«المعاناة..» كتاب جديد يؤرخ لفترة من حياة مخيم إربد

يدق الكاتب مسعد فرسان ، في كتابه "المعاناة - تاريخ الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مخيم إربد" ، ناقوس الوجع الفلسطيني في مخيمات اللجوء التي تفوح بثلاث روائح تعبق بها حاراتها الضيقة: رائحة الوطن البعيد القريب ، ورائحة الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية والبيئية ، وأخيرا رائحة التحدي .. للتحليق بجناح الأمل نحو شمس البلاد ، هناك حيث تركوا أنفسهم.



معاناة أخرى تضاف إلى سجل القضية ، ينبهنا إليها الكاتب أو المؤرخ ، فرسان ، بعد أن كان ناس المخيم في غيبوبة الألم. لكنهم لا يدركون أنهم يتألمون ، فيوقظهم ويوجعهم بقدر ما يفرحون به كمن عبر عن حياتهم بدقة العارف والمعايش لتلك الحياة ، والذي أسقط سهوا من حسابه أنه سيكون صفعة ريح مؤلمة تذكر من أخذه نسيان المرارة والتهى عنها لأنه لم يرد يوما أن يفهم.. لكن لنا أن نغفر للكاتب الذي أرخ لفترة زمنية 1951( - )1967 حرجة في حياة المخيم الذي يقع في يقع في الجهة الشمالية الغربية من مدينة إربد شمال المملكة ، كانت فيها سيماء المطرودين من بلادهم تحكي من الألم: الخيمة ومعونات وكالة الغوث القليلة والفقر المدقع والبرد والجوع ، ومرارة الغربة والنكبة التي كانت طازجة في أوج بكائها وندائها وغرقها ، وكما يفعل العاطلون عن العمل.. كانوا "أولئك الجيل الفذ والحزين" يربون الأمل "كما قال محمود درويش".

يقول الكاتب"الذي ولد في خيمة داخل المخيم": حين طردنا من بلادنا لم يكن معنا سوى آلامنا وآمالنا.

يذهب الكاتب نحو مخيم إربد الذي عاش في داخله ، ويروي الحكاية كاملة ليتحدث في كتابه "الذي يعد أول كتاب يؤرخ لفترة تاريخية في حياة مخيم للاجئين الفلسطينيين" عن بيوت المخيم آنذاك ، ومكتب الوكالة ، المدارس ، والحمامات والباعة والفرن والدكاكين وتل اربد ومطحنة الشرايط ومطحنة القمح ، ورمضان والعيد والصيف والشتاء والألعاب والبيئة وبابور الكاز "الذي كان يتدفأ به سكان المخيم لضيق ذات اليد" والدلف والبق والراديو والخرافات وبعض الحكايات الفكاهية والتطبيب ، حيث يتحدث عن كل زاوية معتمدا في ذلك على ثلاثة مصادر: مصدر ذاتي كأحد المعايشين لتلك الفترة ، والأشخاص الأكبر منه سنا والذين عاشوا في فلسطين وما زالوا يذكرون الكثير من التفاصيل مثل والدة الكاتب ووالده المتوفى ، والمصدر الثالث هو أصدقاء الكاتب ممن عايشوا كذلك تلك الفترة وما بعدها.

وعن تغييب الكاتب لذكر الجانب السياسي والثوري في حياة المخيم .. يقول: لم تكن بعد ملامح الحياة السياسية والثورية في حياة المخيم ناضجة وظاهرة كما يجب فهي قد بدأت بعد 1967 ، والكفاح لا يكون بالسلاح فقط وانما له صور أخرى أردت ذكرها مثل تحدي الفقر والمعاناة اليومية.. ولكني سأتحدث عنها في ما أريد كتابته عن الفترة بعد ,1967

ويتابع الكاتب فيض حكايته مع فكرة الكتاب "الذي وجده فلسطينيو المخيم نافذة أمل لهم": طرحت فكرة الكتاب على كثير من الأصدقاء وقد أبدى بعضهم تأييده وإعجابه وبعضهم كان متخوفا من أن لا يجد الكتاب استحسانا لعدم صياغته الأدبية ، لكنه كتاب تأريخي يسرد معلومات ولا حاجة فيه للأدب لأنه ليس رواية ، ثم بعد ذلك عزمت وبمساندة كثير من الأصدقاء بعد أن كنا جالسين ذات أمسية في منزل أحدهم وأخذتنا رياح الذاكرة نحو طفولتنا بالمخيم وأيامنا فظهرت بذور الفكرة وانطلقت فيها وكلي ثقة من نجاحها لان موضوع الكتاب سيلامس شعور كل إنسان.. وهكذا كان..

ويعترف بأنه أراد أن يكون مخلصا لقضيته وذاكرتها وان يقدم صورة للجيل الذي لم يعرف المعاناة الحقيقية بعد تحسن الأحوال مقدار الألم الذي عاناه جيل النكبة اثر الأحوال السيئة التي كانت تحيط بهم ، ومقدار التحمل والتحدي لدى أبناء ذلك الجيل الذين ظهر إبداعهم جليا بعد ذلك.. ، ويضيف "أردت ان أقدم صورة لكل فلسطيني في العالم ان إخوانهم في الغربة يعانون ويتألمون ويحسون بوجعكم وهمهم الوحيد هو: "العودة".

ويقول بحرقة ومرارة: "ألوم الأجيال السابقة على خروجها من فلسطين وأرى أن الموت تحت عجلات الدبابات أهون بكثير من ترك الوطن..".

ولكن تلك المعاناة يقول الكاتب جسدت نظرية التحدي والاستجابة لابن خلدون ، فالمعاناة هي التحدي والاستجابة هي ما أنتجه المخيم من جيل مثقف وواعي ومبدع.. وطموح.

ورغم أن الأوضاع تتشابه في مخيمات اللجوء الفلسطينية إلا أن لمخيم اربد خصوصية ما كما يقول فرسان وهي ما في المخيم من لم شمل للاجئين من جميع أنحاء فلسطين.. ويرى فرسان أن "حياة المخيم اختلفت الآن كثيرا والناس اختلفوا.. ففي الماضي كنا نرضى بالقليل ولا نفكر في شيء غير العودة ونفكر كلنا بضمير الجماعة.. أما الآن فيرى أن الجيل اختلف من النواحي الثقافية وصار التفكير يميل نحو الذاتية..".

وعن اتهام البعض للكاتب بأنه يكتب عن مخيم يشبه إلى حد ما المدينة يقول: "الفترة التي كتبت عنها لم يكن للمخيم علاقة بالمدينة في أية ناحية سواء في الخيم أو في بيوت الطين والدلف والبق وغير ذلك فتلك فترة حرجة كانت الحياة فيها صعبة بالإضافة إلى أن المعاناة ما زالت مستمرة في المخيم ولكن بشكل أقل ضررا.. متجسدة في الاكتظاظ السكاني والفقر.. فالمخيم الذي شيد ليحوي 4000 لاجئا يحوي الآن 27000 لاجئ".

ويؤكد الكاتب الفلسطيني أنه سيكمل المسيرة في كتاب آخر يتحدث عن فترة زمنية أخرى من حياة مخيم إربد.. ويعبر الكاتب بصرخة حية على لسان فلسطينيي اللجوء في كل المخيمات: "عائدون".