وسيلة ضغط إعلامية تفتقد التنسيق مع منظّمات المجتمع المدني
قوافل كسر الحصار الداخلة والخارجة إلى قطاع غزّة تمثّل أحد الأدنى من المجهود الدولي لكسر الحصار، الذي لن يُرفع إلّا بقرار سياسي، فيما تبقى القوافل وسيلة تذكير بمعاناة شعب محتل
غزة ــ شدّوا رحالهم إلى هناك. قطعوا آلاف الأميال براً وبحراً. تكبّدوا مشقة الطريق وعناء السفر. واجهوا إجراءات صعبة وتعسفية في بعض الأحيان ليحققوا هدفهم بالوصول... لا شك أنهم خلقوا واقعاً جديداً ونجحوا في لفت الأنظار إلى تلك البقعة الصغيرة من العالم، بعدما تجاهلت معاناتها الدول الكبرى.
بعد عامين من الحصار، حملت سفينتان صغيرتان بصيص أمل وبعضاً من المواد الغذائية والطبية إلى غزة. هكذا بدأت أولى رحلات قوافل رفع الحصار عن غزة. كانوا غرباء عن المكان. دفعهم واجبهم الإنساني إلى الوصول إلى شعب محاصر يعاني نقصاً في كل مناحي حياته، ليلاقوا ترحيباً شعبياً ورسمياً واسعاً. اعتقد الجميع أنها بداية النهاية لحصار استمر إلى يومنا هذا، فيما نجحت القوافل فقط في إحداث صخب إعلامي، لا يكاد يطول حتى مغادرة إحداها وانتظار الغزيين قافلة أخرى...
ينظر الغزيون إلى هذه القوافل على أنها شكل من أشكال التضامن والتعبير عن معاناتهم، ومحاولة للفت أنظار العالم أكثر من كونها وسيلة لتوفير الاحتياجات الأساسية للمحاصرين.
أحمد المصري، طالب جامعي، واحد من أصحاب هذه النظرة، يرى أن قوافل رفع الحصار لا تمثّل إلا دعماً معنوياً لأناس أنهكهم الحصار، وآلمهم التجاهل العربي والدولي لمعاناتهم. أما مساهمتها في رفع الحصار الحقيقية، فلا تتعدى الانتقال من مرحلة الإدانة والشجب والاستنكار إلى مرحلة توجيه رسائل إنسانية عبر نقل صور المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة.
أما في ما يخصّ الحصار، فلم يتحقق في طريق رفعه شيء ملموس على الأرض حتى الآن. ويرجع المصري السبب إلى كون الحصار سياسياً بالدرجة الأولى، موضحاً أنّ رفعه يتطلب واقعاً سياسياً غير ذلك القائم في غزة منذ سيطرة حركة «حماس» عليها في حزيران عام 2007.
من جهتها، تشير إيمان النحال، وهي موظفة في مؤسسة خيرية، إلى أن قوافل المساعدات لرفع الحصار لا تعدّ مواد غذائية ومساعدات طبية فحسب، بل هي حملة إعلامية قوية في الداخل والخارج لدعم صمود الشعب الفلسطيني، والنظر إليها من زاوية نجاحها في رفع الحصار من عدمه هو مسؤولية كبيرة نلقيها على عاتق أولئك الذين دفعهم الواجب الإنساني للوقوف إلى جانب شعب يتعرض لظلم شديد.
وتضيف إيمان إنه «رغم هذا، نجحت تلك القوافل في تحريك المياه الراكدة، وإن تكبّدت الكثير من الخسائر، كان أكبرها تلك التي دفع فيها مشاركون في أسطول الحرية من دمائهم في سبيل وصولهم إلى غزة عبر البحر. ورغم أن بطش الاحتلال وقرصنته حالا دون وصولهم إلى مبتغاهم، فإنّ المجزرة بحقهم انعكست إيجاباً على سكان غزة المحاصرين، فقررت مصر فتح معبر رفح البري، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي، ورضخت دولة الاحتلال لضغوط دولية وخففت نسبياً حدة الحصار المضروب على غزة».
هذه بعض من آراء الغزيين التي لا تختلف كثيراً عن آراء المنظمين. فمدير «جمعية ياردم التركية» في غزة (الجمعيات التي تقف وراء تنظيم قوافل المساندة والتضامن)، هاني الأغا، يشير إلى أنه «كان لمحاولات رفع الحصار عن طريق القوافل البرية والبحرية الأثر البالغ في المستويين المباشر وغير المباشر، فقد وفرت سيارات الإسعاف، بعد تدمير عدد كبير منها أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، الأمر الذي أسهم في إعادة التوازن إلى قطاع الإسعاف بعدما كان مهدداً بالانهيار». هذا عدا مساهمة هذه القوافل في توفير عدد كبير من الأجهزة الطبية المهمة والأدوية.
أما على المستوى غير المباشر، يقول الأغا، فإنها مثّلت نموذجاً جديداً للمقاومة السلمية ضد أشكال العنصرية الإسرائيلية المتمثّلة في حصار شعب بأكمله. ويضيف «إن كان النظام العالمي ينكر على الفلسطينيين حقهم في مقاومة الاحتلال بالقوة، فالعالم بأكمله، سواء كان شعوباً أو حكومات اليوم، مدعوّ للوقوف إلى جانب هؤلاء المناضلين».
ويتابع الأغا إنه «رغم عدم نجاح هذه القوافل في كسر الحصار بصورة كاملة، فإنها حققت هدفها الإعلامي من وراء تحركاتها، وهو لفت أنظار الجميع إلى بقعة ترزح تحت نير الاحتلال، وتمارَس بحقها أبشع أنواع القهر الإنساني».
بدوره، يرى منسق شبكة المنظمات الأهلية، التي تحتضن اللجنة الفلسطينية الدولية لفك الحصار، أمجد الشوا، أن قوافل المساندة تمثّل قناة جديدة لإيصال المساعدات بطريقة مباشرة إلى سكان غزة، وخصوصاً بعدما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة. وأوضح أنها أيضاً «وسيلة إعلامية للضغط نحو تحقيق هدف محدد، هو رفع الحصار عن غزة، وفي شكلها الإنساني هي طريقة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذا ربما ما يزعج الإسرائيليين أكثر من أيّ شيء، وهو أن يروا بعد كل هذه السنوات من يتفهم مشكلة الفلسطينيين الحقيقية المتمثلة في الاحتلال، ويكشف زيف صورتهم حول العالم».
لكن الشوا يأخذ على جهود المتضامنين غياب التنسيق بين منظّمي القوافل، ولذلك هي لا تتخذ جدولاً زمنياً محدّداً بل تأتي في أوقات مختلفة حسب جهوزيتها. ويوضح أنّ هناك أيضاً غياباً لتنسيقها مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بتوزيع المساعدات داخل غزة، وهذا يؤدي إلى فوضى وعشوائية لا تسمح بوصول المساعدات إلى مستحقيها بطريقة دقيقة.
أمّا المشاركون في تلك القوافل، فيعبّرون عن فرحتهم العارمة لمجرد نجاحهم في الوصول إلى غزة. وتقول المتضامنة الإنكليزية بيبا بارتلوتي، التي وصلت غزة ضمن قافلة «شريان الحياة 5» أواخر العام الماضي: «لقد انتظرت لحظة دخول غزة كثيراً، ومنعتني الظروف من الوصول في المرات السابقة، رغم تعاطفي الكبير مع شعب يجري حصاره من دون أيّ ذنب سوى أنه فلسطيني يحبّ وطنه، ويطالب بحقوقه».
وتصف بارتلوتي نفسها بأنها ناشطة سلام وتكرّس جلّ وقتها من أجل الدفاع عن القضايا الإنسانية، وقضية الناس هنا في غزة هي أولى تلك القضايا التي يجب أن يلتفت إليها العالم الحر، فقد حان الوقت لأن يقول كلمته في وجه إسرائيل: «ارفعي يدكِ عن هذا الشعب، واتركيه يعِش كبقية شعوب الأرض».