المستقبليون: من يلجأ إلى الشارع... فليتحمّل المسؤولية!

عندما كان نواب «تيار المستقبل» يتحضّرون لدخول قاعة الاجتماعات في قريطم، عصر أمس، للتداول مع «رئيسهم» فؤاد السـنيورة في آخر أخبار «بورصة» التسوية وإعلان الالتزام بـ «اعترافات» رئيس الحكومة على صفحات جريدة «الحياة»، كانت الرابية تستعد، باسم المعارضة، لإعلان وفاة تسوية استهلكت الكثير من جهد كبرى عواصم المنطقة والعالم. دخل «المستقبليون»، كعادتهم، متسلحين بجملة لاءات تعكس موقفهم الرافض لسيناريوهات «التنازل» التي تروّج لها المعارضة، لكنهم صدموا، وهمّ «يروتشون» البيان الأسبوعي الذي كان يريد أن يتبنّى مفاجأة الحريري الأخيرة لهم بأن المسعى السعودي السوري «قد أنجز فعلاً»، بانطلاق «صاعقة» من الرابية أصابت التسـوية في الصميم... وأحالتها رماداً.
يقرّ أحد نواب «تيار المستقبل» بأن «مضمون ما أعلنه العماد ميشال عون، والذي وصلنا خلال اجتماعنا في قريطم، قد اصابنا بالذهول. بالنسبة لنا، ووفق ما تسرّب لنا من «أجواء نيويورك» لم يكن هناك ما يوحي بأن التسوية قد انتهت، والدليل ان مباحثاتنا كانت تتمحور حول فحوى حديث الحريري الى صحيفة «الحياة» واللقاءات التي أجراها في الولايات المتحدة الاميركية مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والتي تركّزت بشكل اساسي على ان الاتفاق قد انجز فعلاً وهو ينتظر خطوات من جانب الطرف الآخر لبدء سريانه». ارتياح «النواب الزرق» لمآل التسوية دفعهم الى الاسترسال في اجتماعهم أمس في الحديث عن مضاعفات ولادة دولة جنوب السودان وتأثيراتها على المنطقة العربية، في وقت كان خصومهم قد تبلّغوا منذ فجر يوم أول من أمس بأن «مشروع التسوية» قد سقط بالضربة القاضية.
وبين سطور الكلام المستقبلي تُقرأ «الهواجس» من مرحلة تبدو مفتوحة على المجهول. إنذارات الاتحاد العمالي العام بانتهاء مهلة التفاوض مع الحكومة تستحضر لدى بعض مسؤولي «تيار المستقبل» «شبح» استعادة السابع من ايار بنسخة منقحة. مع ذلك، يأخذ ردّ قريطم شكل نداء الاستغاثة «ندعو للحوار والهدوء والاستقرار والالتزام بالخطاب الهادئ والبنّاء، وطالما «الأفكار» السعودية والسورية تستهدف الحفاظ على الاستقرار، فلا بد من أن تستمر وتثمر حلاً مقبولاً لجميع الأفرقاء، يبقي على المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، ويسمح بصدور القرار الاتهامي منزوعاً منه فتيل الفتنة». أما أصحاب اللهجة العالية فيرفعون من سقف تهديداتهم «من يريد اللجوء الى الشارع عليه ان يتحمّل مسؤولية قراره... وأعذر من أنذر».
الاستفزاز الأكبر الآتي من جهة الرابية تمثّل في إعلان عون عن تبّلغ مسؤولي وقيادات المعارضة بـ«نهاية التسوية»، في وقت أكد أحد نواب «المستقبل» لـ«السفير» «بأننا لم نتبلّغ من الرئيس الحريري او من أعضاء فريقه، طوال يوم امس، ما يعاكس ما أدلى به الى صحيفة «الحياة» عن ان المسعى السعودي السوري ناجز وينتظر التنفيذ وان على الفريق الآخر القيام بما التزم به».
على ما يبدو، فإن «المستقبليين» ما يزالون يراهنون على «جرعات» التطمين الآتية من حلفائهم في الرياض وواشنطن والقائمة على اساس «ان الاستقرار الداخلي مطلوب عربياً ودولياً... واللعب بالنار خط احمر»... ولم يستبعد أحد نواب «المستقبل» أن يعرج الحريري على واشنطن وأن يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما.
في المحصلة بدا بيان «الكتلة» أمس وكأنه من «كوكب آخر». فريق المعارضة يفرض على سليمان تحديد موعد طارئ في القصر الجمهوري لاستيعاب تداعيات انهيار التسوية داخلياً، ثم ينتقل الى الرابية ليبحث مصير الحكومة، فيما تنادي قريطم بـ «الانفتاح على جميع المساعي والجهود العربية الخيرة ولا سيما المساعي السعودية السورية لنصرة لبنان ومساعدته على تخطي المشكلات التي يواجهها».
صدمة «سقوط التسوية»، كما صور ذلك أكثر من نائب من نواب الكتلة الزرقاء، دفع أمس الرئيس السنيورة الى التحايل على بيان احتل استفتاء السودان أكثر من نصفه، أما ربعه فخصّص لـ «التنويه» بالمواقف التي صدرت في الأيام القليلة الماضية عن الرئيس الحريري «والتي أزال فيها الالتباس في الكثير من الأمور والقضايا التي يحاول البعض استغلالها لرمي بذور الشك والتضليل والمبالغة المقصودة وغير الواقعية في أكثر من اتجاه ومكان».
وقد اعتبرت «كتلة المستقبل» في بيانها «أن الحركة النشطة التي يتولاها الحريري على المستويين العربي والدولي من شأنها أن تساهم في مساعدة لبنان بما يؤمن دعم قضاياه المحقة والعادلة ومصالحه الوطنية العليا».
وشدّدت «على استمرار تمسكها بإحقاق العدالة وتثبيت الإستقرار واعتماد اسلوب الحوار وتبادل الآراء بحثاً عن المخارج الوطنية السليمة والصحيحة».
وطالبت «مؤسسة مجلس الوزراء بالعودة إلى ممارسة عملها الطبيعي في تسيير شؤون الدولة وحل المشكلات التي تواجه المواطنين بما في ذلك المبادرة الى معالجة مشكلة ارتفاع اسعار النفط العالمية وذلك بوضع سقف لأسعار المحروقات والنظر بموضوع غلاء أسعار بعض السلع الأساسية».
ومن جهة أخرى، رأت الكتلة «أن النخب الوطنية السودانية التي تعاقبت على المسؤولية في السودان والتي كانت مسؤولة عن الأوضاع تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأمور في هذا البلد العربي المتنوع. لاسيما وأنه كان بإمكان تلك النخب العمل على تلافي هذا التدهور وهذا الانزلاق نحو هاوية التقسيم والتباعد».
وتوقفت الكتلة «أمام حماسة بعض الدول والمؤسسات الدولية إزاء ما يجري في جنوب السودان تحت شعار تعزيز الديمقراطية وحرية تقرير المصير وسط ارتسام ملامح مقايضات لم تكن وليست في مصلحة وحدة السودان ومصلحة رفاه شعبه».
ونوّهت «بالموقف الذي اتخذه قناصل دول الاتحاد الأوروبي في مدينة القدس المحتلة بدعوة بلدانهم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين».
انتهت جلسة كتلة «المستقبل» وراح أعضاء الكتلة يستفسرون.. ولسان حالهم لماذا يتصرف السوري بهذه الطريقة ولماذا قرر «حزب الله» أن يعلن فشل التسوية بلسان العماد ميشال عون، وأين الايراني مما يحصل وهل نحن على عتبة مرحلة سياسية جديدة، وهل صار الترابط وثيقا بين ملف لبنان وملفات أخرى أبرزها الملف النووي الايراني؟