فتــح تهــرب مــن السيــاسة إلــى الأمــن

هذه قرارات ولدت ميتة». بهذه العبارة يصف أحد مسؤولي حركة فتح في لبنان القرارات التي أصدرها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لتعيين قيادات أمنية وعسكرية في «فتح ـــــ لبنان». وهذه القرارات التي قضى أبرزها بإعفاء قائد الكفاح المسلح في لبنان، العميد منير المقدح، من مهماته، وتعيين أحمد الصالح في مكانه، طغى عليها «الهروب من السياسة إلى الأمن»، بحسب مسؤول فتحاوي بارز. فهذه التعيينات اقتصرت على المراكز العسكرية والأمنية، ولم تأتِ بجديد يجمع شتات الحركة في لبنان، بل تركتها على حالها: انقسام على الذات يتعمق يوماً بعد آخر، وغياب لرؤية سياسية يمكن طرحها في سبيل تحسين أوضاع اللاجئين في لبنان. وفضلاً عن الهروب من السياسة إلى الأمن، فإن القرارات ذاتها، وبحسب المسؤول الفتحاوي ذاته، كرست الثلاثي الفتحاوي، (أعضاء اللجنة المركزية) سلطان أبو العينين وتوفيق الطيراوي ومحمد دحلان، «ملوكاً للساحة اللبنانية». يضيف المسؤول الفتحاوي ذاته، قائلاً: نحن نشكو دوماً من اقتصار التعامل اللبناني معنا، كلاجئين، على الجانب الأمني. فإذا بنا، كحركة فتح، لا نخرج من الدائرة الأمنية. فثلاثي اللجنة المركزية (دحلان ـــــ أبو العينين ـــــ الطيراوي)، هو ثلاثي أمني بامتياز. والأدوار التي يؤدّيها كلٌّ منهم معروفة، ولا تحتاج إلى تذكير».
القرارات الأخيرة لا تبشّر بزيادة الانقسام في «فتح ـــــ لبنان» فحسب، بل زادته إلى اللجنة المركزية للحركة في رام الله، في ظلّ تخبط محمود عباس بقراراته. فقبل نحو 3 أشهر، عيّن عباس أبو العينين على رأس لجنة قيادية للإشراف على شؤون الحركة في لبنان. وحتى ذلك الحين، كان عضو اللجنة المركزية توفيق الطيراوي يؤدّي دور «المشرف الأعلى» على أوضاع «الساحة اللبنانية». وبعدما اصطدم الطيراوي بواقع فتحاوي رافض لأبو العينين، أصدر قراراً وقّّعه محمود عباس، يقضي بإرسال لجنة من رام الله لدراسة أوضاع الحركة في لبنان. كذلك، واجه الطيراوي رفضاً لبنانياً مبطّناً لإعادة أبو العينين، وخاصة من المؤسسات


كرّست الثلاثي أبو العينين والطيراوي ودحلان «ملوكاً للساحة اللبنانية»الأمنية المعنية بقضايا المخيمات. وظهر هذا الرفض لاحقاً عندما أوقف الجيش موكب أبو العينين على مدخل مخيم الرشيدية. قبل ذلك، كانت ورقة الطيراوي، مبعوثاً لعباس إلى لبنان، قد «احترقت» عند مفاوضيه اللبنانيين. فهو كان ينقل رسائل من عباس يختلف مضمونها عما قاله عباس نفسه لاحقاً للمسؤولين اللبنانيين ذاتهم. وبناءً على ذلك، صار جبريل الرجوب هو من يتولى هذه المهمة. وبعد زيارة الأخير إلى بيروت، أعفي سلطان أبو العينين من مهماته، ليتسلمها عضو المجلس الثوري في الحركة، فتحي أبو العردات. لكن أبو العينين الذي خرج من الباب سرعان ما أعيد إدخاله من «النافذة»، إذ عيّنه عباس مستشاراً له لشؤون اللاجئين، برتبة وزير، قبل أن تصدر التعيينات العسكرية والأمنية. وهذه التعيينات قضت بمنح قيادة قوات الأمن الوطني (القوات العسكرية والأمنية لفتح) لصبحي أبو عرب، وتعيين محسن الحلاق نائباً له ومطيع أبو الليل مسؤولاً عن الاستخبارات العسكرية ومحمود عيسى (اللينو) مسؤولاً لمنطقة صيدا وأبو إياد الشعلان في بيروت وفضل مصطفى في صور وفخري الطراوية في الشمال. وبحسب فتحاويين واسعي الاطّلاع، فإن «لمسات الثلاثي، دحلان ـــــ الطيراوي ـــــ أبو العينين، واضحة في هذه التعيينات. هي توصية الطيراوي التي وقّع عليها محمود عباس من دون أي تعديل». وفي مواجهة ذلك، دخل جبريل الرجوب مجدداً على الخط، بحسب فتحاوي «عتيق»، إذ أجرى الرجوب اتصالات بمسؤولين لبنانيين ليؤكد لهم أن هذه التعيينات مؤقتة، وأن التغييرات آتية في وقت قريب.
أما خصم سلطان أبو العينين، زميله في اللجنة المركزية لفتح، عباس زكي، فقال في اتصال مع «الأخبار» إن «موضوع لبنان ومسألة التعيينات لم يُطرحا في مناقشات اللجنة المركزية ولا علم لي بهما». وغمز زكي من قناة ثلاثي اللجنة المركزية قائلاً: «إن وضع الملف بيد جبريل رجوب هو بداية صفحة جديدة مع لبنان، وهناك جلسة قريبة لمناقشة الساحة اللبنانية داخل اللجنة المركزية».
أما في الداخل اللبناني، فلا تزال أسباب إقالة العميد منير المقدح من قيادة الكفاح المسلح غير واضحة. يضعها البعض في خانة نظرة «حكام» رام الله إليه على أنه رجل «المحور السوري الإيراني» في حركة فتح. أما البعض الآخر، فيرى أن السبب مرتبط بالصلة القوية بين المقدح والحركات الأصولية في مخيم عين الحلوة. فيما آخرون لا يرون فيها إلا عقاباً من أبو العينين، لأن المقدح «لم يقف في صفّه طوال السنوات الخمس الماضية، في مواجهة عباس زكي». ويقول أحد المقربين من المقدح إن «الرجل لن يسكت، واعتماده ليس على الكفاح المسلح، بل على الجيش الشعبي، علماً بأن 80 في المئة من عناصره غير منضوين تحت لواء فتح، وآخر همه الكفاح المسلح». وفي الأيام الأخيرة، ارتفعت وتيرة اللقاءات التي يقوم بها المقدح مع مناصريه داخل مخيم عين الحلوة وفي المخيمات الأخرى، وهو على «تواصل أيضاً مع بعض فلسطينيي الشتات. وفي الأسابيع المقبلة سيقوم المقدح بتحرك ما قد تنجم عنه أخبار طيبة» كما يصفها أحد مسؤولي فتح في مخيم عين الحلوة.
من جهة أخرى، انتقدت «الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة» في بيان، تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن ضرورة «الإسراع بسحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات»، معتبرة «أن عباس يسعى إلى توتير الأوضاع الأمنية في المخيمات، من خلال المطالبة بسحب هذا السلاح وإزالة البؤر، والتبشير بنهر بارد جديد».

مشكور يا صقر البارد
تحية للقائد رئيس دولة فلسطين
محمود عباس - ابو مازن