطينيين تحت الحصار الإسرائيلي. او بالأحرى، لقد رأيت المعاناة وسمعتها من خلاله. اتضحت الصورة بعدما تجسّدت فيه...لم تعد مجرد تقرير تلفزيوني او خبر صحافي.

والأشد ايلاماً، على حد قوله، عندما يأتي الحصار ممن يعتبرون اشقاء على الحدود الفلسطينية في الأردن ومصر. كنا نتحدّث عن رحلة عودتنا الى ديارنا والوقت الذي ستستغرقه. اما فراس فلم يكن يعلم وقت رحلته. فالتفتيش سينتظره عند الخروج، وفي كل محطة. و حتى في الأردن على بعد مئات الأمتار من بلاده، سينتظر الى جانب العديد من الفلسطينيين الذين يرغبون في عبور الطريق المؤدي الى قراهم ومدنهم. هناك التفتيش لا يقل قساوة أو ذلاً حتى... وكان يروي كيف ان مئات الفلسطينيين يضطرون للنوم في العراء على الجسر في انتظار ان تسنح لهم الظروف في العودة الى منازلهم.

" إنتو بتقاوموا وإحنا كمان عم نقاوم من المكان إلّي احنا فيه بالكلمة والموقف والتمسك بالكرامة ورفض الذل"، قالها لي وهو يروي كيف طمح الفلسطينيون الى التغيير واصلاح الوضع الذي كان قائماً فصوتوا لحركة حماس في الإنتخابات النيابية التي رفضتها الدول التي تنادي بالديموقراطية. "اخترنا التغيير يا شيخ...بس العالم الحر إلّي بنادي بالديموقراطية وبالإنتخابات رفض التعامل مع ما قرره الشعب الفلسطيني. إيش هل تناقض ما بفهم".

اليوم يتحدّث عن خيبة شعب من تقاتل مسؤوليه في ما بينهم. فالشعب الذي كان يبحث عن تحرير الأرض واستعادة الدولة الحرة الكريمة، بات اليوم يعيش تحت حكم ما يشبه الدويلات. دويلة حماس، ودويلة فتح، فيما اسرائيل تزيد الخناق على كل الشعب الفلسطيني من دون تمييز.

محطات عدة رواها لنا فراس خلال جولتنا الأميركية. هذه الجولة التي رأى فيها على حد قوله في الجلسة الختامية، وجهان للولايات المتحدة. الوجه الجميل المتمثل بالشعب الأميركي، والوجه القبيح الذي يعرفه جيداً، والمتمثل بالسياسة الأميركية المنحازة".

أما أنا، فرأيت فيه وجه فلسطين التي لم اكن متآلفاً معها. توسّع افق رؤيتي وفهمي للموضوع. فأنا من بيئة اساء اليها المسلح الفلسطيني على ارض لبنان. وما زلت اتحفّظ على كثير مما يقوم به المسؤولون عن مقدرات الشعب الفلسطيني. وما زلت اعتبر ان السبب الرئيس للأزمات اللبنانية مصدره القضية الفلسطينية. أما معالجة الملف الفلسطيني في لبنان فتتطلب مقاربة شاملة تؤكد من جهة احترام الفلسطينيين لسلطة الدولة اللبنانية والتزامهم قوانينها، وتجدد التضامن مع قضيتهم واستعادتهم لحقوقهم. وإن حق العودة للفلسطينيين هو أمر أساسي ثابت، ورفض التوطين هو أمر يجمع عليه اللبنانيون ولا يمكن التراجع عنه بأي شكل من الأشكال. أما العلاقة بين الدولة اللبنانية والفلسطينيين فيجب ان تكون في إطار مؤسساتي فلسطيني واحد يكون ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في لبنان بما يؤمن حسن التنسيق والتعاون. أما معالجة ملف إنهاء السلاح خارج المخيمات وترتيب الوضع الأمني داخلها، فيجب أن يتم في إطار من الحوار الجاد والمسؤول والحثيث بين الحكومة اللبنانية والفلسطينيين، بما يؤدي الى بسط سلطة الدولة وقوانينها على الأراضي اللبنانية كافة.

...حزمنا حقائب العودة وتواعدنا من مختلف الدول الناطقة باللغة العربية على اللقاء. تركنا الولايات المتحدة حيث للفرد الأهمية الكبرى، يعطي رأيه ويصوّت ويبدّل ويغيّر.

وحده فراس ودعنا باكياً، مصراً على الا ننساه، لأن في مثل حالاته لا موعد ولا لقاء في ظل حصار ومنع سفر وتضييق. سنلتقي يوماً قلنا له... لا داعي للقلق. في شوارع اورشليم سنلتقي عندما تتبدّل الأحوال، وفي كنيسة المهد التي حدثتنا عنها سنصلي، وسنقرع معاً اجراس العودة. لا تنسى أننا من لبنان الشعب المقاوم... وتذكّر ان الوجود خارج اطار الحرية هو شكل من اشكال الموت...عبارة أخيرة قلتها له قبل الرحيل...على موعد اللقاء.

» الديار: حزب الله يغطي السلاح الفلسطيني وهذا السلاح يشكل تحديا للدولة
» الكلام الجنبلاطي حول الملف الفلسطيني يؤسس الى اثارة ملف السلاح الفلسطيني
» جبريل: السلاح الفلسطيني ملف سياسي
» السلاح الفلسطيني بات قضية غنية عن النقاش
» السلاح الفلسطيني في صلب محادثات الأسد - الحريري