إسرائيل بدأت فعليا بتهويد أحياء القدس

لا تزال قضية هدم مقر مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني فندق 'شبرد' بحي الشيخ جراح وسط القدس المحتلة تثير المزيد من ردود الفعل الغاضبة لدى كافة الأوساط الفلسطينية الرسمية والشعبية وحتى العربية والدولية وسط دعوات للرد على هذه الجريمة بعدة وسائل.

في مقدمة هذه الدعوات الإعلان فورا عن بدء المباحثات لإنهاء الخلاف الانقسام الفلسطيني للالتفات بشكل جدي وجماعي لعمليات الاستهداف المبرمجة التي تقوم بها سلطات الاحتلال وجماعاتها اليهودية المتطرفة ضد القدس ومقدساتها وسكانها ومُقدّراتها.

وكانت آليات وجرافات الاحتلال أنهت مساء أمس عملية الهدم للمبنى التاريخي إيذانًا بالشروع في بناء مستوطنة يهودية بواقع بناية من طابقين و20 وحدة استيطانية من أصل 70 وحدة وافقت بلدية الاحتلال للمليونير اليهودي موسكوفيتش أقامتها مكان الفندق.

ولا يقتصر الخطر على منطقة الفندق التاريخي ومقر المفتي الحسيني الذي يمتد على عدة دونمات من أكثر الأراضي استراتيجية في المدينة المقدسة؛ بل يمتد الخطر ليشمل 'كرم المفتي' الذي يعود لعائلات مقدسية متعددة من بينها عائلة الحسيني ومساحته تمتد على عدة دونمات في منطقة حساسة جدا محل أطماع السلطات المحتلة والجماعات اليهودية الاستيطانية على حدٍ سواء.

وفي حال نجحت سلطات الاحتلال ببناء مستوطنة مكان الفندق التاريخي ووضعت يدها بالكامل على أرض كرم المفتي المجاورة والشروع ببناء وحدات استيطانية عليها، فإن وجه القدس حتما سيتأثر بالتغيير الجديد وسيكون خطوة متقدمة نحو تهويد الحي الذي بدأت الهجمة عليه مبكرا مع بداية الاحتلال واشتدت في السنوات الأخيرة في ظل حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية.

يذكر أن مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني يعتبر أحد ابرز القيادات الفلسطينية في القدس، كان شيّد منزلاً في العام 1930 في حي الشيخ جراح واتخذه مقرا له، لكنه لم يتمكن من الإقامة فيه بسبب مطاردته من قبل قوات الاحتلال البريطاني. وبعد ذلك بثلاثين عاما اشترت شركة فلسطينية البيت من عائلة الحسيني وأقامت إلى جانبه ما صار يعرف بـ'فندق شيبرد'، قبل أن يتم مصادرته من قبل سلطات الاحتلال عند احتلال القدس من خلال قانون 'أملاك الغائبين'، ثم آل إلى المليونير الأميركيّ الأصل اليهودي موسكوفيتش بطرق ملتوية فيما خاضت عائلة الحسيني نزاعا قضائيا مع الاحتلال انتهى بالفشل الذريع ولصالح الاحتلال وهو أمر معهود من القضاء الإسرائيلي الذي يُعتبر أداة من أدوات تكريس الاحتلال في المدينة.

أقوى الردود على عملية الهدم جاءت من القيادة الفلسطينية والمتحدث باسمها نبيل أبو ردينة الذي أكد أن عملية الهدم التي تمت هدمت أية آمال معقودة على استئناف المفاوضات للبدء بعملية السلام في المنطقة.

كما أدانت الحكومة الفلسطينية عملية هدم الفندق، وقالت على لسان مدير مكتبها الإعلامي د. غسان الخطيب إن هدم الفندق هو استمرار لسياسة الاحتلال الاستيطانية ولتهويد المدينة في مخالفة للقوانين الدولية وانتهاك لحقوق الإنسان.

وأضاف الخطيب 'نرفض هذه السياسة ونستنكرها بشدة ونعتبرها إمعانا في سياسة تغيير الواقع التي تنتهجها إسرائيل وتسهم في هدم فرص السلام'.

وطالب الخطيب المؤسسات الدولية بوضع حد لهذه التغييرات والممارسات الاحتلالية 'قبل فوات الأوان'.

اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أدانت جريمة الهدم وأكدت، في بيان خاص لها، بطلان الإجراءات الاستيطانية التي ما زالت إسرائيل تمارسها على الأرض الفلسطينية وعدم شرعيتها، موضحة أن الجريمة التي أقدمت سلطات الاحتلال عليها اليوم بهدم فندق 'شبرد' خطوة جديدة لتغيير معالم مدينة القدس العربية وتهويدها، ولكن ذلك لن يغير شيئاً من المكانة الشرعية للقدس الشرقية باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية'.

وأكدت اللجنة 'أن إسرائيل تريد دفع المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف وسفك الدماء حتى تعيد خلط الأوراق للتخلص من الضغوط الدولية على سياساتها التي تمثل خطرًا مباشرًا على الاستقرار والأمان في المنطقة'.

ووصفت دائرة العلاقات الدولية في منظمة التحرير إقدام سلطات الاحتلال على هدم فندق 'شبرد' بأنه 'خطوة استفزازية في اتجاه تهويد المدينة وانتهاك الحقوق الفلسطينية فيها'.

كما أدانت حركة 'فتح' هدم الفندق واعتبرته 'انتهاكا جديدا للحقوق الشخصية والوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني وتحديا للإرادة الدولية'.

وأشار البيان إلى أن هذا المشروع الاستيطاني جزء من الطوق الاستيطاني الاستعماري حول البلدة القديمة من الجهة الشمالية الذي تخطط له بلدية الاحتلال.

وشددت 'فتح' على أن مواصلة تنفيذ المشروع الاستيطاني الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وخاصة في مدينة القدس، دليل على إصرار حكومة اليمين المتطرف في دولة الاحتلال على تحدى المجتمع الدولي والقوانين والمواثيق الدولية.

إلى ذلك، لفت خبير الأراضي والاستيطان خليل التفكجي إلى أن هناك مخططا إسرائيليا لإقامة 20 وحدة استيطانية في المرحلة الأولى على أنقاض الفندق وبيت المفتي، ومن ثم بناء 200 وحدة استيطانية في المرحلة الثانية، قبل الانتقال إلى بناء أكثر من 200 وحدة أخرى في مرحلة لاحقة على أرض كرم المفتي المجاورة ومساحتها 37 دونما'.

وقال لـ'وفا' إنّ تمويل المشروع يأتي من قبل المليونير اليهودي ايرفينغ موسكوفيتش، الذي يعتبر أحد أكبر ممولي الاستيطان في القدس.

ونفى التفكجي كل الشائعات التي تحدثت عن قيام عائلات عربية ببيع الفندق أو بيت أو كرم المفتي لجهات إسرائيلية، مؤكدًا أن إسرائيل 'سيطرت على الفندق وبيت المفتي والكرم بعد احتلال القدس بذريعة ما يسمى بقانون حارس أملاك الغائبين'.

وأوضح أنه 'بعد احتلال القدس الشرقية في العام 1967، صادرت إسرائيل بيت المفتي والأرض المجاورة التي تعرف بكرم المفتي وأحالتها لصالح حارس أملاك الغائبين، ثم حولتها لصالح جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية التي حولته بدورها لصالح المليونير اليهودي موسكوفيتش'.

وأضاف التفكجي 'إن ما قامت به إسرائيل في القدس أمس يحمل ثلاث رسائل 'مهمة جدا'، أولها أنها 'تريد الثأر من الحاج أمين الحسيني بداعي أنه أقام علاقات مع ألمانيا عام 1940، وتحالف معها ضد البريطانيين واليهود'.

والرسالة الثانية هي 'أن مدينة القدس خارج كل الحسابات ويحق لإسرائيل أن تفعل بداخلها ما تشاء من دون رقيب أو حسيب'.

أما الرسالة الثالثة فهي 'أن إسرائيل ومن خلال هذا المشروع بدأت تغيير شكل الاستيطان، حيث لم تعد الدولة هي التي تبني أو تخطط وإنما شركات خاصة، وكأنها تريد تحويل الاستيطان إلى عمليات بناء عادية يشرف عليها القطاع الخاص'.

من جانبهم، استنكر ورثة مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني، قيام سلطات الاحتلال بعملية الهدم، برغم الأمر الاحترازي الذي استصدروه من المحكمة الإسرائيلية بوقف قرار الهدم. وأشاروا في بيان خاص، إلى أن المنزل والأرض المجاورة تعود ملكيتها لورثة المفتي، وما قامت به إسرائيل دليل على أن هناك نيّة مبيّتة للاستيلاء على الأرض وهدم بيت المفتي، بحجة بناء مستوطنة في الشيخ جراح على أراضي وممتلكات لمواطني القدس الأصليين.

بدوره، قال محافظ القدس عدنان الحسيني، إن 'ورثة الحاج أمين الحسيني حصلوا على أمر احترازي من المحكمة الإسرائيلية لمنع الهدم، لكن إسرائيل سارعت إلى التنفيذ من دون أي حق في محاولة لمسابقة الزمن وفرض الأمر الواقع'.

ـــ